شمّاعة التدخل الخارجي

  • 1/8/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د.عبدالله السويجي انشغل الباحثون والمشرعون القانونيون في تعريف التدخل الخارجي ومفهومه، ولم يستقروا على تعريف محدد له حتى اللحظة، نظراً لتشابك الأهداف واختلاف المصالح وتباين أشكال التدخل، إلاّ أنهم اتفقوا على خطوط عامة بشأن التدخل الدولي الذي يحمي مصالح دولة معينة إذا ما تعرضت للخطر من قبل دولة أخرى، أما التدخل الدولي لقلب نظام حكم في دولة معينة، فيشترط شرعية دولية متمثلة في إجماع دولي نظراً لما يشكله هذا النظام أو ذاك من خطورة على شعبه وانتهاكه لحقوق الإنسان، كأن يقوم بعملية تطهير عرقي أو ممارسة الظلم على الأقليات وغير ذلك من المعايير التي تختلف وجهات النظر بشأنها بين دولة وأخرى، وفقاً لقوانينها وتشريعاتها، وهذا الاختلاف يطول مفهوم حقوق الإنسان بين مجتمع وآخر، فحقوقه في دولة ليبرالية أو علمية تختلف عن حقوقه في دولة دينية، لاختلاف نظام الحكم وتشريعاته وشرائعه، وهنا يُعتبر التدخل مساساً بالسيادة الوطنية واعتداءً على أسلوب الحياة والعقيدة.لسنا هنا في معرض التنظير والبحث القانوني في مسألة التدخل الخارجي، لكن ازدواجية المعايير وتغليب المصالح وتحقيق الأهداف الشخصية والخاصة، جعلت من التدخل مشكلة كبيرة، كما حصل في العراق، حيث لم يكن للتدخل هدف واضح، وكذلك في ليبيا وسوريا، فقد تحول التدخل من إسقاط الأنظمة إلى نشر الفوضى والرعب والدمار والموت، وافتقر إلى برنامج سياسي أو اقتصادي لما بعد التغيير، فقد استمرت الفوضى في العراق وليبيا بعد سقوط نظام صدام حسين والعقيد القذافي، ولم تول الدول المتدخلة التي قادت التغيير، أهمية كبيرة لمرحلة ما بعد سقوط النظامين، فغرق البلدان في أتون الدم والنار. لكن ما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن اتهامات القذافي وصدام للمحتجين والمتظاهرين، تلخصت في العمالة لدول أجنبية، ففي ليبيا وصفهم القذافي بالجرذان، وفي العراق وصفهم صدام بالخونة، وفي الحالتين استبعد النظام أن يكون سبب التظاهرات والاحتجاجات، وجود الديكتاتورية والاستبداد وغياب الحريات والسيطرة على ثروات البلاد وممارسة القمع للمعارضين وامتلاء السجون بالناشطين السياسيين وغيرها، وللهرب إلى الأمام تم اتهام المحتجين بالعمالة والنذالة.الأمر ذاته تكرر في إيران في الأيام الماضية، حين خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع يطالبون بتحسين الأوضاع الاقتصادية ومطالبين بالحريات ووقف استبداد رجال الدين بالحياة العامة، إذ سارع المسؤولون باتهام جهات خارجية بشكل مباشر ووجهوا أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، بأنهما يريدان تقويض نظام الحكم في إيران، ولم يخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في التغيير؛ فغرد لصالح المتظاهرين والمحتجين معلناً أن التغيير قد حان. لكن التذرع بوجود تدخل خارجي عن طريق تحريض الشباب وإمدادهم بالأموال، لا ينفي الواقع القاسي الذي تعيشه طبقات الشعب الإيراني. فقد ذكر تقرير في موقع «العربية نت» بتاريخ 24 ديسمبر 2017 نقلاً عن إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإيرانية، أن هناك أكثر من 12 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر ويعانون الفقر الغذائي أي المجاعة، ونقل الموقع عن يحيى آل إسحاق، رئيس الغرفة التجارية المشتركة الإيرانية - العراقية في شهر مارس 2017 «أن 45 مليون مواطن من مجموع 80 مليوناً من سكان البلاد يعيشون ضيق العيش، ولا يمتلكون قوت يومهم ويعانون من أصعب الظروف نظراً لارتفاع معدلات التضخم والغلاء وتزايد النفقات والبطالة. وأن أكثر من 60 في المئة من المواطنين الإيرانيين لا يستطيعون إيجاد توازن بين دخلهم ونفقاتهم»، وأن البلاد تعاني من بطالة تتراوح نسبتها بين 2 و8 ملايين شخص. وكان قد حذر مراقبون قبل اندلاع الاحتجاجات الأخيرة، والمستمرة رغم محاولات التغطية والإخفاء، من ثورة جياع تشهدها إيران، ما ينفي لجوء السياسيين الإيرانيين إلى اتهام جهات خارجية بالتدخل في إيران.لقد باتت تهمة التدخل الخارجي رائجة، وغالباً ما تلجأ إليها الأنظمة الديكتاتورية الشمولية المستبدة مثل النظام الإيراني، بغض النظر عن الخلافات السياسية ورفض سياسات إيران في المنطقة العربية ومحاولاتها تأسيس أذرع عسكرية لها لأغراض سياسية واقتصادية واستراتيجية مختلفة. فتدخلها في العراق واليمن ولبنان لا يحتاج إلى دليل، وما على إيران سوى التوقف عن هذه التدخلات والاهتمام بالجياع من مواطنيها، لأن سياستها قد تجلب لها التدخلات العسكرية من قبل الدول العظمى، عندئذ سيعاني الشعب الإيراني ويلات الحروب والفقر والدمار. suwaiji@emirates.net.ae

مشاركة :