الهدف الأسمى للإمامة شيرين كامخان يبقى البحث عن إسلام تقدمي يقبل الاختلاف ويفصل بين السياسي والديني ويقترب من الروحانية أكثر فأكثر. العرب حميد زناز [نُشر في 2018/01/05، العدد: 10860، ص(13)]شيرين كامخان تقدم النموذج من أبيها، الفنان السوري المعارض المقيم بالدنمارك منذ مدة طويلة ورثت شيرين كامخان النضال والالتزام السياسي ونظرة متفتحة ليبرالية للدين الإسلامي، ومن أمها الفنلندية الممرضة الكاثوليكية ورثت حب القراءة والمساواة وفلسفة الحرية. عاشت منذ نعومة أظافرها بين ثقافات وديانات مختلفة وجذبتها الروحانيات أكثر من الديانات ولم تصبح مسلمة، كما تكتب، إلا في سن التاسعة عشرة وبالذات حينما بدأت تدرس اللاهوت أو علم أصول الدين الإسلامي. في كتابها المعنون “المرأة مستقبل الإسلام، معركة امرأة إمام” الصادر أخيرا باللغة الفرنسية بباريس، يدخل القارئ معه في عالم غير مألوف، عالم امرأة غربية مسلمة تشرف في قلب عاصمة الدنمارك كوبنهاغن على مسجد خاص بالنساء، وهي نفسها التي تحتل المحراب كـ“إمامة ” وتقوم بدور “المؤذنة” للصلاة أيضا. نعم للمرأة مكانة هامة في الإسلام تقول، ولكن إذا لم يكن لها الحق في النداء للصلاة والإشراف عليها، فإن الأمور لن تتغير ووضعها لن يتقدم. وليس هذا فحسب بل لاحظت أن صوت المرأة يضفي على الأذان عذوبة وطمأنينة غير متوفرتين في صوت الرجال. لقد دشنت مسجدها النسوي في شهر أوت 2016 وهو تعددي، يستقبل الجميع، سنّة وشيعة وأحمدية ومحجبات وغير محجبات وحتى غير المسلمات دون استثناء. تكتب أن في أول صلاة جمعة افتتاحية أشرفت عليها حضرت 70 امرأة ثلثهن من غير المسلمات. كما أن المسجد لا يرفض استقبال الرجال في أيام الأسبوع الأخرى للاستفسار الديني وغيرها من الخدمات الدينية. وتيمّنا بمريم العذراء أطلقت عليه اسم “مسجد مريم” وتخطب كل جمعة كما تعقد قران الشبان الذين بدأوا يتوافدون عليها من كل بلدان أوروبا معجبين بعقد القران الإسلامي العصري الذي يضمن المساواة الكاملة للزوجين في حالة الطلاق والحق في الطلاق للنساء ويمنع تعدد الزوجات ويجرّم العنف ضد النساء ويكسر التابو ويقبل الزواج المختلط ولا يعير اهتماما لدين المتقدمين للزواج. وقد عقدت القران السادس عشر منذ فتح المسجد وتحضّر لاستقبال عقود أخرى في الأشهر القادمة وصل عددها إلى عشرة حتى الآن. وترى الإمامة الدنماركية أن ثلاثة من مذاهب الإسلام السني الأربعة تسمح بإمامة المرأة فيما المذهب الرابع لا يمنعها. هي أم لأربعة أطفال، درست بدمشق وكوبنهاغن وتقول بأنها قريبة من القراءة الصوفية للإسلام. إعادة تأويل النصوص هو الطريق الوحيد لتجاوز تلك الأساطير التي تقدم الإسلام كدين خـانق لأنفاس النساء وهي شابة بنت السابعة والعشرين (2001) أسست “منتدى المسلمين النقديين” الذي يهدف إلى الوصول إلى ترسيخ تأويل عقلاني وديناميكي ومنفتح للقرآن يكون منسجما مع العصر ومع سلوك وأخلاق وعادات المجتمع الدنماركي. “إضفاء طابع مؤسسي للخطاب الصوفي، التصدي لبنيات السلطة الأبوية ومناهضة العداء للمسلمين”، هذا ما تحاول تجسيده ومواصلته بمعية زميلاتها انطلاقا من مشروع مسجد مريم وهي في سن الثالثة والأربعين وفي جعبتها دكتـوراه في علـم اجتماع الأديان. ويبقى الهدف الأسمى للإمامة شيرين كامخان البحث عن إسلام تقدمي يقبل الاختلاف ويفصل بين السياسي والديني