عندما كانا يعدّان رسالتهما للدكتوراه في «جامعة ستانفورد»، نجح الأميركيّان من أصل روسي، سيرغي برين ولاري بايج، في تأسيس شــركة «غـــوغل» التي باتت مارداً تضخّم في الإنـــترنت، قبل أن يتمدّد خــارجها بحجم عمــلاق أيضاً. وآنذاك، في 1998، استقى المؤسّسان اسم شركتيهما من لفظة «غووغول» googol التي تعبّر عن مصطلح رياضي هو الرقم 1 يليه مئة صفر. ويعبّر ذلك التلاعب بالألفاظ عن الهدف الذي تطلع إليه برين وبايج المتمثّل في تنظيم الكميّات اللانهائيّة من المعلومات المتاحة في شبكة الإنترنت. ونجحا في تصميم صفحة الاستقبال لمحرّك البحث «غوغل» بطريقة تجعله يتسّم بالبساطة والاختصار. وأدّى ذلك إلى تصعيد سرعة الدخول إلى الموقع الذي جعلاه مجانيّاً منذ اللحظة الأولى. ثم نجح في إزاحة محركات البحث الأخرى من حلبة المنافسة، ما مكّن برين وبايج من فرض تصوّراتهما على قطاعات اقتصاديّة عدّة، والتأثير في اتخاذ القرارات السياسية وفي الانتخابات العامة والقائمة طويلة، وفق ما يعرف الجمهور! في تلك الأيام الخوالي، كانت عبارة «لا تكن شريراً» (don’t be evil) هي الشعار الذي تدأب الشركة على ترديده. بيد أن تلك الرومانسية التي رافقت زمن البدايات التأسيسيّة الأولى، صارت في ذمة التاريخ. وعلى وقع أرباح تتجاوز معدلاتها العشرين في المئة بكثير، باتت «غوغل» إحدى أضخم شركات الكرة الأرضيّة، خصوصاً في تحقيق الأرباح. وعن مسار تلك الشركة العملاقة، ظهر أخيراً كتاب «ملف غوغل» من تأليف تورستن فريكه، وهو صحافي ألماني متخصص في تكنولوجيا المعلومات، وأولريش نوفاك، وهو متخصص ألماني في التسويق الإعلامي. وظهر الكتاب بترجمة عربيّة أنجزها الزميل عدنان عباس لحساب سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية. ويبرز الكتاب أنّ «غوغل» تسجّل على نحو شرعي لكنه غير أخلاقي، المعلومات التي تحصل عليها في كل مرّة يدخل فيها المرء على موقعها الشبكي. ويطرح المؤلّفان سؤالاً عما يمكن عمله إذا تحوّلت تلك الشفافيّة الفرديّة فجأة، لسبب أو آخر، إلى أسلوب إجباري يتم فرضه على الجميع؟ ما العمل إذا منحت المصارف الزبائن الذين يستخدمون خدمة «ناو» (Google Now) شروطاً ميسّرة بهدف تضييق الخناق على الأفراد الذين يريدون حماية بياناتهم الخاصة، فلا يضعوها على أقسام «غوغل»؟ ما العمل إذا منحت شركات التأمين الصحي علاوة استثنائية لأولئك المرضى الذين لا يعيقون فرص مراقبتهم عبر «غوغل» للتأكّد من مدى تقيّدهم بتناول أدويتهم وممارسة الرياضة في شكل منتظم؟ ولحد الآن، لا تزال كل تلك الأمور اختيارية. ومع ذلك، ربما تحوّل ذلك النوع من الشفافية إكراهاً، بل استعباداً. ماذا عن أفق أن يُرغَم بنو البشر على تنفيذ أمور بعينها، أو الامتناع عن ممارسة أفعال، أو البوح بمعلومات، تخالف هواهم كليّاً، لكنها تأتي بإرادة صارمة من «غوغل»؟ أخطبوط بأذرع متنوّعة ثمة سؤال أيضاً عن سبب تأليف الكتاب في ألمانيا، وعلاقة ذلك بقلق ألماني (وأوروبي) من وحش تكنولوجيا المعلومات الأميركي على شبكة الإنترنت، سواء أكان اسمه «غوغل» أو «آبل» أو غيرهما. وطري في الذاكرة الألمانيّة سابقة تنصّت «وكالة الأمن القومي» الأميركيّة على هاتف المستشارة الألمانية أنغيلا مركل. ودفع الأمر بالألمان إلى إعادة حساباتهم، مع تذكّر أنّ الصين تبني حواجز شبكيّة يفترض أنها منيعة لا تُختَرَق. وكذلك حقّقت روسيا قفزات نوعيّة مرعبة في حقل برمجيات الكومبيوتر. وفي مشهدية مغايرة، صار «غوغل» وعاءً لآلاف الكتب العربية، لكن دول لغة الضاد تعاني قصوراً كبيراً في التعامل مع المتغيّرات المتسارعة في عوالم المعلوماتيّة وشبكات الاتصالات. وسيراً على نهج «ملف غوغل»، من المستطاع القول إن تلك الشركة أحكمت سيطرتها على كثير من