ينضوي أكثر من 25 ألف مقاتل تحت لواء الحشد العشائري في محافظة الأنبار العراقية. عدد ليس بالقليل، فهو يوازي عدد قوات الشرطة في عموم محافظة الأنبار، والذي يقترب من 28 ألف منتسب، هذا العدد إذا وجد آلية مركزية تسعى إلى احتوائه وتأهيله وتدريبه لأصبح قوة لا يستهان بها، وسيمثل سنداً قوياً للقوات الأمنية من الجيش والشرطة وفق مسؤول في الحشد رفض الكشف عن اسمه. الإجراءات الحكومية حول مصير الحشد العشائري ما زالت مبهمة ولم ترشح عنها آلية محددة تفسر كيفية احتواء هؤلاء المقاتلين الذين اختلفت تسمياتهم بين حشد شعبي وآخر عشائري، ففتحت الأبواب على مصاريعها أمام التأويلات التي بدأت تثير مخاوف المقاتلين الطامحين إلى احتوائهم ضمن المنظومة الأمنية. مخاوف التشكيلات العشائرية من عدم ضمها داخل المنظومة الأمنية تعكس الرغبة الحقيقية في إنهاء المظاهر المسلحة خارج إطار الدولة، ولا ترى في قرار الدمج أو الاحتواء داخل المنظومة الأمنية محاولة لحل الحشد الشعبي أو هيكلته، على ما تشير بعض الفصائل المسلحة الرئيسية في هيئة الحشد الشعبي، والتي تذكر دائماً ان هيئة الحشد الشعبي كيان مستقل. المرجعية الدينية لم تحدد فصيلاً أو جهة، بل دعت الى استيعاب جميع المقاتلين الذين ساندوا القوات الأمنية، باعتبار أن هؤلاء المقاتلين قد اكتسبوا خبرات قتالية عالية لا يمكن الاستغناء عنها، فضلاً عن خطة حكيمة ترسم المسار الصحيح لدور هذه الشريحة في تعزيز الأمن والاستقرار. ويشعر قادة الحشد العشائري أن القوى السياسية الشيعية تقف وراء فصائل «الحشد الشعبي»، فيما الحشود العشائرية، ومعظمها في المناطق السنية، فمتروكة من دون تمثيل سياسي يضغط باتجاه دمجها بالقوى الأمنية الرسمية. تلك القوات بدأ تشكيلها بعد سيطرة «داعش» على غالبية مدن محافظة الأنبار(110 كيلومترات غرب بغداد)، استجابة إلى فتوى المرجعية التي دعت إلى الوقوف إلى جانب القوات الأمنية. وهنا تظهر مفارقة أخرى، ذاك أن الحشد العشائري استفاد في تشكله من فتوى المرجعية الشيعية. ويبدو أن الانقسامات التي يعيشها أفراد وقيادات الحشد العشائري ساهمت في تخلخل منظومته التي جعلت منه ضعيفاً لا يقوى على المناورة خارج مناطق سيطرته. هذه الانقسامات أفرزت تشكيل الفصائل وفق العشائر والمناطق، والأحزاب التي تدعم بعض الفصائل في بعض المناطق. قضاء حديثة هو المثال الأبرز على سيطرة القوات العشائرية المدعومة في شكل مباشر من قبل الحشد الشعبي، والتي أصبحت تحظى باهتمام خاص من المراجع الدينية في النجف، وبهذا تكون هذه الفصائل مميزة عن غيرها، تارة لأنها مدعومة كلياً، وتارة أخرى لأنها صمدت ولم تسمح لـ «داعش» بالسيطرة على مناطقها. في القضاء ذاته هناك أكثر من فصيل عشائري، ينقسم بين عشائر «البو نمر» وعشائر «الجغايفة» كبرى عشائر القضاء، وهذه الفصائل وإن كانت تتأثر بأجندات حزبية إلا أنها كلها تخضع لقيادة مركزية عشائرية. قضاء هيت هو الآخر يملك عدداً من الفصائل التي تشكلت بعد عام 2014 مهمتها مسك الأرض والحفاظ على ما تحقق من مكاسب أمنية. وهذه الفصائل لا تتلقى أي دعم أو تدريب يؤهلها لامتلاك الخبرة الكافية للتصدي لأي هجمات يشنها «داعش»، لاسيما أن قضاء هيت يقع بين فكّي كماشة «داعش»، الذي ما زال يسيطر على شمال جزيرة هيت وعلى الطرق الصحراوية الرابطة بين الرمادي والطريق الدولي إلى الأردن وسورية من الجنوب. في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار يبدو المشهد واضحاً، ويستطيع القاصي والداني أن يرى حجم الخلافات والانقسامات بين تلك الفصائل، فمنها من ينتمي إلى أحزاب سياسية، ومنها من ينتمي إلى العشيرة والمنطقة، وغالبيتها تهدف إلى حماية مناطقها والسيطرة على مشاريع الإعمار فيها، الأمر الذي وضع هذه الفصائل وقياداتها في حالة من الفوضى تشوبها شبهات فساد وفق بعض القيادات. عامرية الفلوجة التي تعد منطقة فاصلة بين محافظة الأنبار ومحافظات الفرات الأوسط، لها وضعها الخاص وإن كانت كتائب حزب الله تسيطر على قصباتها ونواحيها الجنوبية، إلا أنه سمح لعشائر «البوعيسى» بتشكل قوات عشائرية أيضاً، لها مهمة واحدة لا تتعداها. هذه القوة تمثل خط صد أولي بين مدينة الفلوجة التي كان يسيطر عليها «داعش» لأكثر من ثلاث سنوات، وبين مناطق قوات الحشد الشعبي جنوب عامرية الفلوجة المكلفة بإيقاف تمدد «داعش» نحو العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية. إصرار غالبية المقاتلين على الانخراط ضمن تشكيلات الحشد العشائري، يبدو محاولة لتصحيح المسار الذي صادرته الحكومة المركزية عند استغنائها عن مقاتلي الصحوات أواخر عام 2010. للوهلة الأولى قد تبدو الحشود العشائرية مختلفة تماماً عن الصحوات، لاسيما أن المتطوعين قد تلقوا وعوداً كثيرة بالتعيين والانخراط ضمن تشكيلات القوات الأمنية، لتعويض النقص الذي حصل داخل المؤسسة الأمنية بسبب عمليات التحرير إلا أن ذلك يتبدد في ظل تكرار المماطلة في ضم الحشود إلى القوى الأمنية. الضغوط الإقليمية والدولية التي تسعى إلى حل هذه الفصائل، قد تكون الصخرة التي تتحطم عليها آمال عشرات الآلاف من المقاتلين في محافظة الأنبار الذين يحلمون بالاندماج ضمن المؤسسة العسكرية، لاسيما أنهم أصبحوا أهدافاً لـتنظيم «داعش» الذي طرد وهزم على أيديهم.
مشاركة :