مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية تمنحهم الثقة والشعور بالمسؤولية بقلم: فيصل عبدالحسن

  • 1/12/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية تمنحهم الثقة والشعور بالمسؤوليةما هي النتيجة التي ستكون عليها شخصيات الأبناء عندما لا تتم تربيتهم على حبّ العمل المنزلي والثقة بالنفس وحب التعاون مع الآخرين، غير تمرّد أهوج على الأعمال اليدوية، والتي هي جزء مهم من حياتهم، وسيعرضهم ذلك لصعوبات يواجهونها في حياتهم المستقلة، سواء بعد الزواج أو عند الاستقلال عن الأب والأم وبقية الأسرة في سكن خاص بهم.العرب فيصل عبدالحسن [نُشر في 2018/01/12، العدد: 10867، ص(21)]المساعدة في الأعمال المنزلية إشارات إيجابية تبقى في ذاكرة الأطفال توصلت دراسة ميدانية قامت بها الباحثة النفسية الأميركية كارين روسكين ونشرت بمجلة نيويورك تايمز، حول تقنيّات تعليم الطفل تحمّل المسؤولية، إلى أن الطفل الذي يتعلم في وقت مبكر من عمره المساعدة في الأعمال المنزلية سينشأ متحمّلا لمسؤولياته، قادرا على التلاؤم مع المحيط الذي يوجد فيه. وأضافت أنه سيكون على قدر كبير من الثقة بالنفس. كما أن الصفات التي يكتسبها بسبب هذه الممارسة في الطفولة تجعله مهيّأ للحصول على أعلى المراتب الوظيفية في كل عمل يزاوله بالمستقبل، كما أنَّه سيكون زوجا حنونا على زوجته ولطيفا مع أبنائه. ووجدت الدراسة، التي شملت 121 أسرة واعتمدت أعمار أطفال مختلفة بين 3 و12 سنة، أن 21 أسرة فقط يوجد بها أطفال علّمهم آباؤهم وأمهاتهم المشاركة في الأعمال المنزلية، كرمي الورق ونفايات المطبخ في حاوية النفايات، وإطعام الحيوانات الأليفة في المنزل، وجمع ألعابهم بعد الانتهاء من اللعب ووضعها في أمكنتها المُخَصّصة، وترتيب الأغطية والأسِرَّة بعد النوم، وارتداء ملابسهم ووضعها في مكانها المُخَصّص عند نزعها، وربط خيوط أحذيتهم، وترتيب مائدة الطعام، وتناول الطعام من دون مساعدة الكبار، والمساعدة في نقل أواني الطعام وغسلها بعد الأكل بإشراف الأم، وتنظيف الحَمّام بعد استعماله، وتنظيف زرابي الصالون وغرف النوم من الغبار، وليس انتهاء بسقاية وتشذيب أشجار حديقة المنزل. وقالت الدراسة إن 50 أسرة ممن حرصت على عدم إشراك أطفالها في الأعمال المنزلية إلا في مناسبات قليلة، ما سبّب حاجزا بينهم وبين ثقتهم بأنفسهم، حيث اعتمدوا في حلول واجباتهم المدرسية على أولياء أمورهم. ولم يتعلموا الاعتماد على أنفسهم إلا بعد سنوات، وكانوا مترددين في اتّخاذ القرارات، واعتمدوا على الأكبر سنا من زملائهم في أمور كثيرة. ولم يطلعوا آباؤهم على خصوصيّاتهم ظنا منهم أنَّهم سيبدون أمامهم بلا شخصيات، ولا يُعتمد عليهم. وهم بالتالي سيتظاهرون كواثقين من أنفسهم وهم في الحقيقة غير ذلك. وخضعت 30 أسرة من الأسر التي لديها خادمة أو أكثر، لذلك كانت أعمال الأطفال في هذه الأُسر محصورة بأعمال أقل في المنزل، مما تسبب ذلك في اتكالية العائلات على الخادمات في القيام بالأعمال المنزلية، ولم يُكلف الأطفال بشيء من أعمال المنزل إلا نادرا. مما خلق لديهم شخصيات اتّكاليّة رافقتهم إلى فترة الشباب، ووجدوا صعوبات شتى في حياتهم العملية. وكان من الواضح في مرحلة التعليم الأساسي عدم استطاعتهم إنجاز الكثير من الأمور من دون مساعدة المعلمين أو زملائهم في الفصل. وأشار الباحث الأميركي جوستافو كارلو، متخصص في العلاقات الأسرية من جامعة ميسوري في إحدى دراساته بمجلة نيويورك تايمز سنة 2010، إلى ضرورة عدم استخدام العنف مع الأطفال، الذين لا يساعدون أفراد العائلة. لأنَّه سيجعلهم يربطون في أذهانهم بين مساعدة الآخرين، والأذى الذي سيلحقهم جراء امتناعهم عن القيام به، مما يجعلهم يكرهون تقديم أي مساعدة للآخرين.