القنصل الياباني العام في جدة ماسايوكي مياموتو جدة: معتصم الفلو* ماسايوكي مياموتو: تعلمت العربية في شوارع دمشق… وأصف نفسي بـ«المستعرب» لا «المستشرق» * تطور العلاقات التجارية بين السعودية واليابان، يقابله ضعف في العلاقات الثقافي. * مياموتو: اليابان ليست كوكباً… وصحافتنا تضج بالفضائح والفساد. عندما تحاول وصفه بأنه «مستشرق»، فإنه يصر بدماثة على أنه «مستعرب»؛ دون أن يصحح لك مباشرة. تعلّم العربية في دمشق، ليس في مركز اللغات التابع لجامعتها، وإنما عن طريق «التسكع» في شوارعها والاختلاط بالناس في الأماكن المختلفة – كما يقول. ورغم إتقانه للعربية الفصحى، تجد بعضاً من مفردات اللهجة الشامية تتسلل بين كلماته مثل «مصاري» (مال) و«هيك» (هكذا). لا يؤمن بأن بلاده مثالية وخالية من الأخطاء والعيوب، بل يعتبر أن اليابان شأنها شأن أي دولة أخرى من حيث وجود مشكلات وفساد وأزمات. إنه المستعرب والدبلوماسي، الذي يشغل منصب القنصل العام الياباني في جدة، ماسايوكي مياموتو، الذي استضاف «المجلة» مؤخراً في مناسبة تعارفية بمنزله في جدة (غرب السعودية). لم يكن الحديث سياسياً، بل تركز حول انطباعاته عن العرب وتجربته كمستعرب سياسي قادم من أقاصي الشرق إلى بلاد العرب.اهتمام مبكر يوضح مياموتو أن اهتمامه باللغة العربية بشكل شخصي بدأ من اهتمامه الخاص بمعرفة القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي، إلا أن الشق العملي من حياته في وزارة الخارجية اليابانية كدبلوماسي مهتم باللغة العربية، جعل من اللغة مادة للاختصاص والعمل كممثل لبلاده في المنطقة العربية. وقد تضافر العاملان، الشخصي والعملي، فزاد اهتمامه بالتاريخ العربي والثقافات العربية المختلفة، فاللغة كما يصفها «مفتاح لفهم ومعرفة الثقافة الأخرى، فهي ليست فقط وسيلة لنقل المعلومات، بل إنها وسيلة لفهم سيكولوجية الشعب». ويوضح أن وزارة الخارجية اليابانية تضم أكثر من 120 دبلوماسياً مستعرباً، يتناوبون العمل في الدول العربية، فيما تحتضن الجامعات اليابانية أقساماً لتدريس اللغة والثقافة العربية، إلا أن كثيراً من طلاب تلك الأقسام يذهبون إلى مصر أكثر من غيرها، فيكتسبون اللهجة المصرية أكثر من الفصحى، ويمازحنا بقوله «إزيك يا باشا؟».تطور في التجارة وضعف في الثقافة يقابل تطور العلاقات التجارية بين السعودية واليابان، ضعف في المجال الثقافي. يلقي الدبلوماسي الياباني باللائمة على الطرفين، فمن الجانب السعودي هناك صعوبة في حصول اليابانيين على تأشيرة زيارة كعائق أساسي للتبادل الثقافي، قائلاً: «هناك الكثير من اليابانيين الذين يودون زيارة المملكة، لكنهم لا يتمكنون من ذلك». أما بالنسبة للجانب الياباني، فيوضح أن «البعثات الدبلوماسية اليابانية تركز على الميدان التجاري أكثر من أي شيء آخر». ويضاف إلى ذلك عدم وجود مكتب لـ«مؤسسة التبادل الثقافي الياباني» في السعودية، معترفاً بأن حجمها الصغير لا يقارن بالمركز الثقافي البريطاني أو غوته الألماني أو سيرفانتيس الإسباني، واعداً بالعمل على خلق حضور للمؤسسة اليابانية في السعودية وباقي البلاد العربية، إذ يقتصر حضورها على مصر فقط في الوقت الحاضر. وعندما دار الحديث حول المستشرق – المستعرب الياباني نوبواكي نوتوهارا، صاحب كتاب «العرب.. وجهة نظر يابانية» الذي قضى 40 عاماً يدرس المجتمعات العربية عن كثب. أما بالنسبة للدراما اليابانية، يقول مياموتو إن «الرسوم المتحركة اليابانية هي الأكثر حضوراً على الشاشات العربية، وليست الدراما، إذ يتم إنتاج أفلام الكرتون وفقاً لأصول فن المانجا. فقد أعطى المدبلجون العرب أسماءً عربية للشخصيات الكرتونية الشهير مثل الكابتن ماجد، ورامي الصياد الصغير، وغيرهما، معتبراً أن ذلك أحد أشكال التبادل الثقافي، لكن الكثيرين يجهلون أن أشهر الرسوم المتحركة يابانية المنشأ!