عدد من نواب البرلمان المصري مؤخرا، بالتقدم بمشروع قانون لمنع سجن “المديونات” و”المديونين”، لاستبدال العقوبة الموقعة على المديونة بأخرى بديلة، كالتشغيل في أعمال تتعلق بالمنافع العامة أو حرمانهن من البطاقات التموينية والدعم. يسمح المشروع للقاضي المختص أن يصدر قراره باستبدال العقوبة بالتشغيل وفقا لقناعاته، ولما يراه من توافر النية والقصد الجنائي. المديونات، أو الغريمات كما يطلق عليهن المصريون، هن كل امرأة وقّعت على إيصالات أمانة مقابل الحصول على بضائع بالتقسيط من التجار أو وقَّعت كضامنة لأي من أفراد الأسرة، ثم تعثرت في سداد المبلغ المستحق وكان مصيرها السجن. لا ترتبط الظاهرة بمنطقة بعينها في مصر، لكن هي أكثر انتشارا بين نساء القرى والمدن النائية، وكثيرات تضطرهن الحاجة للاستدانة لتزويج بناتهن وبعضهن يضمنّ أزواجا لاذوا فراراً لتقع الزوجة بين تراكمات الديون وقبضة التجار. حفّز تزايد أعدادهن بسبب تدهور الحالة الاقتصادية، بعض المراكز الحقوقية والجمعيات الخيرية والأهلية ومشاهير الفن، تدشين مبادرات للمساعدة في حل أزمتهن، وكان لجمهور مواقع التواصل الاجتماعي دور في جمع تبرعات لإخلاء سبيلهن وتوفير برامج تأهيلية لدمجهن في الحياة الاجتماعية من جديد حفاظا على تماسك الأسرة المصرية. تلك المبادرات، كانت اجتهادات ليس لها سندا قانونيا ودستوريا تنطلق منه، وظهرت مساع لتعديل قانون العقوبات واستبدال مواد الحبس في تلك القضايا بعقوبات أخرى، كالعمل مشرفات في دور الأيتام ومؤسسات رعاية كبار السن والمستشفيات. تقدمت النائبة إليزابيث شاكر، عضو مجلس النواب المصري، بمشروع قانون جديد من شأنه منع سجن المديونات والمديونين، بمقتضى نص قانوني مدروس ومحكم يدور حول تعديل المادة 341 من قانون العقوبات، الذي يعتبر التوقيع على إيصالات الأمانة جناية.30 ألف سجينة من المديونات، حكم عليهن بالحبس لتعثرهن في سداد إيصالات أمانة لاقى اقتراح العقوبات البديلة إشادة من كثيرين، لا سيما أن المبالغ التي تسجن بسببها المرأة لا تتعدى أحيانا الخمسة دولارات، مؤكدين أنه قانون مُلح يحتاج إلى السرعة في التشريع والضغط من وسائل الإعلام والمجتمع المدني لإنجازه، فحبس المديونات بالسجن وصمة عار تلاحق عديد من الأسر المصرية. أعلنت ياسمين الخيَّام (فنانة معتزلة) ومعها كثيرات عن استعدادهن لتشغيل عدد من المديونات في جمعياتهن الخيرية وتدريبهن على حرف مختلفة، فهن لسن بمجرمات، بل تم حبسهن بدافع الفقر والعوز. أوضح محمد عبدالغني، عضو البرلمان المصري، أن المادة التشريعية الخاصة بإيصالات الأمانة بها تفاصيل كثيرة تحتاج إلى تدقيق قانوني في حال تعديلها، لأن الإيصالات لا تستخدم فقط في حالات المديونات، لكنها تعتبر من ضمن الأعراف التجارية المنتشرة في المجتمع. ورأى عبدالغني أن إرساء بدائل عقابية رغم أهميتها إلا أنها ليست حلاً سحرياً، ومن الممكن أن تشجع السيدات في التوسع بالاستدانة عن حدود إمكانياتهن لعدم تعرضهن للمساءلة القضائية، ما يضر بمصلحة التجار الذين سيمتنعون عن البيع لما يلحق بهم من خسائر، وتكون النتيجة المزيد من المديونات وإلحاق الضرر بالمنظومة الاقتصادية. وأكد لـ”العرب” أنه يجب معالجة سبب الاستدانة وليس مجرد محاولة تخفيف الضرر، داعياً إلى إيجاد حلول جذرية تعتمد على محاور تربوية واجتماعية وقانونية. وأوضحت ناهد بسيوني، صاحبة متجر لبيع الأجهزة المنزلية في منطقة باب الشعرية بوسط البلد أنه خلال عملها بمجال التجارة لما يقرب من 25 عاماً، تتعرض لصدامات يومية مع السيدات المديونات لدفع الأقساط المستحقة عليهن جراء سحب بضائع من عندها. لفت نظر ناهد أن الزوج يضع المرأة في الصدارة ويطلب منها الإمضاء على إيصالات الأمانة بحجة أنه عائل الأسرة وسوف يلتزم بالدفع. وأضافت ناهد لـ”العرب” أن معظم زبائنها من النساء اللاتي يسعين لتجهيز بناتهن، لكنهن دائماً لا يستطعن سداد الأقساط، مشيرة إلى أنها تترك فرصة لسداد المديونة، شهرين أو ثلاثة، بعد انتهاء موعد السداد وقبل اتخاذ أي إجراءات قانونية، لكن لا تتنازل عن حقها وتلجأ للقضاء بعد انقضاء المدة حتى لا تصبح صيدا سهلا لأخريات. لم ترحب صاحبة المتجر بمشروع القانون الجديد، مؤكدة أن الكثيرات يمكن أن يستغللنه للحصول على المزيد من البضائع، وهن مطمئنات لأنهن لن يتعرضن للمساءلة، وتساءلت ناهد لماذا كل هذا الالتفاف، فإذا كانت هناك فرص عمل للفقيرات فلماذا لا توفرها الحكومة من البداية لتفي السيدة بما عليها من مستحقات؟ وطالبت صاحبة المتجر مؤسسات الدولة باستغلال القوة النسائية بالمجتمع، وتوفير فرص عمل لهن، وإحياء الصناعات والمشغولات اليدوية للأميّات.
مشاركة :