إن بعض دكاكين النشر تشجع على النشر المجاني لاستقطاب المزيد من الأسماء بحجة أن سوق الرواية هو الأكثر رواجا. ذلك ما سيفسد مستقبلا مشروع النهضة الروائية العراقية الجديدة في العراق.العرب خضير فليح الزيدي [نُشر في 2018/01/06، العدد: 10861، ص(14)] إنها قضية ملفتة للنظر بشأن ما يدور من لغط حول الرواية العراقية الحالية ضمن تداعيات الحيز الثقافي العام. الكلام يدور عن قيمتها وجديتها وصعودها النهضوي، إذ تسجل قفزة في الإنتاج المتنوع، يقابله قلة في المبيعات بمنطق اقتصاديات السوق المحلية، في ثنائية العرض والطلب، جلّها انتجت في الأعوام الأخيرة وعلى نحو متلاحق ومحموم. إنه السيل الجارف من المطبوعات الورقية بعنوان “رواية عراقية”، وقد أحدث هذا الأمر خللا في ذائقة التلقي أو هضمها. إذ ثمة ملاحظات مهمة عما يجري بشأنها في الساحة الثقافية العراقية ونحن في مطلع العام الحالي مودعين عاما مضى. الكتاب الأدبي برمته يرتكن إلى المناطقية في البيع فالرواية العربية المغاربية متداولة في بلدان المغرب العربي والمشارقية في المشرق العربي، والخليجية كذلك في مناطقها، وخاصة في معارض الكتب وهذا كلام أغلب أصحاب دور النشر، إنها ظاهرة سلبية تضاف إلى الظواهر الأخرى التي أنتجتها دور النشر من طباعة الطبعة الثالثة والرابعة والخامسة من دون وجه حق أو استحقاق فعلي، إنما من أجل الترويج لكتاب ما فقط. في يوليو عام 2014 تم جرد أكثر من 500 رواية مطبوعة ما بعد لحظة الاحتلال في 2003، وقد تم جرد الاحصائية في حينها ونشرها في الصحف وصفحات التواصل الاجتماعي، كما اعتمدت كمرجعية إحصائية. وقد كان العدد صادما للجميع في حينها. ودعنا عام 2017، ولكم أن تتصوروا كم من الورق استهلكته آلات الطباعة العاملة على مدار الساعة، وعلى الضخ المتواصل لطباعة الكتب تحت خيمة الرواية العراقية. وعندما نتابع معارض الكتب وسوق الكتب نفجع بكثرتها وتعدد الأسماء، ولكن من دون مبيعات. يدرك المتابع للشأن الأدبي والثقافي، هذا التضخم في حاجة القارئ إلى قراءة الرواية، كمنتج يهتم بالمتخيل تحديدا، فالمعروض اليومي/ السوقي أصبح أكثر من الطلب الفعلي حتى بارت السلع المنتجة. ذلك ما يضع القارئ في حرج إزاء شحة الوقت وتقلص زمن القراءة، في عالم غارق في غوايات الصورة والصورة المتحركة وعالم الاتصالات التي أكلت من جسد الوقت المخصص للقراءة. الروايات البدينة والروايات التجارية وأخرى تدعى برواية الاستعمال لمرة واحدة، كلها مصطلحات مجترحة وقد عبثت بجسد وهيكلية الرواية العراقية الناهضة والرصينة. ثمة ماكنات ضخمة تروج بشكل مستحدث لكتب تحت اسم الرواية لكنها تنهار بعد مضي الشهر الأول من الصدور. بت أخاف على القارئ من العزوف تماما عن قراءة الروايات العراقية منها وهذا الصوت الهامس راح يعلو في هذا العام. وعلينا أن نأخذ مثالا على ذلك، ففي منتصف التسعينات من القرن الماضي نستطيع وبيسر أن نعد أسماء الروايات العراقية الصادرة وكتابها، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، ولكن لو تأملنا المنتج الأدبي في عام 2017 فهو يتجاوز عدد كتابها الـ500 وأما العناوين فيبلغ عددها الضعف. إن كان من يعترض على دور الرقيب الصارم وهراوته، فلا بد من الرقيب الفني للمطبوعات الهزيلة باسم الرواية وخاصة العراقية تحديدا. الرقيب الذي يفترض أن تتبناه بشكل رسمي هيئة المطبوعات والنشر أو المؤسسات الأخرى ذات العلاقة، وتلزم دور الطباعة والنشر بفحص الرواية ومشتقاتها فحصا فنيا قبيل الشروع في طباعتها وتسويقها. إن بعض دكاكين النشر تشجع على النشر المجاني لاستقطاب المزيد من الأسماء بحجة أن سوق الرواية هو الأكثر رواجا. ذلك ما سيفسد مستقبلا مشروع النهضة الروائية العراقية الجديدة في العراق، وسيعلن الطلاق الخلعي بين القارئ والرواية نهائيا، إذا ما استمر الحال بهذه الفوضى. فقد بات الخلط واضحا اليوم بين المشاريع الأدبية الرصينة ورديفاتها التجارية أو النرجسية أو غير المحترفة أو المدونات اليومية، حتى اختلط الأمر على القارئ العام في التمييز بين تلك المطبوعات. كاتب عراقيخضير فليح الزيدي
مشاركة :