شهدت سوق الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي نشاطاً مكثفاً في عام 2017، بعد أن كان الأداء خافتاً على مدى عامي 2015 و2016، وحقق عام 2017 ارتفاعاً يفوق العامين السابقين مجتمعَين. وبلغ إجمالي الاكتتابات العامة الأولية للشركات وصناديق الاستثمار العقارية المتداولة في المنطقة مجتمعة 25 اكتتاباً مقابل 4 اكتتابات في عام 2016 و6 اكتتابات في عام 2015. كما بلغت إصدارات الشركات من خلال الاكتتابات أعلى مستوياتها على مدى ثلاث سنوات، حيث بلغ إجمالي رأس المال المجمع 3.2 مليار دولار أميركي، مقابل 0.7 مليار دولار في عام 2016، و1.5 مليار دولار في عام 2015، وفقاً لتقرير صادر عن شركة «كامكو» للاستثمار وإدارة الأصول.وعلى الرغم من أن أنشطة الشركات المدرجة في البورصات الرئيسية لم تشهد تحسناً يذكر مقارنة بالعام السابق من حيث عدد الإصدارات، فإن إصدارات صناديق الاستثمار العقارية المتداولة والسوق الموازية للاكتتابات العامة الأولية قاما بتعويض هذا النشاط المعتدل من خلال عدد من الإصدارات في عام 2017، لكن تجدر الإشارة إلى استمرار مخاوف الشركات المصدرة للاكتتابات من تقلبات الأسواق وأسعار النفط والمخاطر الجيوسياسية: «وإلا لكان اتخذ عدد أكبر من الشركات الكبرى سبل الاكتتابات العامة الأولية في عام 2017»، بحسب محللي «كامكو».وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، حافظت السعودية على موقعها الريادي في سوق الاكتتابات العامة الأولية الخليجي بتسجيلها أكبر عدد من الاكتتابات، التي ارتفع عددها في السعودية إلى 16 اكتتاباً في عام 2017، مقابل 4 صفقات فقط في عام 2016. ومن حيث العائدات، لعبت الإمارات دوراً رئيسياً واستحوذت على 70 في المائة من إجمالي إصدارات رأس المال، في حين يعزى إلى حد كبير إلى اثنين من الإصدارات الكبرى، وهما «إعمار للتطوير» (1.3 مليار دولار) و«أدنوك للتوزيع» (851 مليون دولار). وبلغ إجمالي العائدات 2.2 مليار دولار.وفي سلطنة عمان، كان نشاط السوق الأولية مرتفعاً مقارنة بالسوق الموازية من خلال طرح خمسة اكتتابات أولية عامة، من ضمنها أربع شركات تأمين، هي «التأمين الأهلية للتأمين» و«رؤية للتأمين» و«الشركة الوطنية للتأمين على الحياة والعام» و«الشركة العمانية القطرية للتأمين». وبلغ إجمالي العائدات في عمان 112 مليون دولار في عام 2017. أما قطر، فقد شهدت صفقة واحدة تمثلت في مجموعة «استثمار القابضة» بعائدات بلغت 135 مليون دولار، مع استمرار خوف الشركات من أوضاع السوق، حيث تتراجع مستويات مؤشرات السوق الرئيسية والقطاعية بحدة في خضم الأزمة التي تعانيها قطر.وعلى الرغم من انتشار التوسع القطاعي، وتسجيل قطاعين هما القطاع العقاري وقطاع الطاقة، عدداً من الصفقات المنفردة الكبرى، فإن أبرز أنشطة القطاع الثانوي في سوق الاكتتابات الخليجية لعام 2017 يتمثل - بلا شك - في صناديق الاستثمار العقارية المتداولة، التي قامت السعودية بإدراج ستة منها خلال العام. كما شهدت إحدى الأسواق الإماراتية وهي «ناسداك دبي» إدراج صندوق الإمارات دبي الوطني. وبلغ إجمالي إصدارات صناديق الاستثمار العقارية المتداولة في دول مجلس التعاون الخليجي 536 مليون دولار.