يقول لاجئون وعاملون في مجال الإغاثة، إن قوات الأمن العراقية ترغم مدنيين من المقيمين في مخيمات اللاجئين على العودة إلى مناطق غير آمنة في محافظة الأنبار التي يغلب السنة على سكانها، ما يعرضهم للموت جراء الشراك الخداعية وتصرفات اللجان الشعبية. وتعد مشكلة النازحين بسبب الحرب على تنظيم «داعش»، الذين يتجاوز عددهم مليوني عراقي، من أصعب المهام أمام رئيس الوزراء حيدر العبادي. غير أن منتقديه يقولون، إنه أكثر اهتماما بالفوز في الانتخابات التي تجري في مايو/ آيار، من تخفيف معاناة النازحين وعودتهم إلى ديارهم سالمين. ويقول اللاجئون والعاملون بوكالات الإغاثة، إن السلطات تعيد الناس رغما عنهم لضمان إجراء الانتخابات في موعدها. ولابد أن يدلي الناخبون بأصواتهم في دوائرهم الانتخابية، وربما تتأجل الانتخابات إذا لم يعد اللاجئون إلى بيوتهم. ويتمتع العبادي بموجة شعبية بعد هزيمة تنظيم «داعش» في العراق، ويحرص على عدم تعطيل الانتخابات. ولا تخلو استراتيجيته من مخاطر. فالعبادي يخاطر باستعداء الناخبين السنة إذا ظهر أن النازحين من السنة يعانون من جراء إعادتهم إلى بيوتهم في مناطق غير آمنة. ويسعى العبادي للفوز بفترة ثانية يخطط فيها لمكافحة الفساد والحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة النزعة الانفصالية لدى الأكراد. وسيحتاج لكل الأصوات التي يمكنه حشدها للتصدي للتحدي الذي يمثله مرشحون تربطهم صلات بالفصائل الشيعية المدعومة من إيران.شاحنات عسكرية تكشف مقابلات أجريت مع العاملين بوكالات الإغاثة وعشرات النازحين في مخيمات في مدينة عامرية الفلوجة الواقعة في قلب محافظة الأنبار على بعد 40 كيلومترا من بغداد ومع عدد من الأسر التي عادت إلى مناطق أخرى في المحافظة، أن كثيرين أجبروا على العودة لبيوتهم، وأن البعض كان مصيره القتل أو الإصابة. وقال العاملون في الإغاثة، إن شاحنات عسكرية تصل إلى المخيمات دون سابق إنذار، ويعلن قادة عسكريون قوائم بأسماء البعض يتم منحهم ساعة لجمع متعلقاتهم للرحيل. وقدر العاملون الذين اشترطوا عدم الكشف عن أسمائهم، أن ما يتراوح بين 2400 و5000 لاجيء أعيدوا قسرا لبيوتهم في الفترة بين 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، والثاني من يناير/ كانون الثاني. وقال أحد العاملين، «هؤلاء العائدون ليسوا في أمان. حتى من لا يقاومون صراحة ليس أمامهم في الواقع خيار آخر. فلا يمكنهم فعلا أن يقولوا لا لمجموعة من الناس تحمل أسلحة».«سلموه خيمة» قال متحدث عسكري عراقي، إن الادعاء بأن الجيش يرغم المدنيين النازحين على العودة رغما عن إرادتهم مبالغة. وقال العميد يحيى رسول المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة لـ«رويترز»، «همنا الأساسي هو سلامة مواطنينا ومهمتنا هي حماية الشعب». لكنه أضاف، «لابد من عودة المواطنين لديارهم»، بعد هزيمة تنظيم «داعش». وقال بعض العاملين في وكالات الإغاثة، إن قادة عسكريين محليين أبلغوهم أن مصدر الأوامر هو مكتب العبادي. ولم يرد المتحدث باسم رئيس الوزراء على طلبات للتعليق. وقال مهدي أحمد، إن قوات الأمن وصلت في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى مخيم في عامرية الفالوجة، وطلبت من ابنه صالح (37 عاما)، وأسرته العودة إلى بيتهم. ورفضت الأسرة لأن بعض معارفهم في بلدتهم أبلغوهم أن المنطقة مليئة بالشراك الخداعية التي تركها مقاتلو التنظيم، وأن بيوتهم قد