أخصائيون في العلوم السياسية وعلم الاجتماع السياسي ومراقبون "إن تونس باتت بين فكي طبقة سياسية هشة نخرها الوهن وغياب الوعي بإمكانيات البلاد وذلك تعليقا على موقف النداء "المخاتل" في علاقته بالنهضة وعلى الانسحابات من الحكومة وأيضا على النسق المساندة "التجارية الحزبية" للاحتجاجات على الترفيع في الأسعار. وشدد عبدالفتاح الهمامي أستاذ علم الاستراتيجيات بالجامعة التونسية على أن "الأزمة السياسية والاجتماعية التي تمر بها تونس ليست أزمة حكومة لا هي أزمة حكم إنما هي أزمة هيكلية عامة لم يقع التعاطي معها بوعي سياسي عميق". ولم يتردد الهمامي في القول لمراسل "ميدل أيست أونلاين" في القول "إن خطر الأزمة، المرشحة لعدة احتمالات هو أنها "تتغذى من طبقة سياسية تعصف بها حالة من الهشاشة العامة والوهن والاستخفاف وحتى الانتهازية" مشيرا إلى أنها "طبقة انزلقت في الشعبوية تفتقد لرؤية استراتيجية وطنية تراعي ندرة الثروات والإمكانيات المحدودة للبلاد". وتشهد تونس حالة من تصاعد نسق الجدل بشأن "فشل الطبقة السياسية وعجز القوى الديمقراطية في بناء قوة برامجية واحدة تعكس انتصار تونس للمشروع الوطني الإصلاحي المدني والحداثي الذي قادته دولة الاستقلال خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة". وفي ظل نزيف الانسحابات من الحكومة وفي مقدمتها انسحاب الجمهوري وآفاق تونس اللبراليين الجمهوري من جهة أولى، وإعلان النداء لموقف "مخاتل" من النهضة قابل لتأويلات مختلفة إلى حد التناقض من جهة ثانية، وبناء "جبهة معارضة" تتكون من عشرة أحزاب لخوض الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في شهر مايو القادم من جهة ثالثة اتخذ الجدل نسقا تصاعديا بشأن مدى وعي الطبقة السياسية بطبيعة الأزمة. ويشدد مراقبون على أن "غياب الوعي السياسي لدى الطبقة وغياب ثقافة سياسية وطنية قادرة على تفهم الأوضاع العامة وتعقيداتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية حال دون التوصل لا فقط إلى تحسس الحلول وإنما حال أيضا دون مساندة الحكومة". وقالت رشيدة السحباني المتخصصة في علم الاجتماع السياسي "إن الطبقة السياسية سواء منها المؤتلفة في الحكم أو المعارضة باتت تمثل خطرا على المسار الانتقالي الديمقراطي وعلى عمل الحكومة وحتى على الأوضاع العامة غير المستقرة في تونس". وأضافت إنه " من الصعب الحديث في تونس عن طبقة سياسية كما هو الشأن في الديمقراطيات العريقة التي تتبنى ثقافة حكم وثقافة معارضة متينة، كل ما يمكن الحديث عنه هو حزيبات مخمورة بسكرة الحكم وواهنة شعبيا وبرامجيا، حتى أنها باتت تضغط على الحكومة بمطالب معقدة ثم لا تستنكف لا حقا في استخدام الشارع لمعارضتها". وخلال الأشهر الماضية شرعت حكومة الشاهد في إجراء إصلاحات لإنعاش الاقتصاد المنهك كانت نالت ثقة الكتل البرلمانية غير أنه بمجرد الترفيع في الأسعار لتحسين مداخيل الدولة وإنقاذ القطاع العام من الإفلاس سارعت الأحزاب إلى النفخ في الاحتجاجات الاجتماعية مطالبة الحكومة بالتراجع عن هكذا إجراء. ولم تستنكف بعض الأحزاب عن المجاهرة بالانتصار للاحتجاجات ودعوة الشاهد إلى الإصغاء للشارع متجاهلة أن كتلها البرلمانية كانت منحت برنامج حكومته ثقتها وفي مقدمتها حركة النهضة ما حدا بحافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للنداء إلى القول "إنهم صادقوا على برنامج الحكومة في البرلمان وهم اليوم يعارضونه في الشارع". ويستغرب الأخصائيون في التنمية "كيف تساند الطبقة السياسية الاحتجاجات ضد الإصلاحات التي تستوجب التضحيات وهي تعلم أن حجم عجز الموازنة الذي يقدر حاليا بنسبة 6 بالمئة وأن تلك الإصلاحات تهدف إلى خفضه إلى 4 فاصل 9 بالمئة" مشددين على أنها طبقة باتت تمارس الشعبوية السياسية العمياء". وقالت دوائر مقربة من رئاسة الحكومة إن "يوسف الشاهد ممتعض من أحزاب ما انفكت تقول له سرا إنها تدعم برنامجه الإصلاحي وتتعهد له بتوفير الحزام السياسي وهي