لا نعرف، في الحقيقة، من أين نبدأ وأين ننتهي، ونحن، أبناء الشعب الإيراني، نُعبّر عن أسمى وأجلّ وأكبر مشاعر الامتنان والشكر والعرفان لكل الجهات التي ساندتنا في انتفاضتنا ضد دولة القمع والظلامية في بلادنا. وهي مساندةٌ، وصلت، وأطفأت معها مسامعنا العَطشى، ورأتها عيوننا الدامعة، ليس فقط من قنابل الغاز، وإنما أيضاً من الفرحة العارمة بذلك الدفق من المساندة والدعم والتأييد، إلى درجة جعلتنا، فعلاً، مُربكين بهذا الحجم من التعاضد الإنساني العالمي، تكاد تشغلنا عن الاستمرار في التظاهر، إن لم يكن إيقافه كلياً، مع ما يبدو من نصرٍ مؤزرٍ سنصل إليه سريعاً بفضل ذلك الدعم وذينك التأييد.ولكي تظهر حقيقة وعينا بالرؤية الشمولية للأحداث، ومعها درجة إنصافنا لكل من وقفَ معنا بطريقته، فإننا نبدأ بشكر رئيس دولتنا (الإصلاحي) على نصائحه المهمة التي ذكّرتنا بمخاطر تأثير حراكنا على «المشروع الوطني» العظيم الذي تشهده البلاد، وأن الانتصارات والأمجاد التي يُحققها رجال هذا المشروع لا مكان فيها لمرفهين يبحثون عن الخبز والدواء، فضلاً عن رفاهيات أخرى مثل العدل والكرامة والحرية والمشاركة في صناعة القرار.ولا يفوتنا هنا، داخلياً أيضاً، التعبير عن مشاعر العرفان لكل أبطال الإصلاح السياسي في جمعية (رجال الدين المناضلين/ روحانيون) بزعامة (الإصلاحي الكبير) محمد خاتمي، الذين نبّهونا، بكل غيرتهم وتاريخهم الإصلاحي، بأن «مثيري الاضطرابات استغلّوا التجمعات والاحتجاجات السلمية لتدمير الممتلكات العامة وإهانة القيم الدينية والوطنية المقدسة». ولقد أدرَكنا فوراً أن هتافاتنا بالموت للمرشد وتمزيق صوره، فضلاً عن شعارنا «لا غزة ولا لبنان، نفديكِ يا إيران»، تأتي في إطار تلك الإهانات. والمؤكد أننا أسأنا فهم الدعم الذي تقدمه بلادنا لأطراف ومنظمات ودول وجماعات في إطار جهدها الكثيف لتحقيق «المشروع الوطني»، وفي مقدمتها الدعم بالمال والرجال والسلاح لتأديب السوريين الخارجين على طاعة قائدهم المتماهي مع مشروعنا الوطني الإيراني. والأرجح، مثلاً، أننا كنا نتوهم ونحن نسمع تصريحات حسن نصر الله حين قال ضاحكاً: «طالما بإيران في فلوس يعني نحن في عندنا فلوس. بدكون شفافية أكتر من هيك».. وبكل هذا الفهم الخاطئ، فإن تظاهراتنا وشعاراتنا تدخل عملياً في محاربة الإصلاح الذي يتغنى به إصلاحيونا على مدى أكثر من عقدين من الزمان، وإلى درجةٍ ربما حفّزَتنا بشكلٍ مُبالغٍ فيه، ودون قصدٍ ونِيّة، على أفعالنا.والظاهر أن أوهامنا امتدت لكي نضع (الإصلاحيين) و(المحافظين) في نفس الخانة، وأن نراهم وجهين لعملةٍ واحدة، وأن نرى في وجودهما تبادلاً لتوزيع الأدوار في البلاد، بحيث لا توجد فيها فُسحةٌ لصوتٍ معارضٍ حقيقي. وربما زاد في إيقاظنا من تلك الأوهام تصريح الجمعية نفسها حين أوضح كيف أن «أعداء الشعب الإيراني اللدودين، وفي طليعتهم أمريكا وعملاؤها، يدعموننا».وبهذه المناسبة، فإننا نتوجه أيضاً وأيضاً، بخالص درجات التقدير لموقف الولايات المتحدة منا ومن حَراكنا. إذ وَصَلتنا، بالتفصيل، جميع تغريدات رئيسها التي تُعبّرُ عن احترامه البالغ لنا، وعن وعده بحصولنا «على دعم كبير من الولايات المتحدة عندما يحين الوقت»!.. وإلى أن يحين هذا الوقت ونفهم التصريح نظرياً وعملياً، وهو ما نشعر أنه أقرب إلينا من حبل الوريد، فإننا لا نغفل عن أهمية الجهد الأمريكي المضني لعقد اجتماعين كاملين لمجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان في جنيف.ولئن شابت أفكارنا بعض التساؤلات من تصريحات مباشرة لمسؤولٍ رفيع في الخارجية الأمريكية لصحيفةٍ عربية، جواباً على سؤالٍ واضحٍ وصريح لمراسلتها، قال فيها إن الإدارة تتحدث عن تغيير سلوك النظام في إيران وليس عن تغيير النظام.. إلا أننا سريعاً ما شعرنا بالاطمئنان الشديد، في اليوم التالي، من تصريحات وزارة الخارجية «شديدة اللهجة» ضد الممارسات العنيفة بحقنا، بكل ما فيها من ألفاظ «الاستنكار» و»الإدانة». وبلغت سعادتنا درجةً لا توصف عندما سمعنا عن «تفكير» الإدارة بفرض عقوبات على بعض «المسؤولين» عن قمعنا وقتلنا، خاصةً مع التأكيد بأن مثل هؤلاء «لن يتم نسيانهم».ولن يفوتنا في هذا الإطار إلا الإشادة، بفرحةٍ لا توصف، بما صدر عن فرنسا من «قلق حيال ارتفاع حصيلة الضحايا والتوقيفات»، وتذكير الرئيس الفرنسي لنا وللجميع بأن التغيير في إيران يجب أن يأتي من الداخل، وشعور بريطانيا المُرهف بضرورة إجراء «نقاش جدي» في شأن مطالبنا، وتحذير الرئيس التركي من «رد فعلٍ عكسي» لمحاولات التدخل في سياسة حكومتنا، ومتابعة ألمانيا للتطورات في إيران «بقلق» يتصاحب مع التأكيد على أننا «نستحق الاحترام»، وحرص روسيا، وكثيرٍ من حكومات العالم ودوله، على استقرار بلادنا، بشكلٍ لا تصدقه أعيننا.ماذا نقول؟ وكيف لنا أن نستوعب كل هذا الاهتمام الذي لقيناه من هذا العالم الصادق الجميل الغيور على الإنسانية والمنسجم مع مبادئ حقوق الإنسان؟ عاجزون نحن عن الاستيعاب وعن الفهم والإحاطة والإدراك، فضلاً عن التعبير، حقيقةً عاجزون.
مشاركة :