حكاية مع اللهجات العربية عاش الدبلوماسي المستعرب في عدة دول عربية مثل العراق ومصر وليبيا وموريتانيا والسعودية وسوريا. أما الأخيرة، فقد عاش فيها في زمنين مختلفين لمدة 6 سنوات. يصعب عليه فهم بعض اللهجات العربية، إذ لم يتمكن من الإحاطة بها جميعاً. ليست تلك مشكلة كبيرة، فلا تزال هناك بعض الحواجز اللغوية بين مشرق العالم العربي ومغربه بين العرب أنفسهم! أما عن اللهجة التي يفهمها جيداً وبإمكانه التحدث بها، فيقول: «إنها اللهجة الشامية، لم أذهب إلى معهد اللغات التابع لجامعة دمشق، الذي يضم قسماً لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها». لم يحب مياموتو الانضمام إلى معهد اللغات ذاك، ولكن كيف تعلم؟ يجيب بالقول: «كنت أتسكع في شوارع دمشق، نعم تعلمت في الشارع. أتحدث إلى الناس وأتعلم».الشخصية اليابانية تتشابه الشخصية اليابانية ونظيرتها العربية – برأي مياموتو – في أن كلتيهما تولي العائلة اهتماماً كبيراً، فكلتاهما تقدس القيم العائلية، إذ لا تزال للعائلة حضورها الكبير. ويوضح أن كلا المجتمعين محافظان بشكل عام، إلا أن الأجيال الصاعدة تحمل بعض التغيير، رافضاً في الوقت ذاته أن يصف الأجيال الجديدة في اليابان بأنها أقرب للقيم الغربية. أما الاختلاف الأبرز، فهو – كما يراه – يكمن في غلبة النزعة الفردية (individualism) لدى العرب، ويراهم أقرب إلى الأوروبيين في هذه الناحية. وحول أبرز سمات الشخصية اليابانية، فهو الخجل، فعند الحديث مع الغرباء، هناك حاجز سيكولوجي، يضاف إلى الحاجز اللغوي، فاليابانيون لا يقبلون على تعلم اللغات الأجنبية. أما السبب وراء ذلك، فإنه يعود إلى جغرافيا اليابان المؤلفة من جزر معزولة، يحيط بها الماء ولا تختلط بالعالم الخارجي. كما أن البنية الديموغرافية متجانسة، لا وجود للأجانب فيها، موضحاً: «نحن لا نجيد التعامل مع الغرباء. فمثلاً، عند الحديث إلى الغرباء بلغتهم، نفكر في إنتاج جملة كاملة صحيحة أو لا نتحدث إليهم أصلاً».كوكب اليابان يعتقد كثير من العرب أن اليابان عالم آخر وكثيراً ما يرددون مصطلح «كوكب اليابان». عندما سمع القنصل مياموتو هذه الجملة لم ينتظر للتفكير في الإجابة، بل بادر فوراً بالقول: «لسنا كوكباً، الصحف والمجلات لدينا تمتلئ بالفضائح والمشكلات في كل يوم وفي كل المجالات، وحتى في مجال الرياضة. لدينا مشكلات تتعلق بالفساد واختلاس المال العام مثل أي دولة في العالم!»اللغات العربية القديمة خلال عمله كدبلوماسي في طرابلس الغرب ونواكشوط، لم يكن هناك أنشطة يستطيع القيام بها في فترة المساء، فاتجه إلى تأليف الكتب. وبالفعل، ألف كتاباً بعنوان «مدخل إلى اللغة العربية لليابانيين»، إلى جانب قاموسين (ياباني – عربي). وينوي أن يكتب كتاباً حول اللغات الشمالية (شمال الجزيرة العربية) المندثرة مثل الصفائية والدادانية والتيمائية. ويأسف لعدم وجود بحاثة سعوديين في هذا الاختصاص، إذ لا يوجد سوى أستاذين فقط يدرسان هذه اللغات المندثرة، التي شكلت تاريخ شمال الجزيرة العربية. فالنقوش موجودة والآثار تحكي قصصاً غنية عن ذلك.ماذا عن السياحة؟ يعتبر القنصل الياباني العام في جدة أنه أتى إلى المملكة فيما سماه «زمن التحول»، فالمملكة تتغير بخطوات متسارعة تكاد لا تصدق. وضرب مثلاً أنه عندما ذهب إلى معرض الأحياء المائية بجدة (فقيه أكواريوم)، وجد العائلات حاضرة بشكل مختلط والجميع يستمتع بعروض الدلافين بكل أريحية، وأن المملكة صارت بلداً عاديا شأنه شأن أي بلد حول العالم.
مشاركة :