أي شخص يراقب التطور المنهجي للقدرات النووية لكوريا الشمالية خلال العقد الماضي، لا يستطيع منع نفسه من القلق بشأن البرنامج ذاته في إيران. وكما هي الحال لدى إيران، كانت كوريا الشمالية تلحّ منذ سنوات عدة على أن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية، على الرغم من السجل الكبير للخداع والأكاذيب بشأن النيات الحقيقية للبرنامج. وقبلت إيران الاتفاقية النووية المسماة «اتفاقية الإطار» التي كانت من المفروض أن تمنع إيران من الوصول إلى صناعة القنبلة النووية، مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية تساعد نظامها الاقتصادي المهلهل. وكما هي الحال مع إيران، فقد تعهد الرئيس الأميركي السابق الذي توصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية عبر التفاوض، أن مواد تلك الاتفاقية تتضمن نظام مراقبة دولياً وصارماً، من شأنه أن يعزز أمن الولايات المتحدة. ولكن للأسف، وكما نعلم جميعاً، فإن تلك الاتفاقية مع كوريا الشمالية لم تنجح في تحقيق الهدف المرجو منها، فخلال 12 عاماً من اتفاقية تفكيك البرنامج النووي الكوري الشمالي، تمكنت هذه الدولة من تفجير أول قنبلة نووية لها. والآن، بعد 11عاماً، أصبحت ترسانة كوريا الشمالية تحوي نحو60 قنبلة نووية. وبعد تنفيذ ثلاثة اختبارات على الصواريخ البالستية العابرة للقارات هذا العام، تقف كوريا الشمالية على عتبة القدرة على حمل الرؤوس النووية إلى أي مدينة في الولايات المتحدة، بما فيها نيويورك وواشنطن العاصمة. وأصبحت قدرة كوريا الشمالية على توجيه الضربة النووية إلى حلفاء واشنطن في آسيا، وهما اليابان وكوريا الجنوبية، شيئاً مسلّماً به. وبلا شك فإن من يتحمل لوم حدوث ذلك هما الإدارتان الأميركيتان، الجمهورية والديمقراطية، على السواء. سيناريو مشابه تهديد لكوريا الجنوبية ثمة أمر مهم بصورة خاصة هنا، يتمثل في تهديد كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية، سواء كان ذلك نووياً أو غير ذلك، إضافة إلى تعداد الكوريين الجنوبيين الذين سيقتلون في الأيام الأولى لهجوم تقليدي تشنه كوريا الشمالية. ويمكن أن يكون العدد من عشرات الآلاف إلى مليون. ويعيش نحو 150 ألف أميركي في كوريا الجنوبية، يمكن أن يتعرضوا للقتل أو الإصابة. وتقع سيؤول، عاصمة كوريا الجنوبية، على بُعد 50 ميلاً من الحدود مع كوريا الشمالية، ولذلك فإنها يمكن أن تتعرض لخسائر اقتصادية لا يمكن إحصاؤها، ناهيك عن الكوارث الاجتماعية. ولم يتم حساب المخاطر والنتائج الأخرى الناجمة عن وقوع هذه الحرب على أعتاب دولتين نوويتين هما الصين وروسيا. • منع إيران من اقتفاء اثر كوريا الشمالية والحصول على أسلحة نووية، سيكون أمراً صعباً جداًإذا تمكنت من إلغاء الخيار العسكري الأميركي أو الإسرائيلي ضدها، عبر مواصلة تسليح «حزب الله». • إيران أرادت التخلص من الهجمات على خطوط تسليم الأسلحة لـ«حزب الله»، فقررت بناء مصانع أسلحة في لبنان وسورية، تمنح الحزب قدرات ذاتية على إنتاج كميات كبيرة من الصواريخ الدقيقة التصويب. ولا ندري إذا كنا بانتظار سيناريو مشابه في ما يتعلق بإيران، لكن على ضوء سابقة كوريا الشمالية فإن طموحات الجمهورية الإسلامية الطويلة الأمد، وتاريخ التعاونين