في عام 1970، وعند دراسة تأثير ظهور الروبوت (الإنسان الآلي) اكتشف أستاذ علم الروبوتات الياباني، ماساهيرو موري، أن شيئا غريبا يحدث، وهو أنه كلما كان المظهر الخارجي للروبوت أكثر شبها بالإنسان، أظهر الناس تعاطفا كبيرا تجاهه ثم يصلون إلى نقطة معينة يشعرون خلالها بالاشمئزاز الشديد. وبعد هذه النقطة، كلما زاد شبه الروبوت بالإنسان بدأ الناس يتجاوبون بصورة إيجابية تجاهه مرة أخرى. وكانت هناك منطقة يشعر خلالها الناس بقلق شديد وهي المنطقة التي يتشابه فيها الروبوت مع الإنسان إلى حد كبير، والتي أطلق عليها موري اسم «الوادي الغريب». الأسبوع الماضي، كان فوز مانشستر سيتي على نيوكاسل يونايتد بهدف مقابل لا شيء، وبدا الأمر وكأنها مباراة عادية لكرة القدم، لكنها بطريقة أو بأخرى لم تكن كأي مباراة. كانت الأجواء في مدرجات الملعب غريبة في حقيقة الأمر، حيث كان الأداء القوي من جانب مانشستر سيتي مثيرا للإعجاب، لكن المباراة كانت مثيرة للاشمئزاز بشكل غريب! فقد استسلم جمهور نيوكاسل يونايتد لفكرة أنهم يشاهدون شيئا لا تنطبق عليه المعايير العادية، ولذا بدأوا يحتفلون بكل لمسة يلمسها لاعبو فريقهم في منتصف ملعب مانشستر سيتي وكأنهم قد حققوا إنجازا يستحقون عليه التحية. وعلى شبكة سكاي الرياضية، وصف المحلل الرياضي جيمي كاراغر ما حدث بأنه «مزحة»، وقال إن الدوري الإنجليزي الممتاز بات «مصدرا للإحراج». وقال غاري نيفيل إن ما حدث «غير مقبول»، في الوقت الذي اشتعلت فيه وسائل التواصل الاجتماعي. لقد حدث شيء أوقع الاشمئزاز في نفوس المشاهدين وأسقط المباراة في منطقة «الوادي الغريب»، فهي من جهة مباراة كرة قدم عادية، لكنها من جهة أخرى بعيدة كل البعد عن المعايير العادية للعبة للدرجة التي جعلت البعض يشعر بالاشمئزاز. وبعد نهاية الشوط الأول لتلك المباراة، وصلت نسبة الاستحواذ إلى 83 في المائة لصالح نادي مانشستر سيتي، ليكسر بذلك الرقم القياسي لأكبر نسبة استحواذ في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، والتي كانت مسجلة أيضا باسم مانشستر سيتي أمام كوينز بارك رينجرز في اليوم الأخير من موسم 2011-2012، والتي بلغت 82.28 في المائة (وبنهاية المباراة انخفضت تلك النسبة إلى 78 في المائة). لكن نيوكاسل يونايتد قاوم وكان قريبا من معادلة النتيجة في مناسبتين، ثم خسر المباراة في النهاية بهدف دون رد. ومن هذه الزاوية، نجحت الخطط التكتيكية التي طبقها المدير الفني لنيوكاسل يونايتد رفائيل بينيتيز (رغم اعترافه بأنه كان بإمكان مانشستر سيتي أن يفوز بثلاثية أو رباعية نظيفة، دون أن يرى أي شخص أن هناك شيئا غريبا فيما يتعلق بنتيجة المباراة). وقال كاراغر إن متعة كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز تكمن في الندية والمنافسة، مشيرا إلى أن هذه الندية تتضاءل كثيرا عندما نرى مباراة بين فريق لا يتوقف عن الهجوم وفريق آخر لا يفعل شيئا سوى الدفاع واللعب من أجل تقليل الخسائر. وخلال أول ثلاثة مواسم تجمع فيها شركة «أوبتا» الإحصائيات والبيانات - بين موسمي 2003-2004 و2005-2006 - لم يكن هناك سوى ثلاث مباريات فقط شهدت استحواذ أحد الفريقين على 70 في المائة أو أكثر. وارتفع هذا العدد بشكل تدريجي حتى وصل إلى 36 مباراة في موسم 2016-2017. وخلال الموسم الجاري، لم تتخط نسبة استحواذ أحد الفريقين 70 في المائة سوى في 37 مباراة. وقفز عدد المباريات التي يستحوذ فيها فريق على الكرة بنسبة 65 في المائة أو أكثر من 11 