ليس أمام المصابين بالسمنة، العاجزين عن إنقاص وزنهم بالحمية الغذائية والتمارين الرياضية، إلا الجراحة!! وقد أظهرت دراسة حديثة أن أكثر من ملياري شخص حول العالم يعانون من الوزن الزائد أو البدانة، وبالتالي يعانون أيضاً من مشاكل صحية عديدة على إثر ذلك، فالسمنة داء يصيب أعضاء الجسم المختلفة، وأسبابه ما زالت غير معروفة بدقة، ومن ثم ستظل البشرية تدرس وتبحث عن علاج حاسم، سواء بالجراحة أو بغيرها. تقدم علمي باهر يرجع السبب الرئيسي لزيادة الوزن إلى اختلال توازن الطاقة بين السعرات الحرارية التي تدخل الجسم والتي يحرقها، وتأتي السمنة المفرطة نتيجة الترابط بين الخمول البدني، والتراكم المفرط للدهون، وهو ما يلحق ضرراً بالغاً بالصحة، وينتج عنه الإصابة بالكثير من الأمراض المزمنة. في البداية يخبرنا «أ. د. وليد إبراهيم»، استشاري جراحات السمنة وتكميم المعدة، بأنه «في الوقت الحالي تعتبر جراحات السمنة هي الحل الأفضل لمرضى السمنة، فهي تقصر المسافة كثيراً على المريض، كما أصبحت العمليات الجراحية أكثر أماناً مقارنة بزمن ظهورها أول مرة، وذلك يرجع إلى التقدم العلمي والخبرة وتقدم مستويات العلاج، لذا فإن جراحات السمنة تعتبر أفضل ما توصل إليه العلم حديثاً للوصول للوزن الصحي والمثالي، وهناك تقنيات حديثة قللت كثيراً من حدوث آثار جانبية عقب العملية»، و يُلاحظ أن بعض الأشخاص يلجؤون إلى جراحات السمنة لأغراض تجميلية أو نفسية، لكن غالبية من يضطرون إلى إجرائها يبحثون عن تخفيف الآلام اليومية ومقاومة الأمراض المزمنة التي يعانون منها، وتهدف جراحات السمنة المقيدة (Restrictive Bariatric Procedures)، مثل: ربط المعدة (Gastric Banding)، أو تكميم المعدة (Gastric Sleeve)، إلى تقليل حجم المعدة التي تعطي المريض شعوراً بالشبع، بمجرد تناول كميات قليلة من الطعام، في حين تعمل جراحات سوء الامتصاص (Malabsorption Surgeries) على الحد من امتصاص المواد الغذائية من الأمعاء، نتيجة إزالة أو إعادة ترتيب الجهاز الهضمي، لكنها تجرى في الغالب مع الجراحة المقيدة مثل عملية تجاوز المعدة (Gastric Bypass). آخر الطب.. الجراحة يرى «د. أسعد غزال»، استشاري جراحة السمنة المفرطة وزميل كلية الجراحين الأمريكية، أن «اللجوء للعمليات الجراحية في علاج السمنة هو الحل الأخير بعد الفشل في الحل الأمثل، وهو الحمية الغذائية وممارسة الرياضة، وبعبارة أخرى تغيير النمط الغذائي إلى النمط الصحي، وتغيير نمط الحياة من نمط الكسل والخمول إلى نمط النشاط والحركة، ويحب أن تكون محاولات الحمية والرياضة محاولات جادة، وإذا فشلنا مرة نحاول مرة ثانية وثالثة ورابعة ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، وإذا فشلنا بعد ذلك فيكون اللجوء للعمليات الجراحية»، ويضيف غزال: «وفي حال إجراء عملية جراحية للتخلص من السمنة، فيجب بعدها أن يلتزم المريض ببرنامج غذائي وعلاجي يحدده له الطبيب، وكذلك بإجراء فحوصات ومتابعة طبيبه بشكل دوري ومستمر، عدا ذلك فمن الممكن أن يعود الوزن للزيادة، أو أن يعاني المريض من مشاكل نقص المواد الغذائية، أي أن عدم الالتزام بالبرنامج الغذائي قد يؤدي لفشل العملية وعدم نزول الوزن أو عودته بعد النزول»، ويتابع: «قبل هذا وذاك يجب ألا تجرى العملية إلا لمن تكون كتلة الجسم عنده 40 فأكثر (سمنة مفرطة) أو 35 في حال كان المريض يعاني من أمراض أخرى يكون علاجها صعباً بوجود السمنة مثل الضغط أو السكري». خيار سريع وفعّال ! يلاحظ أن هناك إقبالاً متزايداً في السنوات الأخيرة على إجراء جراحات السمنة، خاصة في المملكة، التي تعاني فيها نسبة ليست بالقليلة من أمراض السمنة، وهو ما دفع الكثيرين إلى إجراء تلك الجراحات، حيث أثبتت أنها حل مناسب للتخلص زيادة الوزن المفرطة، فقد شهد العام 2012م إجراء 10 آلاف عملية على يد 53 جراحاً بتكلفة بلغت 350 مليون ريال، ووفقاً لمجلة فوربس فإن السعودية تحتل المرتبة 29 على قائمة أكثر البلدان في العالم بدانة، حيث يعاني نحو 68٪ من السعوديين من زيادة الوزن (مؤشر كتلة الجسم أكبر من 25) حسب اللائحة الصادرة عام 2007م، ومعظم المرضى الذين يخضعون لجراحات السمنة يلاحظون تحسناً عاماً في صحتهم مثل الانخفاض في ضغط الدم ونسبة السكر ومعدلات الكوليسترول، لكن في الوقت نفسه يجب التأكيد على أن تلك الجراحات ليست مناسبة للجميع، لذا يجب استشارة الطبيب أولاً لمناقشة خيارات فقدان الوزن الملائمة حسب الحالة الصحية لكل شخص. يخبرنا «طلال راضي»، البالغ من العمر 27 عاماً بأنه قد خضع لعملية تكميم المعدة منذ عامين تقريباً، وقد فقد خلالها نحو 54 كجم من وزن جسمه، وقد اضطر لإجراء تلك الجراحة بعد فشل محاولاته لفقدان الوزن من خلال اتباع حمية غذائية أو ممارسة التمارين الرياضية، يقول: «مارست الرياضة لفترة طويلة، وبالتزامن كنت أتبع حمية غذائية صارمة، لكن معدل الحرق كان ضئيلاً، نعم كان وزني يتناقص، لكن ليس بالشكل الذي كنت أتمناه، وفي بعض الأحيان كنت أتكاسل عن أداء التمارين، وفي أوقات أخرى كنت أضعف أمام بعض المأكولات، خاصة الحلويات والبيتزا، وعندما سمعت عن الجراحة أدركت أنها ستكون الحل الفعال لحالتي، وبالفعل ذهبت إلى أحد المراكز المتخصصة في علاج السمنة، والحمدلله الآن أشعر بمزيد من الثقة، فالتحولات التي حدثت في جسمي وهيئتي تمكنني من القيام بأشياء لم أكن قادراً على فعلها من قبل، وأصبحت قادراً على ارتداء الملابس الصيفية بحرية». مضاعفات ومخاطر! جراحات السمنة تحولت من ضرورة ملحة للمصابين بداء السمنة المفرطة إلى هوس اجتماعي، إذ يرغب فيها الكثيرون من أجل الوصول للرشاقة في وقت سريع، خاصة من النساء والشباب، وذلك دون تقدير مدى حاجة الجسم لها، ومدى المخاطر التي قد تحدث بعدها، وعلى الرغم من التقدم الذي وصل إليه العلم فيما يخص هذه الجراحات لكن مازالت هناك آثار جانبية من الوارد حدوثها، منها: حدوث القيء أوالغثيان نتيجة الإفراط في تناول الطعام أو التضييق في منطقة الجراحة، وكذلك متلازمة الإغراق نتيجة التفريغ السريع للمعدة المسبب للتشنجات والإسهال والغثيان، هذا بخلاف الأنيميا وسوء التغذية نتيجة قلة المواد الغذائية وما تحتويه من عناصر مهمة مثل الكالسيوم والحديد والزنك، هذا إلى جانب ترهل الجسم؛ لكن ذلك يمكن التخلق منه عن طريق إزالة الجلد الزائد بجراحات رأب البطن وتجميل القوام. لكن ما يثير المخاوف هي المضاعفات التي تصاحب الجراحة نفسها، فمثلاً قد يصاحب جراحة تكميم المعدة