الولي الفقيه ما زال يعيش مشهد الجماهير التي استقبلت الخميني القادم من باريس، من دون إدراك أن نيابة الإمام لا تعني شيئاً لدى الملايين المولودة بعد الثورة. كذلك لا تفسر تظاهرات الحكومات ضد الشعوب إلا بالضعف والقلق، فبإمكان أضعف حكومة تسيير الألوف المؤلفة ضد معارضيها، لكن الشعارات المرفوعة ضدها كانت أكثر واقعية من لافتات المؤيدين لفكرة الولاية المطلقة نفسها: «انتهت لعبة الإصلاحي والمتطرف إلى غير رجعة»، لعبة الديمقراطية في ظل الولاية المطلقة. كذلك ورد انتقاد حاد للسياسة الخارجية وترك الداخل عارياً: «اترك سوريا وفكّر بحالنا»، وبما كره الإيرانيون بقضية فلسطين، لكثرة ما استخدمت شعاراً: «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء لإيران» (عادل حبه، هل إيران حُبلى بأحداث وتحولات مصيرية؟). ليست إيران استثناءً في الاحتجاجات، فالثورات العُمالية بعد حين عاد العُمال أنفسهم وتظاهروا ضدها. إلا أن خطورة هذه الثورة تتجسد في تبنيها فكرة دينية، وهي نيابة الإمام الغائب، قبل نحو 1200 عام، في السياسة، والنظام الإسلامي تمهيد لظهوره وما سيفعله: «يَمْلَأ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً» (سُنن ابن داود). مع أن التقليد الإمامي، الذي سُجن لاحتجاجه بالمرجع شريعتمداري (ت 1985)، يقول: «كلُّ راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت» (الكُليني، الكافي)! ليس مجدياً أن يُدعى نظام الحاكمية الدِّينية إلى الامتناع عن تصدير الثورة، لأن أُممية الدين والمذهب تفرض هذا السلوك، فالجيوش التي يُشكلها خارج الحدود تعد جزءاً من جيشه، والعلة ليست بخلل سياسي أو اقتصادي وإنما في الفكرة نفسها. إنها حيرة كُبرى أن يدعي الفقيه أنه يرث النبوة والإمامة في أمر السياسة، والقول لمطبق الفكرة: «يملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأمير المؤمنين على ما يمتاز به الرسول والإمام من فضائل ومناقب» (الخميني، الحكومة الإسلامية). كيف الحال، وصور وريث النبوة والإمامة يحرقها الناس؟! صحيح أنه يقول: «عصابة خرجت وشقت». هنا يحضرنا ما قاله أمير خراسان نصر بن سَيَّار (ت 131هـ)، محذراً من الثورة العباسية: «أرى خلل الرمادِ وميض جمرٍ/ ويشوك أن يكون له ضرامُ» (الجاحظ، البيان والتبيين). أقول: وهل سيرى الولي الفقيه هذا الضرام غير خروج على النبوة والإمامة، وبالتالي على الله! رشيد الخيّون r_alkhayoun@hotmail.com
مشاركة :