رجل الحواديت الذي يظهر كل مرة بشكل مختلف الحدوتة ضرب من الحكايات الشعبية التي تقدم قصصا وشخصيات مقتبسة من الواقع أو من التاريخ أو حتى شخصيات فنطازية، تسعى من خلالها إلى تقديم فكرة أو عبرة للمستمع أو قارئ الحدوتة، ولسلاستها وبساطتها يتوجه هذا الضرب من القصص لمختلف الناس على اختلاف مستوياتهم العمرية والفكرية وحتى اللغوية، ليقدم قصصا مشوقة، بأسلوب بسيط.العرب حسام فكري [نُشر في 2018/01/06، العدد: 10861، ص(15)]آمال وآلام من خلال الحواديت يتناول كتاب “رجل الحواديت” للكاتبة آمال عويضة مجموعة من الحواديت المتفرقة المتنوعة التي يحمل أبطالها العديد من الحكايات والأحلام والطموحات، يجسدون مشاعرهم المرتبكة وأحاسيسهم المتدفقة وآمالهم وآلامهم من خلال تلك الحواديت. ونجد البطل الرئيس “رجل الحواديت”، وهو من تدور حوله الحكاية أو معه أو من خلاله، ورجل الحواديت قد يكون هو الصديق الذي نفضي إليه بأسرارنا، وقد يكون هو الحبيب الذي تتمنى أن تلتقيه في يوم من الأيام بطلة الحدوتة، وقد يكون من يسرد الحكاية كالراوية وقد يكون من تسرد له الحكايات، وقد يكون الرفيق الوفي في رحلة الحياة الصعبة، أو القريب أو الزميل. المهم أن لكل حكاية وحدوتة من هذه الحواديت بطل هو “رجل الحواديت”، والكتاب يتناولها لغته بسيطة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى، إذ أن الحواديت في ذاتها تتمازج باللغة العامية لتقترب أكثر من الناس على اختلاف انتماءاتهم ومستوياتهم الفكرية والعلمية وغيرها. يقص الكتاب مجموعة من الحواديت منها حدوتة “حصة تانغو” وفيها نجد صديقة تبعث برسالة إلى أعز صديقاتها منذ الصغر والتي أبعدتها عنها الغربة وتذكرها بذكرياتهما معا، وتتحدث عن رجل الحواديت الخاص بها، وهو فتى الأحلام الذي سيأتي مع الأيام ليحقق حلمها الآخر وهو رغبتها في تعلم رقصة التانغو، وهي تتخيله المعلم الذي ستتظاهر بأنها تصغي لنصائحه بكل اهتمام بينما هي تقع في هواه وتلقي على كتفه همومها، وتشاركه أحلامها وآمالها وآلامها لبقية حياتهما معا. أما في حدوتة “تفسير الزمن” نجد امرأة تفضي بمكنونات مشاعرها لرجل الحواديت، وهي توضح له حزنها على ما فات من ذكريات الأمس من أحداث الزمن الماضي الذي تحاول أن تنساه، وخوفها من الغد، زمن المستقبل الذي تجهله ولا تعلم ما يحمله لها من أحداث ولا ما يخبئ في جعبته من مفاجآت، وقلقها من الزمن الحالي وما يحدث فيه، كما أن هذا البطل الخيالي “رجل الحواديت” هو من تأتمنه على أسرارها ومخاوفها وأحلامها وأمانيها حول فتى الأحلام الذي سيحقق لها السعادة التي ترجوها. وفي حدوتة “فرق شجاعة” يوجد اختلاف كبير يتمثل في محورين رئيسين الأول أن رجل الحواديت في هذه القصة يشارك هذه المرة في الحوار ويرد على المرأة بطلة القصة، والاختلاف الثاني أن رجل الحواديت هنا يمثل الغواية، فهو ذلك الفتى اللعوب الذي يريد أن يمضي أوقاتا سعيدة مع امرأة من باب التسلية دون وعود أو التزام أو ارتباط من أي نوع، وهنا نلمح نوعا جديدا من الصراع النفسي والعاطفي بين البطلة وبين رجل الحواديت. وفي حدوتة “عيال بالألوان” رجل الحواديت هذه المرة هو صديق عزيز لبطل القصة أو الراوية، لأن بطل القصة الحقيقي هو شاب صغير يجلس في الأتوبيس يحمل في يده كتابا يقرأه، والقصة عن المقارنة بين الفكر المتحجر للجيل الماضي سواء هذا الجمود نابع من الأعراف أو العادات والتقاليد، وبين الشاب صاحب العقل المستنير الذي يرى الدنيا بالألوان، ويرسمها بطريقته الخاصة دون اللون الرمادي القابع في العقول المتحجرة. وفي “رشة سكر” رجل الحواديت صاحب البطل الذي يتولى الحوار ويتحدث في تلك الحدوتة عن التفاؤل، وأن هناك رجلا كان يرش السكر على وجه الأرض ربما يتمكن من “تحلية العيشة المرة”، ويظن الناس أنه مجنون والحقيقة أنه كان متفائلا يحاول ويكافح وهو يعرف أن الحياة بها طرق مظلمة صعبة، تكره بياض السكر وطعمه الحلو، ولكنه ينفض الكسل عن نفسه ويقوم ليصارع تلك الأيام، ويشق طريقه في الحياة ليقوم بتحلية مرارتها بهذه الطريقة الغريبة. أما في حدوتة “مزيكا في البيت” فيحدث أمر غريب وهو أن البطلة تتحاور مع “ثومة” وتفضي لها بمكنونات قلبها وهي طبعا تقصد أم كلثوم، وهي تعتذر لها لأنها من الجيل الجديد الذي لا يتحمل أن يستمع لمدة ساعة لأغنية واحدة، وأنها من النوع الذي يستمع لنوع جديد من الفن، ولكنها لا تنكر فضلها على الغناء العربي، كما تتحدث معها عن الأثر النفسي الإيجابي الذي تحدثه الموسيقى في النفس، ذلك الأثر العظيم المشع بالتفاؤل الذي تحدثه الموسيقى والأنغام حين تتحد مع كلمات خلابة تمس القلوب وتشبع النفوس. وفي “مع كليوباترا” رجل الحواديت هو الصديق الذي تحكي له البطلة عن أسرارها وتفضي له بمكنونات قلبها، وهي تتحدث معه في البداية عن ذكرياتها مع القهوة في مصر والفرق بينها وبين الكابوتشينو الذي تذوقته لأول مرة في إيطاليا، ثم تحكي له عن تفاصيل رحلتها لإيطاليا، وأنها أحست وكأنها زارتها من قبل وكأنها عاشت في عصر آخر وكأن هناك تناسخا في الأرواح، وهي تتخيل موكب كليوباترا وهو يمر في إيطاليا وهي في الأسر والكل يحاول النيل منها، ولكنها قوية تقاوم ولا تهتم، تتحدث عنها وكأنها رمز للمرأة المصرية أو للمرأة بوجه عام.
مشاركة :