مباراة موسم 2003-2004 إلى 94 مباراة الموسم الماضي (و64 مباراة حتى الآن في الموسم الجاري)، كما ارتفع عدد المباريات التي استحوذ فيها أحد الفريقين على الكرة بنسبة 60 في المائة أو أكثر من 63 مباراة في موسم 2003-2004 إلى 181 الموسم الماضي (و100 حتى الآن في الموسم الحالي). ويعود السبب في ذلك إلى أنه من السهل الآن الاستحواذ على الكرة، نظرا لأن تعديل قانون التسلل قد جعل من الصعب للغاية على الفرق أن تلعب بدفاع متقدم بطول الملعب، وهو ما زاد مساحة اللعب الفعالة وجعل خط الوسط أقل ازدحاما وكثافة عددية. وبعدما أصبح حكام المباريات أكثر ميلا لإخراج البطاقات، أصبح من الصعب الآن - مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 15 عاما - على المدافعين الضغط على اللاعبين الموهوبين. وكانت النتيجة أن نرى لاعبين من أمثال تشافي ولوكا مودريتش وديفيد سيلفا يتحركون بسهولة أكبر. وربما يكون هناك شعور بأن الأداء الذي كان يقدمه برشلونة بقيادة جوسيب غوارديولا، وطريقة التعامل معه، قد غير التصور لما كان مقبولا، بل وممكنا، في عالم كرة القدم. لقد شعر مانشستر يونايتد بالرعب في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 2009 عندما أدرك حقيقة أنه لا يمكنه استخلاص الكرة من لاعبي برشلونة، ولم يكن السبب في ذلك أن لاعبي مانشستر يونايتد لم يعتادوا على اللعب من دون استحواذهم على الكرة فحسب، ولكن أيضا لأنهم كانوا يشعرون بالمهانة لعدم قدرتهم على استخلاص الكرة والاحتفاظ بها سوى ثوان معدودة. وعلى الجانب الآخر، أظهرت فرق مثل إنترميلان الإيطالي وتشيلسي في الدور نصف النهائي لموسمي 2010 و2012 أنه يمكن للفريق أن يحقق الفوز رغم أن استحواذه على الكرة لا يتعدى 20 في المائة، وهو الدرس الذي سرعان ما انتقل إلى الدوريات المختلفة، حيث أصبحت الفرق تلعب بتحفظ دفاعي كبير أمام الفرق الكبرى ثم تعتمد على الهجمات المرتدة الخاطفة ولا تهتم كثيرا بالاستحواذ على الكرة. لقد أدى الاستحواذ المبالغ فيه على الكرة إلى ظهور فكر آخر يعتمد على قلة الاستحواذ أيضا بشكل مبالغ فيه. لقد وجه كثيرون الانتقادات لبينيتيز بسبب اعتماده على الدفاع بهذا الشكل، وربما - كما قال روي هودجسون بعد ذلك بأربعة أيام بأن اللعب بشكل أكثر جرأة وتوازنا قد يحقق نتيجة أفضل - لكن بينيتيز قد يقول إنه لا يملك لاعب بسرعة ومهارة ويلفريد زاها كل يعتمد عليه، مثلما هو الحال مع هودجسون. في الواقع، يكمن جمال كرة القدم في اللعب بكل قوة والقتال من أجل تحقيق نتيجة إيجابية وحقيقة أن الفرق الصغيرة بإمكانها التغلب على الفرق الكبيرة، لكن المتعة ستقل كثيرا لو أصبحنا نرى دائما الفرق القوية وهي تفوز. وكما قال كاراغر، هناك فجوة كبيرة للغاية بين فرق المقدمة والفرق الأخرى التي ترى أنها لا تملك خيارا آخر سوى الدفاع بشكل متحفظ للغاية والخروج بأقل الخسائر الممكنة. وقد حدث ذلك نتيجة عدم المساواة في توزيع عائدات البث التلفزيوني، وربما يؤدي ذلك في النهاية إلى تقليل المتعة الكروية بدرجة كبيرة. إن ما حدث في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام أحد أفضل الفرق في تاريخ لعبة كرة القدم عبر كل العصور يحدث عدة مرات في الأسبوع في الدوري الإنجليزي الممتاز، من حيث الاستحواذ المطلق على الكرة من جانب فريق والدفاع والفشل في الاستحواذ على الكرة من جانب الفريق الأخر. لقد سقط الدوري الإنجليزي الممتاز في «الوادي الغريب»، إن جاز التعبير.
مشاركة :