العسكري والعلمي مع بيونغ يانغ، وإضافة إلى النواقص التي تميز الاتفاقية النووية مع إيران، يبدو الأمر أنه لا يدعو للتفاؤل مطلقاً، لكن الحذر واجب ومهم لضمان عدم الوقوع في الخطأ ذاته مع كوريا الشمالية، وتكراره في إيران. وكان ستيف بانون، الخبير الاستراتيجي السابق لدى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد بالغ في النتائج الناجمة عن الحرب مع كوريا الشمالية، في أغسطس الماضي، عندما قال «حتى يقول لي أحدكم كيف يمكن التخلص من السيناريو الذي مفاده أن نحو 10 ملايين شخص من سكان سيؤول سيموتون في نصف الساعة الأولى للحرب التقليدية، فإني أرى أنه ليس هناك حل عسكري في هذه الأزمة، لقد غلبنا على أمرنا»، لكن بانون كان محقاً إلى حد كبير في النقطة التي يتحدث عنها، لأنه في تسعينات القرن الماضي، عندما تم الاتفاق على اتفاقية الإطار مع بيونغ يانغ، كان التفكير في النتائج المحتملة لأي ضربة استباقية ضد كوريا الشمالية، يجعل صانعي السياسة الأميركية يضبطون أنفسهم. وكان الاعتقاد - الذي ساد في حينه بأنه ليس هناك خيار عسكري يضمن عدم تدمير حليف الولايات المتحدة - يشكل حجر الأساس لنجاح بيونغ يانغ في دخول النادي النووي. وهذا يقودنا إلى إيران التي تحاول تقليد كوريا الشمالية. إيران و«حزب الله» ويمكن تذكر ما فعلت إيران مع «حزب الله» في لبنان على عجل، ومنذ حرب إسرائيل مع «حزب الله» عام 2006 أدخلت إيران لحليفها في لبنان كميات كبيرة من الأسلحة، حيث أطلق الحزب نحو 4000 صاروخ على إسرائيل خلال فترة الحرب. ويقال إن «الحزب» كان يملك 5000 صاروخ فقط. ومع ذلك قتل نحو 160 إسرائيلياً في هذه الحرب، منهم 50 مدنياً، وهرب مئات الآلاف من منازلهم، ووصلت الخسائر الاقتصادية إلى المليارات. لكن الأمور أصبحت أكثر سوءاً الآن، إذ يقدر أن «الحزب» لديه ما بين 120 و150 ألف صاروخ، وهو رقم صاعق، هذا إذا أخذنا بالاعتبار أن قرار الأمم المتحدة لوقف الحرب عام 2006 أشار إلى وقف جميع الجهود الرامية إلى إعادة تسليح «حزب الله». وبناء عليه فإن الحرب المقبلة بين «الحزب» وإسرائيل ستكون أشد وطأة، إذ إن الحزب سيكون قادراً على إطلاق 1500 صاروخ على إسرائيل يومياً، بدلاً من 100 قام بإطلاقها على إسرائيل في الحرب الأخيرة عام 2006، ولذلك فإن بعض المخططين الإسرائيليين يرون أن مثل هذه الحرب، إذا وقعت، سينجم عنها سقوط مئات عدة من الأشخاص يومياً في إسرائيل. ويبدو أن الأمور ستكون أسوأ هذه المرة، لأن الصواريخ ذات المدى البعيد التي حصل عليها «حزب الله» من إيران، ستكون أكثر دقة وتدميراً من سابقتها في إصابة الهدف. ومن غير المعروف تعداد مثل هذه الصواريخ لدى «حزب الله»، لكن قادة إسرائيل أعلنوا، بداية الحرب الأهلية في سورية، أنهم لن يسمحوا بحصول «الحزب» على أسلحة من إيران من شأنها تغيير قواعد اللعبة في المنطقة. وقامت إسرائيل بنحو 100 غارة جوية على سورية، معظمها ضد ما تسميه إسرائيل «مشروعات بين حزب الله وإيران»، غرضها تقديم السلاح الإيراني لـ«الحزب»، لكن على الرغم من حذر إسرائيل وانتباهها الشديد إزاء منع وصول الصواريخ إلى «الحزب»، إلا أن هذا الأخير تمكن من الحصول على الكثير منها، وعددها غير معروف بدقة. لكن إيران أرادت التخلص