خدمات الإنترنت، بل أطاحت منافسيها في الحقول التي دخلتها. وتشمل الأذرع الأخطبوطيّة المتشابكة للشركة ما يلي: -«المفكرة» (Google Notebook): تمثّل خدمة تقدمها الشركة لتمكين المستخدمين من جمع المعلومات وتدوين الملاحظات بيسر أثناء تصفح الإنترنت. وتسترشد بمنهجيّة «ويب 2.5» المتطوّرة، ما يتيح فرصة للمستخدم كي ينسّق بياناته ونتائج البحث التي توصل إليها بنفسه عبر حاسوب متصل بالإنترنت، إضافة إلى تزويد طرف آخر بتلك البيانات والمعلومات عندما يريد ذلك. - «المؤشر» (Google Bookmarks): من غير الحاجة إلى إغلاق نافذة تصفح الشبكة، يستطيع المستخدم تخزين كل ما لديه من نصوص وصور وروابط متّصلة بصفحات شبكيّة اخرى، في دواخل «مؤشر غوغل». في المقابل، توقّفت الشركة في تموز (يوليو) 2012 عن تقديم تلك الخدمة، ونقلت البيانات كافة إلى «الملفات» (Google Docs)، علماً أن ذلك البرنامج بات لاحقاً جزءاً من برنامج «درايف» (Google Drive). - «الحزمة» (Google Pack): في البداية، شملت ما يزيد على عشرة برامج كان ممكناً تحميلها من شبكة «الويب» مجاناً. وبسبب عدم نجاح «الحزمة»، جرى التوقف عن تقديمها عام 2011. - «بيكاسا» (Google Picasa): برنامج لتنظيم الصور الرقميّة وتحريرها. ورسمياً تقدم تلك الخدمة مجاناً، ضمن حدّ لا يتجاوز واحد ميغابايت بالنسبة إلى المستخدمين العاديين، الذين لديهم حساب في «بلاس» (Google+). وفي شروط استخدام الخدمة، أباحت «غوغل» لنفسها حقّ تغيير تلك القواعد وقتما تشاء، بل أعطت نفسها حق الاستحواذ على صور الجمهور! - الجغرافيا في سياق التواصل عبر الإنترنت لا تبدو خدمات محرك البحث «غوغل» مجرد حبات متناثرة، بل إنها منتظمة في عقد، حتى لو كان الخيط الذي يربط بينها لا يبان للناظرين، إلا أنّ التدقيق فيها، يظهره بسهولة! وفي ما يلي أمثلة عن ذلك: - «المحادثة» Talk: جرى إطلاقها في آب (أغسطس) 2005 وهي خدمة مخصصة للتراسل الفوري الصوتي. وفي حزيران (يونيو) 2012 جرى إعلان دمج «توك» ببرنامجي المواعدة «هانغ آوت» Hang Out، والتراسل الفوري المرئي- المسموع Messenger. - «التنقل والسفر» Transit. تمثّل الخدمة جزءاً من برنامج خرائط الجغرافيا الشهير «مابس» Maps. وتتضمن معلومات موسّعة عن الاتجاهات والطرقات التي يمكن استخدامها للوصول إلى هدف معين. ويقدم برنامج «غوغل ترانزيت» معلومات في شأن المسافة بين مكان وآخر، والزمن الذي تستغرقه الرحلة، إضافة إلى التذاكر الضروريّة لاستخدام وسائط النقل العامة في عبور كل الرحلة. وفي هذا المعنى، يستطيع برنامج «التنقّل والسفر» أن يدعم ظهور مكتب افتراضي متكامل للسفر، بل ربما تحوّل منافساً قويّاً للشركات الناشطة في ذلك المجال. ومع امتلاكه بيانات مفصّلة عن الرحلات المختلفة، يمكن تلك الخدمة أن تساعد في التنقيب عن الاتجاهات والطرقات، إضافة إلى التعرّف على عروض متصلة بالسفر، من قبيل الفنادق وسيارات الأجرة. - «التوجّهات» Trends. تزعم الشركة أنّه برنامج يمكّن من التعرّف على روح العصر. إذ يعطي إحصاءات عن المصطلحات والموضوعات والأشخاص والأحداث وغيرها، مما جرى الاستفسار عنها، إضافة إلى زمن الاستفسارات وكمية المعلومات التي كانت متاحة عند إعطاء الإجابة عن الاستفسارات. وحتى الاختلافات الجغرافية، يمكن رصدها والتعرف عليها عبر عناوين الهويات الرقمييّة للحواسيب المستخدمة في عمليات الاستفسار. - «الترجمة» Translate. برنامج مؤتمت يتولى الترجمة لأكثر من ثمانين لغة. ومبدئياً، تُترجم النصوص أولاً إلى الإنكليزيّة ثم إلى اللغة المستهدفة. وأحياناً، تسفر تلك الترجمة غير المباشرة عن نتائج مضللة وخاطئة. على صعيد آخر، تحصل «غوغل» تلقائياً من تلك الخدمة على النصوص، الأمر الذي يؤدي إلى إشكاليّات لا