اصطدم نظام الملالي خلال فترة هيمنته على حكم الشعوب الإيرانية منذ 1979 حتى اليوم بخمسة تحديات (هزّات) كبرى كادت تعصف بأركانه؛ أول وأهم هذه الهزّات هي المعارضة القوية للنظام في أوائل أعوامه (1980) من قبل قوى مدنية وعسكرية مدعومة من الغرب، كانت خطّطت للانتفاضة في وجه الملالي، ولكن المعلومات تسرّبت فأُحبطت المحاولة، وقبض حرس الثورة على أكثر من 600 ضابط ومعارض، وتم الإعدام الفوري لأكثر من 200 شخص. ثم كانت الأزمة الكبرى الثانية وهي الأضخم والأكثر كلفة حين فتح صدام حسين على الملالي بوابة النار في حرب ضروس استمرت ثماني سنوات (980 -1988)، لم تحسم معارك "قادسيّة صدام" كما سماها العراقيون أو "الحرب المفروضة "جنگ تحميلی" كما يسميّها الملالي الوضع، مع أنها انتهت بمأساة مقتل أكثر من مليون إنسان على الجانبين. وكان التحدي الثالث الذي لم تنته ذيوله حتى الآن هو سلسلة العقوبات الاقتصادية التي بدأتها الولايات المتحدة على إثر أزمة الرهائن الأميركيين سنة 1979، ثم تنوّعت شكلاً ومضموناً لتتبعها قرارات مقاطعة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على مدى العقود الماضية بشكل متفاوت، هذه العقوبات أسهمت في الحدّ من طموحات الملالي خاصة في مجال التقنية وتطوير أنواع من الأسلحة ومنها القدرات النووية، ونتيجة ضغوط الداخل والخارج رضخ الملالي في يوليو 2015، ووقّعوا الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، هذا الاتفاق فرض حدوداً للبرنامج النووي الإيراني، ومنها إخضاعه لرقابة صارمة وإفراغه من أي طموح عسكري مقابل رفع تدريجي للعقوبات الدولية المفروضة على طهران، ويقول بعض المراقبين: إن البنود السرية للاتفاق تحمل كثيراً من التفاصيل وبعض الإذلال لنظام الملالي. أما الهزّة الرابعة التي واجهت نظام الملالي فتمثّلت في الثورة الخضراء (جنبش سبز)، التي قادت عشرات آلاف المحتجين للميادين رفضاً لنتائج انتخابات يونيو 2009 الرئاسية، التي أدت إلى فوز أحمدي نجاد بولاية ثانية، كانت تلك الحركة الاحتجاجية حاشدة وعميقة الشعارات، وذات بعد سياسي إستراتيجي يناقض الواقع الكهنوتي لنظام الملالي، ولعلّ أهم مكامن قوة هذه "الحركة الخضراء" أنها ظهرت باسم الطبقة الوسطى والنخب المتعلمة، وشعاراتها تتجاوز تخدير خطب الملالي الرنّانة إلى المطالبة بأفق سياسي وثقافي بلا عمامة. ومع مطلع عام 2018 كانت حركة احتجاجات الفقراء في أوج اشتعالها، حيث خرج الفقراء والمهمشون غضباً فيما يشبه "ثورة الجياع" في ظل واقع يقول إن هناك قرابة 40 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، وبهذه الانتفاضة الشعبية العفوية أعلنت هذه الطبقة التي طالما كانت داعمة للنظام عن نفسها أنها مهدد قوي للنظام، بعد أن كانت طاقة تعبئة لفراغات الحرس الثوري والباسيج (قوات المستضعفين). الجديد هنا أن محافظات ومدناً مثل مشهد وشيراز وقم وأصفهان وطهران انقلبت على النظام الذي ساندته طويلاً، الواضح أن نظام الملالي لن يسقط بهذه المظاهرات الشعبية فهو نظام متمرس ويعيش على الخوف والأزمات، وإن كانت ستسهم في خلخلة أركانه، كما سيقلل من فرص نجاح هذه الانتفاضة وزخمها الشعبي حقيقة افتقادها للقيادات المؤثرة، وغياب الدعم الدولي الحقيقي، ناهيك عن وضوح الدعم الروسي والأوروبي لنظام الملالي.قال ومضى عذراً فلم أعد أعرف وجهك في زحام الأقنعة..
مشاركة :