من الهجمات على خطوط تسليم الأسلحة لـ«حزب الله» فقررت بناء مصانع أسلحة في لبنان وسورية، تمنح الحزب قدرات ذاتية على إنتاج كميات كبيرة من الصواريخ الدقيقة التصويب. وبعض هذه المصانع تم إنشاؤه في أعماق الأرض، على أعماق تصل إلى 160 متراً، في مسعى من «الحزب» لتحصينه من الضربات الجوية. وكان أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين قد دق ناقوس الخطر بشأن هذه المصانع منذ الصيف الماضي، مشيراً إلى أنه إذا لم تتخذ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أي إجراءات بشأنها فإن إسرائيل مستعدة لتدميرها قبل بدء الإنتاج فيها، ويبدو أنه تم تدمير بعض هذه المصانع في سورية. ولن يمرّ وقت طويل قبل أن تتمكن إيران من بناء قدرات «حزب الله»، بحيث تجعله جزءاً من استراتيجية إيران في إيجاد حالة شبيهة بما هو موجود الآن بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، على شكل «لبنان، إسرائيل». وباختصار فإن ذلك يضمن تحول أي حرب ضد إسرائيل في المستقبل إلى كارثة ضدها، الأمر الذي سيردع قوة مثل الولايات المتحدة عن ضرب إيران. وحالما يتم إنشاء توازن الرعب بين «حزب الله» وإسرائيل سيكون لدى إيران الغطاء الضروري لتطوير السلاح النووي من دون أي إعاقة في أي وقت تشاء. وربما يقول قائل إن ذلك غير مرجّح، لكن من كان يتخيل أن يصبح «حزب الله» بهذه القوة خلال 10 سنوات فقط، وكيف يمكن أن يصبح خلال العقد المقبل، أو عندما ينتهي أمد الاتفاقية النووية مع إيران عام 2030؟ خلال مناقشة مع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، حول الاتفاق النووي مع إيران قال أوباما إنه إذا حصلت إيران على القنبلة النووية بعد 15 أو 20 عاماً، فإن الولايات المتحدة لديها الخيارات نفسها الموجودة حالياً لوقف برنامجها النووي بما فيها الخيار العسكري. لكن ذلك التقييم يبدو سخيفاً ومضجراً، وسيكون أكثر ضجراً إذا فكر أحد الرؤساء الأميركيين في المستقبل أنه في حال القيام بضربة عسكرية ضد إيران سيدفع ذلك «حزب الله» إلى ضرب إسرائيل، أكثر حلفاء أميركا أهمية. وفي حقيقة الأمر فإن منع قيادة إيران من اقتفاء أثر كوريا الشمالية والحصول على أسلحة نووية، سيكون أمراً صعباً جداً، لكنه سيكون مستحيلاً إذا تمكنت إيران من إلغاء الخيار العسكري الأميركي أو الإسرائيلي ضدها، عبر مواصلة تسليح وتقوية «حزب الله». وتقول إسرائيل بوضوح إنها لن تسمح بحصول ذلك، وإنها مستعدة بكل ما هو ضروري لمنعه حتى لو اقتضى ذلك شن حرب شاملة مع إيران و«حزب الله»، قبل أن يشتد عود «الحزب» أكثر من ذلك ويصبح أقوى تسليحاً. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه موقف أميركا أيضاً، وقد شهدنا ما يحدث عندما تترد الولايات المتحدة في منع دولة مارقة ومعادية لها من الحصول على السلاح النووي، بسبب الخوف من تدمير دولة حليف لها، إذ تنتهي هذه القصة بحيث أصبح معظم المدن الأميركية في متناول هذه الدولة المارقة وفي مرمى صواريخها العابرة للقارات. إنها قواعد اللعبة التي اتبعتها كوريا الشمالية التي تحاول إيران اقتفاءها أيضاً. ومن مصلحة الولايات المتحدة المهمة أن تضمن عدم تمكين إيران من ذلك. جون حنا - كاتب في «فورين بوليسي»
مشاركة :