بيروت – انديرا مطر | «لماذا تركتني في الثورة وحيدا؟»، كتاب نثري للشاعر اللبناني فيديل سبيتي صدر في مطلع عام 2018 ضمن سلسلة «يوميات عربية»، التي يشرف عليها المركز العربي للأدب الجغرافي، ويشترك في اصدارها كل من منشورات المتوسط في إيطاليا ودار السويدي للنشر والتوزيع في أبو ظبي. وكان الكاتب سبيتي قد وقع كتابه هذا في جناح دار المتوسط في معرض بيروت للكتاب في نهايات العام المنصرم. جيل الحرب اللبنانية ما يكتبه الشاعر والصحافي فيديل سبيتي في هذا الكتاب هو سيرة عائلية وشخصية تبدأ على النحو الآتي «أنتمي الى جيل ولد في خضم الحروب اللبنانية، ولم نكن قلة، إذ في ذلك اليوم من نيسان 1977 كانت غرفة الأطفال حديثي الولادة ممتلئة بنا في أحد مستشفيات مدينة صيدا في الجنوب اللبناني». وفي سياق السرد نعلم لاحقاً أن فيديل المولود في ذلك العام هو توأم شقيقته الشاعرة لوركا سبيتي. وعلى غلاف الكتاب الخلفي نقرأ «لم نكن أنبياء. بعد 1975 صار اللبناني يقتل لبنانياً لا يعرفه. ما الذي كان يفعله قبل تلك السنة؟». مدرسة في فرن انطلاقاً من هذا السؤال عاد صاحب هذه السيرة- نشر سابقاً مجموعة شعرية عنوانها «اقتل رجلا ارفع جمجمته عالياً» – الى اقتفاء حياة جده في مخيمات البؤس حول حي الاشرفية البيروتي، وسيرة والده في حي الشياح في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث تعلم والده (الشاعر مصطفى سبيتي) في مدرسة من غرفتين تتحول في الليل فرنا للخبز. ذلك ان السلطات اللبنانية في الخمسينات عملت على تقديم مساعدات مالية لبعض المتعلمين الجنوبيين- وهم غالباً من عائلات دينية قديمة، هجرت علوم الدين- لإنشاء مدارس خاصة شبه مجانية كي تغطي بذلك غياب مؤسسات التعليم الرسمي في الضواحي التي وصل اليها الريفيون من قرى الجنوب والبقاع. عصب فتيان الشوارع هذا كله نقرأه في كتاب سبيتي. والده تعلم أيضا في مدرسة رسمية في منطقة عين الرمانة المقابلة للشياح. وفي تلك المدرسة زامل سبيتي التلميذ سمير جعجع (أحد المشاركين في الحرب الأهلية ورئيس حزب القوات اللبنانية حالياً)، وتبادلا الزيارات البيتية. وكان والد فيديل سبيتي في مراهقته الأولى (في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين) واحداً من شبكة عصب فتيان الشوارع والاحياء، تسمى عصبة حي الغندور في مقابل عصبة أخرى تسمى عصبة شهربان. والفارق بين العصبتين ان الأولى من الفتيان الجنوبيين والأخرى من الفتيان البعلبكيين، وكانتا على شجار وعراك دائمين وداميين أحيانا في شارع أسعد الاسعد الذي منه ومن الشارع المقابل له في حي عين الرمانة اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975. وفي سياق هذه الرواية نقرأ ان والد الكاتب زار صديقه سمير جعجع في اعام 1969 فرآه في فسحة مع جمع من الفتيان يتدربون على السلاح. مصائر مأسوية تافهة في الحرب تتشظى سيرة الأب وابنه بين قريتهما الجنوبية كفرصير (تسمى كفرموسكو لكثرة الشيوعيين فيها) وضاحية بيروت الجنوبية. ثم نعلم ان فتيان العصبتين (الغندور وشهربان) صاروا مسلحين في زمن الحرب. وتروي السيرة مصائرهم المأسوية التافهة: أحدهم قتل في شجار أمام محطة محروقات. وآخر قتل حين خرج إلى شرفة منزله واضعاً المنشفة على كتفيه بعدما حلق ذقنه صباحا، إذ أطلق عليه أحد فتية العصبة رشقاً من بندقيته الحربية. وثالث طارده الشيوعيون في قرى الجنوب حتى قتلوه أخيرا. ورابع، وخامس، وسادس.. قتلوا أيضا على المنوال نفسه من المأسوية التافهة. ورثة اليسارية ثم تنعطف السيرة في مطالع التسعينات (بعد توقف الحرب الأهلية اللبنانية) بالابن (الراوي) الذي نجده بين شلل الطلاب اليساريين الذين ورثوا اليسارية عن أهلهم. وهناك فصل في الكتاب عنوانه «أبناء اليساريين»، يليه فصل آخر بعنوان «حاملو الشعلة الذين احترقوا بها». ومن هذا الوضع استلَّ سبيتي عنوان كتابه بوصفه يسارياً ابن يساري. حياة بيروت الليلية هناك منقلب ثالث في هذه السيرة، هو اقتفاء أثر السهر البيروتي الشبابي في حانات بيروت الليلية منذ عام 2000. وكذلك اقتفاء أثر الشبان اليساريين المقبلين على الانخراط في دوائر الحياة الثقافية البيروتية: العمل الصحافي، كتابة الشعر، حضور الندوات والامسيات، جلسات المقاهي.. وقد تكون فصول حياة بيروت الليلية كما يرويها هذا الكتاب، افضل فصوله إضافة الى ما رواه عن عصب فتيان أحياء الشوارع. فيديل سبيتي شاعر وصحافي. أصدر قبل هذا الكتاب مجموعتين شعريتين «تفاحة نيوتن»، و«اقتل رجلاً، ارفع جمجمته عالياً».
مشاركة :