الحياة قد تكون كذبة كبيرة: الكون برنامج محاكاة على كمبيوترماذا لو كنا نحن “ألعابا” في محاكاة لبرنامج بكمبيوتر شخص ما؟ بينما تبدو هذه الفرضية مثيرة للسخرية، لكنها جذبت انتباه بعض أصحاب أكثر العقول ثورية والذين حاولوا إثباتها.العرب [نُشر في 2018/01/13، العدد: 10868، ص(19)]افعلوا أشياء مثيرة كي لا يوقفكم مشغل اللعبة لندن - نشأ الملايين من الأطفال حول العالم على ألعاب الكمبيوتر مثل لعبتي “ذي سيمس” (The Sims) و”سيم سيتي” (Sim City)، اللتين يُمكنك عبرهما صُنع وتعديل عائلات افتراضية أو مدن كبيرة كما يحلو لك. وبينما يحاول البعض جاهدا أن يضمن بقاء الجميع على قيد الحياة لأطول مدة ممكنة، يدبر آخرون كوارث، سواء كانت مضحكة أو شريرة، ليضحكوا، بينما يقع مواطنوهم في شرك المخاطر. لكن ماذا لو كنا نحن “ألعابا” في محاكاة لبرنامج بكمبيوتر شخص ما؟ بينما تبدو هذه الفرضية مثيرة للسخرية، فقد جذبت انتباه بعض أكثر العقول ثورية في زمننا، مثل إيلون ماسك، مؤسس شركتي “تسلا” و”سبيس إكس”، ونيل ديغراس تايسون، الحائز على جائزة في الفيزياء الفلكية، بحسب تقرير موقع “لاد بيبل” (Lad Bible) البريطاني هذا الأسبوع. ولو كان كل شيء في الكون مجرد شخصيات في لعبة كمبيوتر كبيرة، فإننا لن نستطيع معرفة ذلك بالضرورة. إن هذه الفرضية تشبه فكرة أن الكون محاكاة من صنع الكمبيوتر مثل فيلم “ماتريكس” (Matrix)، ولكن هذا لا ينفي أنها فرضية علمية جائزة. عورضت هذه النظرية في روايات من الخيال العلمي، وألعاب الفيديو، ومسلسلات تلفزيونية، وأفلام مثل فيلم “ماتريكس” ومسلسل “ريك آند مورتي (Rick and Morty)، لكنّ المفهوم أصبح حديثا واقعيا عندما اقترح أستاذ الفلسفة في جامعة أكسفورد نيك بوستروم فرضيته في ورقة بحثية بعنوان “هل نعيش في محاكاة كمبيوتر؟”. ويؤكد بوستروم أنّ البشرية ستنقرض قبل أن ندخل المرحلة التي نكون فيها قادرين على إجراء عمليات المحاكاة، وسيكون الناس في المستقبل إما غير مهتمين بالمحاكاة إذا وصلوا إلى عصر “إنسان ما بعد البشرية”، وإما أنَّهم قد توصّلوا إلى أنّها عملية غير أخلاقية، أو أنّنا نعيش في محاكاة في الوقت الحالي. تقول الورقة البحثية أيضا إنه قد لا يكون البشر هم الذين يخوضون هذه التجربة، وقد تكون هناك حضارةٌ في مكانٍ ما في أعماق الفضاء يُجري مَن فيها عمليات محاكاة للأسلاف. يقول بوستروم لموقع “لاد بيبل” البريطاني “إذا تخيلنا أن العلم والتكنولوجيا يستمران في الاتساع والوصول إلى حالة النضج؛ يمكننا أن ندرك أنَّه عند هذه النقطة قد يكون من السهل إنشاء محاكاة لكمبيوتر مفصلة للناس على غرار أسلافهم، ولن تكون مميزة/ مختلفة عن الواقع الأصلي”.