بالمنظار بعض المضاعفات مثل التسريب ونزيف الدم، أما جراحة ربط المعدة فقد يصاحبها انزلاق الرباط أو تلوثه أو تسربه أو تآكله أو تحركه من مكانه، أو يحدث فقد أو اكتساب للوزن بشكل غير ملائم؛ وهو ما يتطلب جراحات تكميلية بنسبة تصل إلى 35 %، أما جراحات تجاوز المعدة فقد يصاحبها التسريب أو تضيق الفقرات (stenosis of the stoma)، وقروحات أو نزيف المعدة والأمعاء وانسداد الأمعاء الدقيقة، والفتوق الداخلية. من جهته يقول «أ.د. محمد مطر»، استشاري جراحات السمنة المفرطة والأورام، أن «جراحات السمنة هذه الأيام من أكثر الجراحات انتشاراً، نظراً لارتفاع الوعي بأضرار مرض السمنة المفرطة وقدرة هذه الجراحات على علاج هذا المرض لتجنب الإصابة بأمراض القلب والضغط والسكر وخشونة المفاصل والضعف الجنسي، وبتقدم الطب وارتفاع خبرة الطاقم الطبي بهذه الجراحات، أصبحت هذه الجراحات آمنة تماماً وتحقق نتائج هائلة وناجحة بدرجة كبيرة وقلت المضاعفات لمستوى قليل جداً»، ويضيف مطر: «حتى يضمن كل من المريض والجراح نجاح العملية، يجب على كليهما القيام بدوره كاملاً، فيقوم الجراح بإجراء الجراحة بأجهزة حديثة وتقنيات عالية ووسائل أمان متقدمة، ويقوم المريض باتباع التعليمات والنظام الغذائي بعد الجراحة والرياضة حتى يضمن الوصول للوزن المثالي ولا يعود للسمنة مرة أخرى». معدلات مرتفعة! تُقاس البدانة باستخدام مؤشر كتلة الجسم للفرد الذي هو نسبة الوزن والطول، بحيث يُصنف من يبلغ مؤشر كتلة جسمه بين 25 و29.9 ضمن فئة أصحاب الوزن الزائد، أما من يتخطى مؤشر كتلة الجسم لديه هذا المستوى، فيصنف ضمن فئة البدانة، وتشير الإحصاءات طبقاً لمنظمة الصحة العالمية إلى أن معدلات انتشار السمنة في دول مجلس التعاون الخليجي تعد من الأعلى على مستوى العالم، حيث تبلغ نسبة السمنة في السعودية 28.7 %، وتبلغ نسبة زيادة الوزن 30.7 % في الفئة العمرية من 15 سنة فما فوق، حسب نتائج المسح الوطني للمعلومات الصحية عام 2013م، كما تبلغ نسبة السمنة 9.3 % لدى الأطفال في عمر المدرسة، و6 % لدى الأطفال في الفئة العمرية ما قبل عمر المدرسة. نظراً لارتفاع نسبة السمنة في المملكة، ولارتباطها بعديد من الأمراض غير السارية مثل مرض السكري، والقلب، والضغط، والتهاب المفاصل، وأمراض السرطان، وعديد من الأمراض الأخرى، فقد قامت وزارة الصحة باستحداث برنامج مكافحة السمنة، والذي يعمل على وضع دليل إرشادي لأطباء الرعاية الأولية للوقاية وعلاج السمنة، كما يقوم بتدريب وتطوير مهارات الممارسين الصحيين في الرعاية الصحية الأولية في مجال مكافحة وعلاج السمنة عن طريق المحاضرات وورش العمل، هذا بخلاف تنفيذ عديد من المواقع للكشف المبكر عن السمنة في عديد من مناطق المملكة، ونشر الفيديوهات التثقيفية والتوعوية لمكافحة السمنة، كل ذلك لهدف واحد وهو مكافحة داء السمنة بغرض تعزيز صحة المجتمع في الفئات العمرية المختلفة بالمملكة. عودة الوزن الزائد! لكن السؤال الذي يراود كل من يُجري جراحة لإنقاص وزنه، هو: هل يمكن أن يعود الوزن الزائد بسرعة بعد الجراحة؟!