أثار ظهور معاداة السامية بين المهاجرين الجدد إلى ألمانيا قلقاً، ما دفع سياسية ألمانية لطرح فكرة جديدة مستوحاه من إحدى الروايات، ويبدو أنَّها تكتسب زخماً، وتتمثَّل الفكرة في إجراء زياراتٍ للنصب التذكارية لمعسكرات الاعتقال النازية. حظيت الفكرة التي اقترحتها سوسن شبلي، مفوضة برلين لدى الحكومة الاتحادية، وهي من أصلٍ فلسطيني، بدعمٍ كبيرٍ، الأربعاء 11 يناير/كانون الثاني، عندما وافق على اقتراحها كلٌّ من قادة المجلس المركزي ليهود ألمانيا والمؤتمر اليهودي العالمي، وفق ما ذكرت صحيفة الأميركية. وقال رئيس المجلس، جوزيف شوستر، لإذاعة ألمانيا: "الأفراد الذين نزحوا إلى ألمانيا واضطروا هم أنفسهم للفرار، أو تعرَّضوا للطرد يُمكن إثارة تعاطفهم عن طريق مثل هذه النصب التذكارية". ورحَّب أيضاً المؤتمر العالمي اليهودي -وهو منظمة رئيسية في مجال الدفاع عن اليهود وتُمثل المجتمعات اليهودية في 100 بلد- بالفكرة. ورداً على طلبٍ للتعليق، قال رئيس المنظمة، رونالد لودر، في رسالةٍ عبر البريد الإلكتروني: "يُمثِّل هذا المقترح طريقةً مُشجِّعة وفعَّالة لتثقيف الناس من جميع الخلفيات، حول محاولة النازية القضاء على جميع اليهود في أوروبا، والمخاطر التي يمكن أن تنتجها هذه الكراهية". وأضاف: "واجهت ألمانيا، أكثر من أي بلد آخر، جرائم ماضيها بطريقة نزيهة ومباشرة، وأوضحت أعلى المستويات الحكومية بها أنَّ ذكرى المحرقة يجب ألا تُنسى أو يُقلَّل منها أبداً". انتقادات للمقترح ولم تحظ فكرة زيارة الوافدين الجُدد لمعسكرات الاعتقال بتأييدٍ عالمي. إذ وصفها بعض الباحثين في التاريخ الألماني بأنَّها ردٌّ تبسيطي على مشكلةٍ تُعَد أكثر تعقيداً وتداخلاً. وأكدوا أنَّ العديد من أعمال معاداة السامية في ألمانيا لا تصدر عن المهاجرين. وقالت سابينه فون ميرينغ، مديرة مركز الدراسات الألمانية والأوروبية في جامعة برانديز الأميركية بمدينة والثام في ولاية ماساتشوستس: "لن تستأصل العنصرية أو كراهية الأجانب لدى شخصٍ ما باصطحابه إلى معسكر اعتقال. لا أعتقد أنَّ جعل هذا الأمر شرطاً من شأنه أن يحل المشكلة بطريقةٍ سحرية. الأمر يتطلَّب الكثير من الاهتمام والتعليم". ولم تكن شبلي، التي اقترحت فكرة الزيارات في مقابلةٍ نُشِرت الأحد الماضي، 7 يناير/كانون الثاني، في صحيفة بيلد أم زونتاغ الألمانية، متاحةً على الفور للتعليق. ولم يتضح كذلك ما إن كانت الحكومة الألمانية ستتحرك لجعل هذه الزيارات إلزامية للمهاجرين الذين يتلقون حالياً دوراتٍ في اللغة والثقافة والتاريخ الألماني. لكنَّ هذا الاقتراح يعكس قلقاً متزايداً إزاء استيعاب ألمانيا في السنوات الأخيرة لأكثر من مليون مهاجر، فرَّ الكثيرون منهم من الحرب والفوضى في الشرق الأوسط وإفريقيا، وخلقوا -دون قصدٍ- حاضناتٍ محتملة لمعاداة السامية، في البلد المُثقَل بإرثٍ من النازيين والمحرقة (الهولوكوست)، التي قتلت حوالي ستة ملايين يهودي.مكان اليهود الآمن يُذكَر أنَّ الحساسية تجاه الماضي النازي كبيرة للغاية في ألمانيا، التي تُعَد واحدة من أقوى داعمي إسرائيل. ويتضمَّن القانون الألماني حظراً صارماً على الدعاية النازية وإنكار المحرقة. سعت السلطات الحكومية إلى جعل ألمانيا مكاناً آمنا لليهود، الذين يبلغ عددهم نحو 200 ألف شخص في البلاد. وبالرغم من ارتفاع شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف مؤخراً، ونغمة النازية الجديدة التي يُعبِّر عنها بعض قادة الحزب، لا تزال ألمانيا تُعتبَر واحدةً من أكثر مجتمعات أوروبا تسامحاً. وتُعد الرحلات الطلابية إلى معسكرات الاعتقال النازية السابقة، حيث جرى استعباد اليهود وقتلهم جماعياً قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، عنصراً أساسياً في المناهج الدراسية الألمانية. وأثارت شبلي فكرة المساعدة على توعية المهاجرين الجُدد بتاريخ الجرائم النازية -عن طريق زيارات معسكرات الاعتقال- كجزءٍ من استيعابهم ضمن المجتمع الألماني الذي يُقدِّر التسامح ويُعارض التمييز. ونقلت صحيفة بيلد أم زونتاغ عن شبلي قولها: "أعتقد أنَّه من المنطقي إلزام كل من يعيش في هذا البلد بزيارة نصبٍ تذكاري لمعسكر اعتقالٍ مرةً واحدة في حياته على الأقل، بما في ذلك الوافدون الجدد. وينبغي أن تصبح زيارات معسكرات الاعتقال جزءاً من دورات الاندماج". وجاء اقتراح شبلي على خلفية تصاعد الشعور المعادي للسامية في الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنَّ حكومة الولايات المتحدة تعتبر رسمياً مدينة القدس المُتنازع عليها عاصمةً لإسرائيل. وندَّدت الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك ألمانيا، بالموقف الأميركي الذي وصفه المُنتقِدون بأنَّه انتهاكٌ للقانون الدولي وعقبة جديدة أمام حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي طال أمده. وقد شارك مهاجرون عرب في الاحتجاجات التي اندلعت في ألمانيا، وأحرق بعضهم علم إسرائيل، وسُمِعت هتافات مثل "الموت لإسرائيل"، فيما وصفه مسؤولون حكوميون بأنَّه مظهرٌ بغيضٌ للجهالة. وقال وزير العدل الألماني، هايكو ماس، الذي دعا إلى التثقيف بالمحرقة كجزءٍ من عملية استيعاب المهاجرين، في مقابلةٍ مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية الشهر الماضي، إنَّ النزاع حول القدس ليس مُبرِّراً لمعاداة السامية. وأضاف: "كل من يحرق أعلام إسرائيل لا يُهدر ذوق ولياقة المرء فحسب، بل يُهدِر أيضاً قيم دستورنا. كل من يشكك في حق إسرائيل بالوجود لا ينتمي لمجتمعنا". وقال أيضاً إنَّه يجب فهم أنَّ "كل مَن يهاجم حياة اليهود تجب محاكمته ويتحمَّل العواقب الكاملة لدولة الدستور والقانون".
مشاركة :