نيك بوستروم: يمكن للحضارات المقلدة أن تصبح حقيقة في مرحلة ما بعد البشر تلقي الورقة البحثية أيضا الضوء على فيلم “إنسبسيون” (Inception)، على غرار مفهوم أنه يمكننا أن نكون نحن محاكاة، داخل محاكاة، داخل محاكاة، إلخ. ويقول نيك “قد يكون من الممكن للحضارات المُقلَّدة أن تصبح حقيقة في مرحلة ما بعد البشر. وربما حينها يجرون عملياتهم هم لمحاكاة أسلافهم على أجهزة كمبيوتر قوية، بنوها في عالمهم المقلّد”. لقد ناقش الباحثون هذه الفكرة عام 2016، في المنتدى السنوي التذكاري لإسحاق أزيموف، بالمتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي. وأدار النقاش وقتها نيل ديغراس تايسون، مدير القبة السماوية “هايدن” في المتحف، وكان رأيه أن احتمال أن تكون كل حياتنا مجرد برنامج على كمبيوتر أحد الأشخاص، يُقدر بنسبة 50 بالمئة. حيث قال “أعتقد أن احتمالية ذلك قد تكون عالية للغاية”. كما أشار إلى الفجوة بين ذكاء البشر وحيوانات الشمبانزي على الرغم من أنها تشترك معنا في 98 بالمئة من الحمض النووي. قد يكون هناك في مكان ما كائن يفوق ذكاؤه نسبة ذكائنا بقدر كبير للغاية. ويقول تايسون “سنبدو حمقى نلهو بجهلنا لدى المقارنة بهؤلاء الأشخاص فائقي الذكاء”. ويضيف “إذا كانت هذه الحقيقة، فإنه من السهل عليَّ أن أتخيل أن كل شيء في حياتنا صنعته كائنات أخرى للتسلية”. من جانبها، تذكر ليزا راندال، عالمة الفيزياء النظرية في جامعة هارفارد، أن الحُجة الإحصائية، التي تقول إن معظم العقول في المستقبل سوف تتحول إلى عقول اصطناعية وليست بيولوجية، غير مُسلَّم بها. فكما تقول “إنها لا تستند إلى احتمالات واضحة المعالم. تقول الحُجة إن هناك الكثير من الأشياء التي تريد صنع محاكاة لنا. وأنا لا أوافق على هذا. فنحن نهتم أغلب الوقت بأنفسنا. فلا أعلم لِمَ قد ترغب هذه الأنواع العليا في صُنع محاكاة لنا؟”. وأقرت راندال أنها لا تفهم تماما سبب التفات العلماء الآخرين من الأساس إلى فكرة أن الكون هو محاكاة. وتوضح “أنا فعلا مهتمة للغاية بمعرفة سبب اعتقاد العديد من الناس بأهمية هذا التساؤل”. وقدرت راندال احتمالات أن يكون هذا الأمر حقيقيا بنسبة “ضعيفة للغاية تقترب من الصفر”. وإذا تبين أننا نعيش بالفعل في نسخة من فيلم “ماتريكس”، فماذا نفعل؟ يقول ديفيد تشالمرز، أستاذ الفلسفة في جامعة نيويورك، “قد نكون جزءا من محاكاة كمبيوتر، وقد لا نكون كذلك، ولكن إذا كنا جزءا من لعبة، فالأمر ليس بهذا السوء”، ويعلق تشالمرز “نصيحتي هي الخروج وفعل أشياء مثيرة للاهتمام بحق لئلا يوقفك مشغلو المحاكاة عن اللعب”. ولكن البعض كان أكثر تأملا، قائلين إن هذه الاحتمالية تثير بعض الأسئلة الروحية المهمة. فإذا صنع شخص ما في مكان ما هذه المحاكاة لنا، فهل يصبح بذلك هو الإله؟ ووفقا لمجلة ذا نيويوركر الأميركية، هناك فريق من العلماء، يقودهم اثنان من أثرياء مجال التكنولوجيا، يحاولون حاليا معرفة ما إذا كانوا قادرين على بدء المحاكاة، فيما يحاول فريق آخر من جامعة “واشنطن” الأميركية معرفة ما إذا كانوا قادرين على جمع آثار مادية في عالمنا قد تُعزى إلى محاكاة. ولم يثبت أي شيء حتى الآن. ويقول البروفيسور “لا أعتقد أنّ هناك أيّ دليل قوي لطريق أو لآخر. لكن النافذة التي تقول لك ‘اضغط هنا للمزيد من المعلومات’، قد تكون نوعا من الأدلة الدامغة”.
مشاركة :