أدّت الآلات الموسيقية أدواراً مهمة في نقل التراث الشعبي المصري عبر العصور، وأبرزها آلتا المزمار والناي وغيرهما. وعُدّت آلة الربابة الأقرب إلى القلوب والراسخة في العقل والساكنة في وجدان المصريين، إذ رافقت شعراء كُثُراً نشأوا في صعيد مصر وأخذوا على عاتقهم حفظ الموروث الشعبي وتوثيقه ونقله إلى أجيال متعاقبة. واكبت الفنون الشعبية في مصر الحداثة وما طرأ من تغيّرات في النوافذ التي يطل منها هذا النوع من الفنون، وبالتحديد فن الحكي الشعري الذي كان يقدم مصحوباً بالعزف على آلة الربابة ويقدّمه فنانون عُرفوا بـ «شعراء الربابة»، إذ عُهد إليهم حفظ الموروث من السِيَر والبطولات الشعبية. فبعدما كانت المسارح المفتوحة ومجالس السمر والمناسبات والأعياد نافذة لهم، صارت الشاشة الصغيرة نافذة جديدة واسعة الانتشار، لكنها أحدثت فجوة بين شاعر الربابة وجمهوره. يفتقد فن الربابة إلى اهتمام الجهات الثقافية المعنية بتنمية الفنون ودعمها وتطويرها، لذا لجأ المجدّدون إلى الظهور إعلامياً لتعويض هذا النقص، وفق مؤسس فرقة الإسكندرية للفنون الشعبية علي الجندي، الذي قال لـ «الحياة»: «من الضروري أن يتصدر فن الربابة أولويات المركز الثقافي القومي في القاهرة، وأن يُضمّ إلى قائمة الحفلات في مهرجان الموسيقى العربية». أضاف: «نفتقد مشروعاً يرمز إلى ثقافة الشعب المصري، وهذا الأمر أثّر سلباً في التراث الشعبي الذي كانت نتائجه العشوائية في الفرق وشعراء الربابة، على رغم أنه في الماضي كان هناك عمالقة في هذا المجال وأبرزهم من الشعراء سيد الضوي وجابر أبو حسين والشاعرة خضرة محمد خضر». ورأى الجندي أنه «في ظل التهميش الذي يلقاه شعراء الربابة، لجأوا إلى الظهور عبر القنوات الخاصة وشبكات التواصل الاجتماعي بهدف أن يصلوا بهذا الفن إلى الجمهور». يرى البعض أن ظهور فرق الفنون الشعبية سبب لتراجع الجمهور عن متابعة شاعر الربابة، وهو ما يوضحه أستاذ الأدب الشعبي في جامعة بنها في دلتا مصر الدكتور يسري العذب لـ «الحياة» بقوله: «شعراء الربابة كانوا يؤدون مهمتهم من خلال هذه الفن الذي ضمر مع الوقت ما أحدث فراغاً لدى الجماعة الشعبية فصارت دون فن يعطيها ما تريد. وظهرت فنون جديدة لعرض الفن الشعبي ومنها فرق للفنون الشعبية مثل فرقة رضا، الفرقة القومية للفنون الشعبية التي تبنّتها الدولة. ويمكن القول إن الربابة وما تحمله من رمزية دخلا في إطار الفرق التي أنشأتها الدولة». وأضاف العذب: «تحوُّل شاعر الربابة نجمَ استوديو وضع حاجزاً بينه والجمهور، ما جعل العلاقة بينهما مفصولة متحجرة تفتقد التفاعل الذي كان يحدث في العرض المسرحي أو في مجالس السمر». ويقول الباحث في التراث الشعبي مسعود شومان لـ «الحياة»: «شاعر الربابة مبدع يعبر عن الفن المجتمعي ويوثقه بما لديه من قدرة على مناقشة القضايا المجتمعية وما تتضمنها من قيم في الصورة الشعرية. ومن المؤكد أن آلة الربابة هي أحد أسباب الشهرة التي حصل عليها بعض شعراء الربابة في مصر، الذين تعدّدوا في أشكال ما يقدمون من هذا الفن، فمنهم من قدم الموال والسيرة والمربع والواو، وحققوا النجاح في محيط القرى والنجوع ثم ذاع صيتهم محلياً ودولياً، وهناك نوع آخر من الفن الشعبي قدمه الفنانان محمد طه ويوسف شتا».
مشاركة :