باحثة مصرية تقرأ ملامح شهرزاد في السينما العربيةارتبط المشروع النقدي للباحثة المصرية نهاد إبراهيم بشخصية شهرزاد، فلم تكتف بتناول “شخصية شهرزاد في الأدب المصري المعاصر” في أطروحتها لنيل الماجستير، بل استمر شغفها بالشخصية قويا لتعود إليها مجددا في كتابها الجديد المعنون بـ”استلهام شخصية شهرزاد في السينما المصرية”.العرب أحمد رجب [نُشر في 2018/01/05، العدد: 10860، ص(15)]نهاد إبراهيم: شهرزاد إحدى أعز بنات حواء، لكنها ليست أبدا كل حواء يرجع افتتان الكاتبة والباحثة المصرية نهاد إبراهيم بشخصية شهرزاد لقناعتها بأن “ألف ليلة وليلة” واحدة من أهم وأشهر الحكايات الشعبية في جميع أنحاء العالم، ولا تستمد شهرتها وخلودها فقط من الصراع الدرامي طويل المدى بين شهريار الذي يقتل كل ليلة عذراء بعد زواجه منها إثر خيانة زوجته السابقة له، وشهرزاد التي تحاول إنقاذ نفسها وبنات جنسها من مصير بدا محتوما، بل أيضا من محاولة شهرزاد إنقاذ شهريار من تسلطه وشفائه من العقدة التي لازمته طويلا ودفعته إلى قتل العذراوات، وتفلح في علاجه على مدى ليال طويلة عبر حكاياتها. ومن هناك تقدم الباحثة المصرية نهاد إبراهيم في كتابها المعنون بـ”استلهام شخصية شهرزاد في السينما المصرية” والصادر مؤخرا عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، عبر 476 صفحة من القطع الكبير على ما تسميه “عملية تشريح ثقافي” لشخصية شهرزاد، التي “قامت بأول انقلاب سلمي لإعادة الرأس المقلوبة لشهريار إلى وضعها الطبيعي، ليرى العالم رؤية صحيحة بديلة عن الرؤية المقلوبة”، لذا لم يكن بمقدور ناهد إبراهيم أن تفلت من سطوة حكايات “ألف ليلة وليلة” ككنز درامي ومعين لا ينضب. وإذا كان شاه زمان شقيق شهريار قد قام بدور الوسيط في نص حكايات “ألف ليلة وليلة” ليفتح الطريق أمام شقيقه البطل، فإن هذا الدور يلعبه على الشاشة صديق البطل في الأفلام التي قدمتها السينما المصرية مستلهمة علاقة شهريار/شهرزاد. ويبدأ الكتاب بفصل عنوانه “قراءة شخصية شهرزاد ألف ليلة وليلة من منظور فن الأدب الشعبي في الليالي”، تؤكد فيه الباحثة المصرية امتداد تأثير “ألف ليلة وليلة” إلى مجتمعات الشرق والغرب؛ حيث استلهمها الكثير من المبدعين عبر الوسائط الفنيّة المختلفة.امتداد تأثير "ألف ليلة وليلة" إلى مجتمعات الشرق والغرب وقبل أن تبدأ دراستها لتلك الشخصية تؤكد نهاد إبراهيم أن حكايات “ألف ليلة وليلة” تشكل “بنية نفسية اجتماعية وسياسية واقتصادية وإنسانية متفرّدة تصلح لكل العصور”، وتحدّد منطلقها للبحث بالتأكيد على تعدّد المسميات لحكاية الصراع الدائر بين شهريار وشهرزاد ومن بينها مسمى “الحكاية الذريعة” ومسمى “الاستهلال”، فإنها تفضل مسمى “الحكاية الإطار”، لأنها تراه الأكثر عمقا ودقة وتحديدا، وعلى أي حال فكل المسميات بشأن هذا الموروث الشعبي الأصيل تعني ملابسات الصراع بين شهرزاد وشهريار، وهو “الصراع الذي يؤطّر حكايات الليالي حتى لحظة عفو شهريار عن شهرزاد”، وقد ركّزت إبراهيم على الصراع الدائر داخل الحكاية الإطار بين شهريار وشهرزاد دون أدنى تطرّق إلى الليالي ذاتها. وتوضح المؤلفة كيف استلهمت السينما المصرية بامتداد تاريخها الطويل صراع الحكاية الإطار بين شهرزاد وشهريار عبر أعمالها المختلفة، سواء بشكل مباشر معلن، أو غير مباشر ومتوار قليلا، أو غير مباشر ومتوار كثيرا، وذلك بمنطق الاستفادة من المفهوم العام لملابسات الحكاية الإطار، ثم تتبع وتحليل عملية الالتفاف والاستلهام والاقتباس الحر دون الإخلال بالمصدر الأدبي الشعبي الأصلي؛ مع الاعتراف بتشعّب درجات هذه الحرية الإبداعية المكفولة لصناع الأفلام، لكنها في ذات الوقت تخرج من دائرة بحثها أفلاما رأت أنها تورّطت في الزج باسم شهرزاد دون أن تكون هناك علاقة بين الفيلم وبين صراع الحكاية الإطار، كما في فيلم “احكي يا شهرزاد” الذي أخرجه يسري نصرالله عام 2009. وإذا كانت هناك أفلام مصرية تعلن صراحة عن استلهامها لصراع شهرزاد وشهريار عن قصد مثل فيلم “شهرزاد” للمخرج فؤاد الجزايرلي عام 1946، وهو فيلم يكاد يكون مجهولا لعدم إقبال الشاشات على عرضه، فإن فيلم “الزوجة رقم 13” للمخرج فطين عبدالوهاب 1962، قد أشار مبدعوه إلى إفادتهم من حكايات “ألف ليلة وليلة”، وقد اقتبست أفلام أخرى الشخصية بشكل غير مباشر ومنها فيلم “الزوجة السابعة” من إخراج إبراهيم عمارة عام 1950، وفيلم “الزوج العازب” للمخرج حسن الصيفي عام 1966. أما الفئة الثالثة فتضم أفلاما تعاملت مع حكايات “ألف ليلة وليلة” ومفهوم الحكاية الإطار برؤية غير مباشرة ومتوارية كثيرا مثل أفلام “الشموع السوداء” الذي أخرجه عزالدين ذو الفقار في عام 1962، و”عدو المرأة” لمحمود ذو الفقار عام 1966، و”كرامة زوجتي” من إخراج فطين عبدالوهاب عام 1967. وتناولت الناقدة كل فيلم من الأفلام السبعة في فصل مستقل، وقد جمعت الفصول بين النقد السينمائي من جهة والأدب الشعبي من جهة أخرى، فمثلا في القراءة التحليلية للصراع بين شهرزاد وشهريار في حكايات “ألف ليلة وليلة”، ثم كيفية استلهامها في فيلم “الزوجة 13”. وترى نهاد إبراهيم أن اقتحام مراد (رشدي أباظة) لخصوصية عايدة (شادية) فعل عكسى لما فعله العبد مسعود عندما مارس الخيانة مع زوجة شهريار في بستان القصر وفي وضح النهار، أي أن مراد هو الذي بدأ بالخيانة، وهو ما يعكس رؤيته لذاته ومكانته في المجتمع “الأبوي الذكوري”، مقابل تهميش الآخر بسلاح أمواله وشبابه وجسده القوي.
مشاركة :