يستهان بها بخصوص سلامة الخصوصيّة فيها. - «فيديو» Video. موقع فيديو مجاني مع محرّك بحث مختص. أُغلق الموقع في (آب) أغسطس 2012، وانتقل تلقائيّاً إلى موقع «يوتيوب». - «البحث» Search. يعتبر منتج «غوغل» الأول، وهو السبب الأول في نجاح الشركة وشهرتها وتطوّرها. - «أوركوت» Orkut. ربما لا يحظى بشهرة مثالية، لكنه موقع للتواصل الاجتماعي ابتكره مهندس البرمجياّت التركي أوركوت بيوكوكتن، وأعطاه الشق الأول من اسمه. - «يوتيوب» YouTube. في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2006 ، استحوذته «غوغل»، وهو الموقع الأشهر لمشاهدة أشرطة الفيديو، إضافة لكونه ثانياً في عمليات البحث بعد «غوغل» نفسه. - أذرع للتحكّم بالتسوّق والأكاديميا حتى داخل محرك البحث الذي لم يعد سوى جزء من إمبراطوريّة تضم عشرات الشركات، يبدو «غوغل» شبكة فائقة التنوّع. وفي ما يلي لمحة استكمالية عن أبرز الأقسام في محرك البحث. -»الباحث» Google Scholar. تمثّل تلك الخدمة محرك بحث متخصصاً، يتيح لمستخدميه فرص التنقيب عن وثائق أدبية وعلمية. وأطلقته شركة «غوغل» في تشرين ثاني (نوفمبر) عام 2004. ويتولى «سكولار» مهمة التفتيش عن وثائق مجانيّة يمكن الدخول إليها في الإنترنت، مع ملاحظة وجوب دفع رسوم معيّنة لقاء الوصول إلى تلك الوثائق. ويحلّل برنامج «سكولار» ويستخرج أيضاً، أقوالاً مأثورة واقتباسات من النص المعني. ومن اللافت أنّ بعض الخبراء يتهم «سكولار» بعدم مراعاة متطلبات الشفافيّة، إذ ينقل كتاب «ملف غوغل»، عن مختص في المعلوماتيّة أنّه عند إجراء مقارنة بين تلك الخدمة وبنوك البيانات المتخصصة، يُلاحَظْ أنّها «لا تعير أهمية ذات بال لمعايير الشفافية والكمال، التي يأمل الكثير من المستخدمين بالحصول عليها من موقع مختص بتقديم معلومات وبيانات علمية. ولكن بصفته عاملاً مكملا ًللبحث في بنوك البيانات المختصة، خصوصاً في المجلاًت العلمية التي يمكن الوصول إليها من دون عقبات مالية وقانونية أو تقنية، يمكن «سكولار» أن يكون أداة نافعة». يكمن العيب الآخر في «سكولار» في أنه يُعلي كثيراً أهمية المؤلفات الناطقة بالإنكليزية، بفعل تعاونه المتين مع كثير من الجامعات الأميركيّة. تضاف إلى ذلك مشكلة أخرى تلاحق خدمات «غوغل» عادة، وهي التصعيد اللولبي للتيّار المهيمن. ومن خلال تزايد تكرار المسائل التي يجري الاستفسار عنها، تتكرس أكثر فأكثر التصوّرات والأفكار المهيمنة أصلاً على الساحة. وفي المقابل، تختفي عن الأنظار تصوّرات وأفكار الأقليّة. - «التسوّق»Google Shopping. أطلقت تلك الخدمة تحت اسم «فروغل» Froogle، مع شعار يبيّن أنّها «غوغل للبحث عن منتجات». ولاحقاً، تبدّل اسمها إلى «التسوّق»، باعتبار أنها تشكل سوقاً جديدة بالكامل. وتنتهج «غوغل» فيها الإستراتيجية نفسها التي اعتادت اعتمادها في حالات مشابهة، وهي تستند إلى ثلاث نقاط متداخلة. أولاً، ترك الشركات الأخرى تتولى مهمة تطوير سوق معيّنة. ثانياً، تقديم منتج مُشابِه مجاناً، لزيادة حصة «غوغل» في ذلك السوق بفضل الدعم المقدّم من قبل منتجاتها الأخرى. وثالثاً، تحويل المنتج المعروض مجاناً إلى منتج يدفع الشخص الراغب في الحصول عليه رسماً مالياً معيّناً. ولأنّ مجموعة كبيرة من المواقع الشبكيّة تدأب على اتهام «غوغل» باستخدام قوتها في السوق على نحو تعسفي، تقدمت المواقع بشكوى لدى سلطات في «المفوضيّة الأوروبيّة» تختص بمحاربة التوجهات الاحتكاريّة للشركات. - «سكتش آب»Google Sketch. تمثّل برنامجاً رقميّاً جيد الأداء وسهل الاستخدام، يساعد في تطوير رسومات ثلاثية الأبعاد، ودمج تلك الرسومات مع موقع «إيرث» Google Earth، بعد الحصول على موافقة مسبقة من الشركة. واشترت «غوغل» البرنامج في آذار (مارس) 2006.
مشاركة :