ارتباط العمل مع أفراد العائلة بالفرح والمكافأة في ذهن الأطفال، يجعلهم يكبرون على مفهوم أن لكل عطاء ثمنه وأضاف كارلو أنَّ أفضل طريقة لدفعهم للمساعدة تتمثل في تقديم الحوافز، كالزيادة في المصروف أو شراء لهم ما يحبون من طعام أو اصطحابهم إلى السينما والمسرح والنادي، وشراء هدايا لهم، وجمعهم بأصدقاء يحبون تمضية وقت معهم. وبذلك سيرتبط العمل الجماعي مع أفراد العائلة بالفرح والمكافأة في ذهن الأطفال، وهذا ما يجعلهم يكبرون على مفهوم أن لكل عطاء ثمن ولكل اجتهاد مكافأة. وفي هذا السياق تقول رشيدة صالح (30 سنة) بيداغوجية في حضانة أطفال بالرباط إن “مساعدة الأطفال لأمهاتهم في المنزل جزء من التربية النفسية للطفل. وقد وجدت أن الأطفال في سن 4 و8 سنوات يميلون إلى التقليد أكثر من الانصياع للأوامر”. وأضافت موضحة “الأطفال الذين نشأوا في أسرة متعاونة، ورأوا الأب يعاون الأم في إعداد الطعام وتنظيف المائدة قبل تناوله وتنظيف البيت سيكونون إيجابيين في الحضانة، وهذا ما لمسته في الكثير من الأطفال، فهم يبدون المساعدة للأصغر منهم عمرا، ومساعدتي في بعض الأمور البسيطة التي أطلبها منهم. وكلما طلبت منهم شيئا أسرعوا في تنفيذه بعكس أطفال الأسر غير المتعاونة، فهم يستغربون حين أطلب منهم أن يقوموا بعمل ما أو أن يساعدوا من هو أصغر منهم”. وقالت صالح “المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل تحمّل مسؤولياته والثقة بنفسه وتقديم المساعدة للآخرين هي أسرته. الأب والأم هما الأساس في التربية”. ومن جانبها أكدت منيرة هادي ربة بيت (40 سنة) أنها حرصت بالاتفاق مع زوجها على ألا يزعجا ولديهما علاء 10 سنوات وفدوى 12 سنة بأمور البيت، وتوضح قائلة “كنا نحب راحتهما ونخاف عليهما كثيرا، لذلك تركناهما من دون أن نعلمهما شيئا كإعداد المائدة أو تنظيم فراشيهما بعد النوم أو غسل أواني الطعام وتعليق ملابسهما وتنظيف الحمام بعد الاستحمام”. وتؤكد أن نتيجة هذه التربية كانت فاشلة، فقد خلقا فيهما روح التمرّد على أي عمل، واحتقار من يقوم بالأعمال المنزلية، موضحة أن أكثر ما يؤلمها هو الفتاة، فهي في المستقبل ستكون زوجة وأمّا، لذا ستبقى لا تعرف كيف ستتصرف مع زوجها ومع أعباء أسرتها بالمستقبل؟”. وأكد محمد الريصاني باحث اجتماعي، على ضرورة إشراك الأطفال في أي عمل جماعي سواء في البيت أو في المدرسة، في البيت من خلال الأعمال المنزلية أو من خلال الإدلاء بآرائهم حتى في برامج التلفزيون، التي يراها أفراد الأسرة مجتمعين، أو أثناء الرحلات المدرسية أو في الإعداد للحفلات في البيت والمدرسة. وأفاد الريصاني بأن “كل هذا مهم لبناء الثقة فيهم والروح الاجتماعية، وجعلهم أكثر مبادرة وفهما للعلاقات بين الناس التي أساسها التعاون، وعدم الانعزال عن المحيط الاجتماعي”. ويقول الدكتور عبدالكريم عطا باحث نفسي “الطفولة عالم من الحواس الملتقطة لأقل الإشارات من الآخرين، وعلى الأب والأم أن يضربا المثال في تحمّل المسؤولية والثقة بالنفس. وعليهما أن يظهرا للأطفال التعاون بينهما في معظم الأعمال المنزلية. وهذا يجعل حواس الأطفال تلتقط حركتهما أثناء ذلك”. ويضيف عطا “إعداد مائدة الطعام عند الفطور والغداء والعشاء أو التمتع بإعداد متطلبات السهرة على التلفزيون كإعداد أماكن الجلوس، وتنظيم توزيع المكسرات أو الفشار، عوامل تسعد جميع أفراد الأسرة، كما أنها إشارات إيجابية ستبقى في ذاكرة الأطفال الذين سنعدّهم للمستقبل كآباء وأمهات متعاونين”.

مشاركة :