اليوم تستخدم سياسة لي الذراع بمجرد أن بدأ في تنفيذ البرنامج". وشددت الدوائر التي رفضت الكشف عن هويتها لمراسل "ميدل ايست أونلاين" على أن الشاهد "استغرب انتصار النهضة للاحتجاجات في أعقاب تصريحات راشد الغنوشي ورأى فيها لا فقط نوع من التفصي من تعهداتها وإنما أيضا نوع من الخذلان". وفيما يعبر نداء تونس عن "تفهمه" للاحتقان الاجتماعي مطالبا التونسيين بالتهدئة تكاد تجمع كل الأحزاب على محاولة إسقاط برنامج الحكومة وخاصة قانون المالية الذي اثار جدلا واسعا لدى المعارضة والقوى المدنية وفي مقدمتها المركزية النقابية. وتقر الحكومة بأن الإصلاحات تستوجب" تضحيات" في ظل محدودية الموارد المالية للدولة وارتفاع نسبة التضخم إلى نحو 6 بالمئة العام 2017 وندرة الثروات من عدة قطاعات تضررت كثيرا خلال السنوات السبع الماضية وفي مقدمتها الطاقة والفوسفاط إضافة إلى تراجع العائدات السياسية وتراجع عائدات الاستثمار. ووصف الهمامي الطبقة السياسية التونسية بـ"الطبقة الواهنة والجاهلة والانتهازية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الوعي بأن أي إصلاحات في أي بلد كان بما فيها الثرية لا يمكن أن تتم دون تتفهم الطبقة الوسطى للتضحيات الضرورية". واعتبر أن "الطبقة، إن جاز القول أن هناك طبقة سياسية بمعناها الحقيقي، يكمن دورها في توفير الحزام السياسي للحكومة وللإصلاحات كما هو الشأن في الديمقراطيات العريقة وهي تمثل جسرا تواصليا بين السلطة وبين الشعب وتخفف الضغط على الطرفين من خلال سياسات تنتصر للمصلحة العامة لا للمصلحة الحزبية". والطبقة السياسية، كما يذهب إلى ذلك غالبية الخبراء والمحللين "لا تمثل قوة متجانسة تتقاسم ثوابت وطنية مشتركة ولاهي كيان واضح المعالم بل هي عبارة عن "مستنقع من التماسيح" لا تتردد في تحويل العملية السياسية إلى فريسة والتقاط المؤاخذات على الحكومة بما فيها المؤاخذات غير المشروعة إلى "سلعة" قابلة للمساومة والابتزاز. ووصف عبد المجيد بن صالح الخبير في التنمية الطبقة السياسية بـ"الجاحدة لا تنظر سوى إلى نصف الكأس الفارغ" لافتا إلى أن "تونس تقود جهود تستوجب الإسناد السياسي لا تأجيج الشارع إذ توصلت إلى الرفع من نسق النمو إلى 2 فاصل 2 بعد أن كان لا يتجاوز 1 فاصل 5 إضافة على عزمها مكافحة الفساد والتهريب وتوفير التنمية". ورأى بن صالح وهو يتحدث لمراسل "ميدل أيست أونلاين" أن "مكونات الطبقة السياسية تضع كل منها يده على الزناد ولا يجد حرجا في إطلاق النار على الحكومة أو على منافسيه إن اقتضت مصلحته في ظل افتقادها لسياسة برامجية". وخلال السنوات السبع الماضية فشلت الطبقة السياسية التونسية في صناعة اتجاهات رأي عام واع بأن التجربة التونسية على تعقيداتها وأزماتها تعد تجربة متفردة بالمنطقة ولم تبذل الجهود الكفيلة بإقناع الناس بأن الأزمة لا تكمن فقط في سياسات الحكومات المتعاقبة وإنما تكمن أيضا وربما بالأساس في ندرة الثروات وهو أمر يتجاوز الجميع. وحمل الهمامي الطبقة السياسية مسؤولية "سياسة تعميق الأزمة" من خلال "مساومة الحكومة" وحتى "ابتزازها" منتهجة "منطق الربح السياسي بعد أن حولت الشأن العام إلى نوع من السوق التجارية تباع فيها المواقف وتشترى". ويبدو أن الطبقة السياسية، كما يذهب إلى ذلك عدد من المحللين، باتت تمثل"عقبة كأداء" أمام إصلاحات هيكلية يطالب بها التونسيين بما فيهم مكونات الطبقة نفسها" مشددين على أنه من الخطأ أن تتجرد الطبقة من هويتها لتمارس الشعبوية السياسية". وشدد الهمامي على أنه "من غير المعقول أن تتملص الطبقة السياسية من مسؤوليتها الوطنية لتمسح الأزمة إما في أداء رئيس الحكومة أو في أداء الحكومة ككل أو في أداء أي حزب من الأحزاب". ودعا عبدالفتاح الهمامي الطبقة السياسية إلى "نسج خيط سياسي برامجي وطني مشترك بين جميع الفاعلين السياسيين بعيدا عن الشعبوية يكون كفيلا بإسناد الإصلاحات والنأي عن منطق التجارة السياسية الذي لا يقود سوى إلى تعميق الأزمة".
مشاركة :