ويقترب من الروحانية أكثر فأكثر. ولا يتم ذلك حسبها دون التكيّف مع الأجيال الجديدة وتوفير لها المعالم الدقيقة التي بموجبها سيتغير الوعي وتتوارى التأويلات القديمة المهيمنة على النص القرآني. هي لا ترتدي الحجاب سوى داخل المسجد وحينما تؤدي الصلوات لأن الحجاب يمثل بالنسبة إليها “الصدق والإخلاص، وهو الذي يجعلها أكثر قربا من ربها “. ولا تنظر شيرين كامخان إلى مبادرتها على أنها جذرية، فالرسول محمد، سمح حسبها إلى أم ورقة بالقيام بالدعوة والوعظ. وفي الحقيقة ليس هذا أول مسجد تشرف عليه امرأة بل في الصين نساء يشرفن على المساجد ويقمن بدور الإمام منذ القرن التاسع عشر. واليوم في ألمانيا والولايات المتحدة وكندا وأفريقيا الجنوبية نساء يقمن بنفس المهمة ولكن المفاجأة أن تبادر امرأة في الدنمارك التي ليس فيها سوى مسجدين كبيرين والبلد الذي انطلقت منه قضية الرسوم التي اعتبرت مسيئة لرسول الإسلام ذات عام والتي أشعلت النار في بلدان إسلامية كثيرة. ولئن كان مسجد مريم يستقبل النساء فقط في صلاة كل جمعة، فإن الأمر ليس نهائيا حسب الإمامة والخطيبة وقد تقام صلوات مختلطة في مستقبل قريب. وإعادة تأويل النصوص هو الطريق الوحيد لتجاوز تلك الأساطير التي تقدم الإسلام كدين خانق لأنفاس النساء ومانع لزواجهن من غير المسلمين إلخ. الإسلام في نظر شيرين خامكان هو انفتاح القلب على الإنسان بغض النظر عن لونه أو لغته أو دينه أو جنسه.. ولذلك فأمنيتها هي أن تبني دارا لله تكون واحدة تتمتع بأبواب ثلاثة وقاعة صلاة موحدة لتجمع الأديان الثلاثة وتوحدها. وكمناضلة نسوية مسلمة تقول إنها تصارع من أجل حق النساء في ارتداء الحجاب وكذلك الحق في الامتناع عن ارتدائه، ولا تنطلق من فراغ في مسألة تحرر المرأة المسلمة بل تعتمد على إرث النساء المسلمات، من نبوية موسى وهدى شعراوي وسيزا النبراوي وصولا إلى أمينة ودود وفاطمة المرنيسي وغيرهن. العلمانية في تصورها ليس اعتبار الدين ورموزه كتهديد محتمل للمجتمع وإنما هي في اعتقادها حوار ضروري بين الدين والسياسة. تكتب أنها ضد الدوغما ولا تؤمن بالمنع لأن حرية التدين هي الأخت الصغرى لحرية التعبير. الدفاع عن مقاربة تقدمية متسامحة متفتحة وروحانية فلسفية ومشددة على حرية وحقوق المرأة هو مساءلة وتحدّ للبنيات والقراءات الأبوية للقرآن وللأصوليين المتزمتين. ونقرأ الإمامة تقول في أول خطبة ألقتها في مسجد ها يوم 26 أغسطس 2016 والتي هي بمثابة بيان من أجل إسلام جديد مغاير “نحن هنا لعبادة الله، ولكن أيضا من أجل تحدي الفكر المحافظ والأبوية المسيطرين في مجتمعنا حيث يهيمن الرجال على كل مقاليد الحكم. وأضافت: لست مديرة للصلاة فقط، على الإمام أن يكون مرشدا روحيا بإمكانه الإجابة على الأسئلة التي يطرحها زمننا، ففي الكثير من الأحيان لا تتماهى ولا تتناغم الأجيال الجديدة التي ترغب أن تعيش إيمانها كليا مع الأئمة الوافدين من الخارج. ختمت “نحن هنا من أجل تغيير الإسلام في أوروبا وفي غيرها لنبين للعالم أنه دين سلام. سنغير الأشياء من الداخل، ونكرر رسالتنا دون ملل ولا كلل حتى نضع حدا لهيمنة الجهل”. يبدو من خلال تجربة السيدة شيرين المعروضة بتفاصيلها في كتابها “المرأة مستقبـل الإسلام، معـركة امـرأة إمـام” أن تناغـم الإسلام مع الحياة الحديثة في الدنمارك قد يعطيه نكهة عصرية وتقدمية ونسوية.
مشاركة :