، تُجيبه دراسة أجريت حديثاً في كلية الطب بجامعة فرجينيا الأمريكية، تقول إنه بعد 10 سنوات من إجراء عملية تجاوز المعدة لإنقاص الوزن نجح المرضى في الحفاظ على عدم عودة كثير من الوزن الذي فقدوه، فالناس لا يفقدون كثيراً من الوزن فحسب، ولكنهم يصبحون أكثر صحة، فبعد متابعة 1087 مريضاً أجروا عملية تجاوز المعدة فيما بين عامي 1985 و2004، وُجِدَ أن هؤلاء الأشخاص حدث لديهم تراجع في مشكلات طبية مثل: السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول وأمراض المفاصل وإنقطاع النفس أثناء النوم. لكن «أ.د. وليد إبراهيم»، استشاري جراحات السمنة وتكميم المعدة، ينوه بأنه من الوارد أن يعود المريض للسمنة ويزداد في الوزن، وذلك إذا ما تخلى عن الأكل الصحي، واعتمد على أكلات عالية السعرات والمياه الغازية والحلويات. من جهته يقول «د. سامي سالم»، استشاري علاج السمنة بالمنظار الجراحي وزميل كلية الجراحين الألمانية، إن «عمليات السمنة المفرطة ليست هي الحل الوحيد لتخفيف الوزن، بل تخفيف الوزن يبدأ بتغيير نمط الحياة أولاً، وفي حالة لم يستطع الشخص تحقيق نتيجة بالطرق التحفظية يلجأ إلى العمليات الجراحية، منها قص المعدة أو تحويل مسار المعدة وذلك لعلاج الحالات المصاحبة للسمنة مثل السكري والضغط وارتفاع دهنيات الدم، أما النتائج فهي تعتمد على خبرة الطبيب المعالج الجراح وكذلك إلى التزام المريض ما بعد العملية»، ويضيف سالم: «من المهم جداً التزام المريض بعد العملية بالتعليمات الغذائية الخاصة، ومن الضروري معرفة أنه لا يوجد ما هو مضمون 100% ولكن نسبة النجاح عالية جداً في هذه العمليات فوق 90 % تقريباً». طرق جديدة! الأبحاث الطبية مازالت مستمرة وبقوة لاكتشاف طرق جديدة وآمنة، كي تكون أقل إيلاماً للمريض، وأسرع وأكثر فعالية لعلاج السمنة، من بين هذه الطرق الحديثة التي مازال بعضها في طور التجريب، التي يتم إجراؤها عن طريق منظار المعدة المرن: تصغير المعدة من الداخل (Primary Obesity Surgery Endoluminal)، وعملية التكميم من خلال المنظار (Endoscopic Plication)، والحاجز الداخلي (Endobarrier)، وفيها يتم تثبيت أنبوبة صناعية أشبه بالبلاستيك الطري جداً بين المعدة والأمعاء، وبصفة عامة فإن الآمال معقودة بشدة على مثل هذه الأبحاث لإيجاد علاج سهل وآمن لمرض السمنة. لكن بعيداً عن العمليات الجراحية، فمن الممكن إحداث تغيير ملموس في شكل الجسم من خلال اتباع أسلوب حياة منتظم، يقوم على تغيير صحي في الوجبات الغذائية، فنحن نأكل كثيراً، أكثر مما تحتاج إليه أجسامنا، ونتحرك قليلاً أقل مما هو ضروري، لكن في نفس الوقت لا يجب المبالغة في الحمية الغذائية رغبة في الوصول إلى الوزن المثالي سريعاً، بل يجب ألا تزيد كمية النقص على 4 كجم شهرياً حتى لا يصاب المرء بضعف صحي أو تتهدل البشرة، كذلك يجب ممارسة الرياضة والنوم المنتظم بحيث يكون جزءاً من الحياة اليومية وليس برنامجاً مؤقتاً ينتهي بمجرد الوصول إلى الهدف المطلوب، وكذلك الابتعاد عن الأدوية التي تدعو إلى إعطاء حل سريع لانقاص الوزن، إذ لا ينصح بها نهائياً بسبب آثارها الجانبية الخطرة على صحة الإنسان. ويبقى السر الأول وراء التخلص من الوزن الزائد هي كلمة واحدة: الإرادة، فالإرادة الصادقة والرغبة الحقيقية فى أن يتمتع الإنسان بوزن طبيعي وقوام مثالي هي سر نجاحه في الوصول إلى ما يطمح ويريد.
مشاركة :