دمرت. وأكد له قائد محلي، أن المنطقة آمنة. وقال له، «الأفضل أن تعيش في خيمة في بلدتك من العيش في خيمة في المخيم». وأخذ صالح زوجته وبعض أولاده على مضض وركب الشاحنة. وظل مهدي أحمد البالغ من العمر 72 عاما في المخيم مع زوجته المريضة وابن آخر وبعض أولاد صالح لأن أسماءهم لم ترد في القائمة. وقال مهدي لـ«رويترز» في المخيم ببلدة عامرية الفلوجة، «سلموه خيمة. وعاد إلى بيتنا المدمر وحاول إقامتها في فنائنا». وانفجرت عبوة ناسفة فلقيت زوجة صالح مصرعها على الفور وأصيبت ابنته بحروق غطت جسمها بالكامل. وفقد صالح عينا وأصيب بجروح خطيرة في العين الأخرى، وذلك حسب رواية ابن من أبنائه شهد الحادث.«لا يمكنني العودة» ليست عائلة أحمد بالحالة الفريدة من نوعها. فقد قال فتى اسمه عبد الله (17 عاما) لـ«رويترز»، إن أسرته أرغمت على العودة إلى بلدة جويبة في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني. وبعد أسبوع وصل ملثمون إلى بيت الأسرة في الساعة الثانية صباحا وطالبوا بمخاطبة والده. وعندما رفض فتح الباب اقتحموا البيت وبدأوا إطلاق النار. أصيب والد عبد الله بجروح في ساقه وفقدت والدته إصبعا. ولا تعرف الأسرة ما الذي كان المسلحون يريدونه. وقال عبد الله الذي أصبح عائل أسرته ويعمل في متجر بمدينة الفلوجة، «المسألة ليست أننا لا نريد العودة لكن لابد من أن يكون المكان آمنا». وبالنسبة لكثيرين ليس من المجدي اقتصاديا مغادرة المخيمات، حيث يمكن لأي لاجيء أن يفتح صالونا للحلاقة أو يبيع الفاكهة في الأسواق الشعبية المؤقتة ليحصل على دخل يعادل 50 دولارا شهريا. ولن يتحقق هذا الدخل في مدن اللاجئين، حيث لا وجود لفرص العمل أو الخدمات الأساسية أو المدارس. وقال علاء حسين أحد المقيمين في المخيم، «لا يمكنني العودة». وقال رجل يعاني والده من فشل كلوي، إن الرحيل معناه ضياع فرصة غسل الكلى المتوفرة في المخيم. ولا توجد أجهزة الغسيل الكلوي في قريته الواقعة على بعد 450 كيلومترا من المخيم. وقال جاسم علي (37 عاما)، «سأعود بمجرد توفر الخدمات الصحية الكافية هناك. لكن لماذا أعود قبل ذلك؟». وقال خمسة من المقيمين في المخيم لـ«رويترز» في لقاءات منفصلة، إنهم أرغموا على الرحيل، لكنهم اضطروا للعودة لأنهم طولبوا عند حواجز أمنية تديرها فصائل مسلحة شيعية تدعمها إيران بدفع رشاوى تصل إلى 400 دولار للسماح لهم بالعبور، وإن أيا منهم لم يتمكن من السداد. واشترط الخمسة عدم الكشف عن هوياتهم خوفا من الانتقام منهم. ولم تتمكن «رويترز»، من التحقق من صحة تلك الرواية من مصادر مستقلة.حياة مدمرة قالت دبلوماسية أمريكية في بغداد، إنها سمعت تقارير عن العودة الإجبارية، وإن السفارة نقلت ذلك إلى الحكومة العراقية. وأضافت، أن الحكومة شددت على التزامها بالعودة الآمنة والطوعية، لكنها قالت أيضا، إن «ثمة رغبة حقيقية في إعادة الناس إلى بيوتهم بأسرع ما يمكن». وتقول الأمم المتحدة، إن أكثر من نصف النازحين العراقيين عادوا بالفعل إلى ديارهم. وتقول المنظمة الدولية للهجرة، إن أكثر من 3.2 مليون شخص عادوا لبيوتهم حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول، وإن 2.6 مليون لا يزالون يعيشون بعيدا عن بيوتهم. وفي رأي مهدي أحمد، أن الحكومة حققت عكس ما كانت تنويه. وقال متسائلا، «يفعلون ذلك بسبب الانتخابات. لكني إذا عدت ورأيت بيتي مدمرا وأموالي ضاعت وحياتي خرابا فلماذا أصوت لهم؟».
مشاركة :