جاسر الجاسر أشهر الكتب في العربية هو «كليلة ودمنة»، مع أن أصوله هندية، واهتماماته فارسية، أما مادته فهي حيوانية بحتة تسعى إلى تجيير البشر إلى تبعية حيوانية، باعتبار أن السلوك الحيواني هو الهادي والمرشد للبشرية، مثل فيلم «كوكب القرود» حين أضحى البشر مجرد كائنات بهيمية تستخدم للتجارب. هذا الكتاب يحتقر البشرية ويهينها، لأنه يخنق جذوتها ويحيلها إلى طبيعة غرائزية، وهي اهتمامات تناسب الهندية بحكم قدسية الحيوان أو الفارسية التي هجرت النار قسراً فألقت رحالها في كهف لا يموت فيه حي وتنتظر منه مجداً لا يجاوز خرافات «ألف ليلة وليلة». يظن البعض أن السجاد الفارسي دلالة الصبر والجودة ودقة الصناعة، بينما الواقع أنها تمثل حال اليأس نتيجة انتظار «غودو» لن يأتي، فتحاول القضاء على يأسها وانتظارها الممتد نحو السراب عبر الانشغال في التفاصيل الصغيرة لعلها تقتل وقت الانتظار إلى أمل لن تطل شمسه أبداً. أجود أنواع السجاد الفارسي يجسد حال اليأس والإحباط، فيُمضي الإيراني وقته في صناعة السجاد، حتى أن الواحدة قد تستهلك عمره، ليس إبداعاً بقدر ما هو هرب من الواقع، مثل أحلام اليقظة التي تجمد الفعل وتجعل السراب ماء. لم تكن الثقافة العربية في جذرها حالمة، فهي نتاج بيئة الجوع والحاجة، فلم تكن ميدان ترف حتى غزتها الأجناس كافة، فلم تعرف لنفسها توجهاً سوى أن تستعير لغة الآخرين وثقافتهم بدءاً من الفارسية وانتهاء باليونانية مع أنها المسيطرة والغازية والمتسلطة. العرب لا يصنعون وجوداً إنما يخلقون حضوراً، وحين تستقر الأمور إليهم يلجأون إلى أسراهم ومواليهم ليكونوا مورد المعرفة والثقافة، وإلا كيف يمكن فهم أن الدويلات الإسلامية تحولت فجأة إلى الموالي والمستعربين ليكونوا أصحاب السلطة والقرار في ظل ارتخاء عربي على رغم أكثريته ومعالم نفوذه؟ العرب يحبون الحيوان وإن كانوا قتلته، ويخضعون إليه إن كان ناطقاً، وإلا فما تفسير خنوع الحوثي اليمني بتكوينه العربي العريق إلى السطوة الإيرانية التي تتحدث لغة «كليلة ودمنة»؟ ما سبب تقاطر العرب إلى «داعش» بينما الخليفة مجرد صورة هوليودية لا هوية لها ولا حضور، وهم الذين نشأ دينهم من المعايشة اللحظوية لنبي الهدى والإنسانية والاتصال به كل لحظة ومراجعته في تفاصيل كثر؟ كيف ارتضى هؤلاء أن يستحيل دينهم الواضح وخليفتهم الظاهر إلى صورة تسكن الكهف فلا تصل إليهم إلا عبر وسائط شتى تزيد المصدر جهلاً وغموضاً لولا الحنين إلى «كليلة ودمنة»؟ العرب أصحاب البلاغة والفصاحة، وصانعو التاريخ، ومنشئو الأمثال الخالدة، لا مرجع لهم اليوم سوى الثور المأكول، ومقولات الثعلب الذكي، وغير ذلك من قصص الحيوانات وكأنهم سكان حديقة حيوانات. الغريب أن الحدائق موجودة، فلماذا لا يستقون الحكمة منها مباشرة ويلجأون إلى كتاب ساذج عمره أكثر من 1500 عام؟ التبعية هي حتمية الساكنين في ثقافتهم، بينما المتغيرون يصنعون التاريخ. كل ثقافة تسترشد بالحيوان لا بد من أن تكون نهايتها أضحية أو ثور ساقية، وفي المحصلة هي لغة أعجمية لا يفهمها البشر! «كليلة ودمنة» مسمى أعجمي صرف، وهو في أحسن الأحوال محاولة إفهام أناس لا يفقهون سوى ثقافة الحيوان.
مشاركة :