اعتادت المستشارة الألمانية أنغيلا مركيل على تولي القيادة في أوروبا، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدأ ينافسها في هذا الدور، علما أن الاثنين يحتاجان إلى بعضهما البعض. تولت المستشارة أنغيلا ميركل طوال سنوات دور القيادة في أوروبا، ولا أحد كان ينازعها في ذلك. وعقب الفوز الانتخابي لدونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرتها بعض الصحف الناطقة بالإنجليزية "قائدة العالم الحر". وهذا كان ساريا قبل بضعة أشهر. ومنذ الانتخابات التشريعية في أيلول/سبتمبر الماضي وجب على ميركل مع حزبها تقبل خسارة كبيرة في الأصوات. والمستشارة التي تدير شؤون الدولة مؤقتا لم تنجح بعد في تشكيل حكومة جديدة. فميركل الشخصية الأولى في أوروبا لم تعد موجودة للوهلة الأولى، ليظهر في الجانب الآخر إيمانويل ماكرون كنجم جديد في الأفق السياسي. فالشاب ماكرون الذي يتمتع بكاريزما خرج كمنتصر لامع من الانتخابات الرئاسية ضد مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن. كما نجح أيضا في أداء تحفة فنية تمثلت في إصلاح سوق العمل ضد مقاومة قوية. وتدعمه في ذلك بيانات نمو جيدة. وبيانات استطلاعات الرأي المتدنية بدأت ترتفع مجددا. وبمناسبة عيد ميلاده الأربعين في كانون أول/ديسمبر قالت غالبية من الفرنسيين إنه "رئيس جيد". وفي الوقت الذي تتهمه فيه المعارضة بنهج "سلوك ملك"، كان ماكرون قد وعد الأمة خلال الحملة الانتخابية "برئاسة متواضعة" في حال فوزه. فالبلاد بأسرها التي كانت تشك في ذاتها، باتت مع ماكرون تشعر بالثقة في النفس. معاملة سيادية ومثلما يتمتع بالقوة على صعيد السياسة الداخلية، يسيطر ماكرون أيضا بكفاءة على الساحة الدولية. فبعد مأدبة عشاء لامعة مع ترامب فوق برج أيفيل وبعد استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر فيرساي، جاء تنظيم مؤتمر المناخ الدولي في باريس، ومبادرات بشأن سياسة إفريقيا والآن زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. " إنه يؤدي مجددا بقوة الدور التقليدي للدبلوماسية الفرنسية التي تلتزم على مستوى العالم وتنطلق من مبدأ أن كل القضايا في العالم تهم فرنسا التي يجب عليها المشاركة في ذلك"، هكذا يصف شتيفان زايدندورف، نائب مدير المعهد الألماني الفرنسي في لودفيغسبورغ التوجه الجديد للسياسة الخارجية لماكرون، ويضيف أن ماكرون لا ينسى أبدا في ذلك أنه "يتمتع بثقل عندما يظهر كأوروبي". إلا أن ماكرون يختلف جزئيا بوضوح عن شريكته الأوروبية المحببة أنغيلا ميركل. ومثال على ذلك هو أردوغان: فإذا طالبت ميركل في أيلل/سبتمبر في الحملة الانتخابية بتعليق لمفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مع أنقرة بسبب خروقات حقوق الإنسان، فقد وصف ماكرون تركيا "شريكا لا يمكن التخلي عنه". ويصعب حاليا تصور حدوث زيارة لأردوغان إلى برلين. وحتى في الأسلوب تختلف ميركل عن ماكرون في التعامل مع شركاء صعاب: فميركل تبحث حقا عن الحوار مع ترامب وبوتين أو أردوغان، لكنها تبقى موضوعية وتحافظ على بعد كبير في البروتوكول. فيما يحاول ماكرون إثارة إعجابهم أو الظهور كصديق. فمصافحة باليد مع ترامب تحولت تقريبا إلى معانقة صغيرة، لأن ماكرون لم يترك بعدها يد ترامب. دور انفرادي كان دوما سيئا لأوروبا مجلة "تايم" الأمريكية التي وصفت ميركل قبل فترة وجيزة "بسيدة أوروبا"، تصف الآن ماكرون "القائد المستقبلي لأوروبا". لكن شتيفان زايدندورف يعتبر أنه من السيء في كل حال عندما يشغل شخص أو بلاد مكانة القمة في أوروبا. " إنه دوما خطر أن تتولى بلاد دور القيادة هذا في الاتحاد الأوروبي وأن يسير الآخرون فقط عن غير طيب خاطر أو أن يتقاعسوا وأن تُمارس في الأصل سياسة مصالح وطنية وليس سياسة أوروبية". وعلى هذا الأساس يكون من المجدي بالنسبة إلى ماكرون وميركل تولي هذا الدور معا. ويؤكد ماكرون أنه لا يرغب في تولي دور انفرادي، بل قال بأنه يسعى بالاشتراك مع ألمانيا إلى تجديد أوروبا. لكنه مازال ينتظر جوابا على أفكاره الإصلاحية في السياسة الأوروبية، إذ يريد مثلا تعيين وزير مالية أوروبي واعتماد ميزانية لمنطقة اليورو. وتظهر ميركل في هذا السياق متحفظة مع الإشارة إلى أنها مبدئيا منفتحة. إلا أنه يوجد تحفظات كبيرة داخل حزبي الاتحاد المسيحي الذي تنتمي إليه ميركل. فنائبة رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي يوليا كلوكنير عبرت مؤخرا عن السبب الحقيقي وراء مبادرات ماكرون، وقالت:" نحن نعارض التحمل الجماعي لديون بلدان أخرى. نحن ندين بهذا لدافعي الضرائب". وكلير ديميسمي، خبيرة شؤون فرنسا من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية أكدت أنه "شعور سائد في ألمانيا وليس فقط لدى الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي الديمقراطي بأنه يجب على ألمانيا أن تدفع لصالح فرنسا. إلا أن هذه القضايا التفصيلية لا تُطرح بعد على النقاش. فمادامت ميركل لم تشكل حكومة جديدة، فلا يمكن لها تقديم أي وعود لماكرون، وتترك له بذلك المجال الدبلوماسي. كريستوف هاسيلباخ/ م.أ.م
مشاركة :