وكان الطلب قوياً على أغلبية تلك الصناديق، حيث فاق الاكتتاب في معظمها الأسهم المطروحة للعرض؛ الأمر الذي برز واضحاً في اكتتاب صندوق ملكية الاستثمار العقاري «REITs» والذي بلغت تغطيته 20 مرة، في حين تمت تغطية اكتتاب صندوق «جدوى ريت الحرمين» وصندوق «مشاركة ريت» بواقع 12.5 مرة و10.2 مرة على التوالي. وتركزت أغلبية أنشطة الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي من حيث عدد الصفقات في السوق الموازي في كل من السعودية وعمان. وجاء ذلك على خلفية إطلاق السعودية للسوق الموازية «نمو» كمبادرة لإعطاء فرصة للشركات الصغيرة والمتوسطة لزيادة رأس مالها؛ نظراً لقلة متطلبات الإدراج في السوق الموازية مقارنة بسوق «تداول» الرئيسية.وترى بحوث «كامكو» أن سوق الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2018 ستواصل اعتمادها على تخفيف حدة المخاطر الجيوسياسية، واستقرار أسعار النفط وتحسن بيانات الاقتصاد الكلي واستقرار أسواق رأس المال الثانوية. وعلى الرغم من اعتقاد «كامكو» أن الشركات الكبرى ستنظر بعين الاعتبار لتلك العوامل سالفة الذكر قبل المضي قدماً وطرح أسهمها للاكتتاب، فإنها تتوقع أن تتزايد أنشطة السوق السعودية الموازية، وبخاصة في ظل قرار هيئة أسواق رأس المال السعودية لتمكين المستثمرين الأجانب من التداول في مؤشر «نمو» في عام 2018. بالإضافة إلى ذلك، وبصرف النظر عن اكتتاب «أرامكو» المتوقع في السعودية، من المتوقع للمزيد من الشركات المملوكة للدولة والأصول شبه الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي أن تأخذ مسار طرح أسهمها في سوق الاكتتابات العامة الأولية على المدى المتوسط.وعلى صعيد الاكتتابات العامة الأولية على مستوى العالم، فقد تلقت هذه السوق دعماً من السوق الثانوية مع تحسن أداء الأسواق العالمية وارتفاع مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق العالمية بنسبة 21.6 في المائة (مقابل 5.6 في المائة في 2016)... وكان أداء الأسواق المتقدمة 20.1 في المائة، والأسواق الناشئة 34.3 في المائة.وكانت خلفية الاكتتابات العامة الأولية على المستوى العالمي قوية جداً، وتم تسجيل أعلى مستوى من عدد الصفقات في سوق الاكتتابات العامة الأولية منذ عام 2007، حيث قفز عدد الاكتتابات العامة الأولية بواقع 49 في المائة على أساس سنوي في عام 2017، ليبلغ 1624 صفقة مقابل 1093 صفقة في عام 2016، وفقاً لمكتب «إرنست آند يونغ».وأشار المكتب أيضاً إلى أن عائدات الاكتتابات قد ارتفعت في عام 2017 بواقع 40 في المائة على أساس سنوي، من 134.5 مليار دولار في العام 2016 إلى 188.8 مليار دولار في عام 2017، أما من حيث المشاركة الإقليمية، فقد هيمنت منطقة آسيا المحيط الهادئ على النشاط العالمي من حيث عدد الصفقات والعائدات في عام 2017، مستحوذة على 58 في المائة من عدد الصفقات و39 في المائة من العائدات. أما من حيث أسواق الأوراق المالية التي ساهمت في أنشطة الاكتتابات العامة الأولية العالمية، فقد جاءت بورصة نيويورك في الصدارة من حيث حجم الاكتتابات، حيث أشار تقرير «إرنست آند يونغ» إلى بلوغها 30 مليار دولار في عام 2017، تبعتها «شنغهاي» بقيمة 20.2 مليار دولار، ثم «هونغ كونغ» بقيمة 15.6 مليار دولار. أما الصين، فقد كانت الدولة الرائدة من حيث عدد الصفقات، وساهمت بنحو 36 في المائة من الصفقات العالمية الأساسية.
مشاركة :