الاحتجاجات والمظاهرات التي تعم المدن الإيرانية منذ مطلع العام الجديد 2018م تدعونا إلى العودة لأحداث عام 1977م حين انطلقت شرارة الثورة الإيرانية على النظام الملكي للشاه محمد رضا بهلوي، فقد تحركت الجماهير الإيرانية بمختلف توجهاتها الإسلامية والقومية والاشتراكية والليبرالية وغيرها لتغيير النظام الملكي حتى غادر الشاه في السادس من يناير عام 1979م وتم الإعلان عن قيام الجمهورية الإسلامية بقيادة القادم من العاصمة الفرنسية الخميني (المرشد الديني) الذي طرح مشروعًا ثيوقراطيًا جديدًا بالمنطقة عرف بمشروع ولاية الفقيه، وهي السلطة الأعلى من سلطة الشعب الذي لا تتجاوز صلاحياته انتخاب رئيس الجمهورية، والذي يخضع بدوره للمرشد الديني. أحداث العام الجديد 2018م هي شبيهة بتلك الأحداث التي وقعت قبل أربعين سنة، فأكثر من خمسة عشر يومًا والمظاهرات الشعبية مستمرة في الكثير المدن الإيرانية، فقد سقط أكثر من عشرين شهيدًا بسبب استخدام القوة من قوات الباسيج، بالإضافة إلى آلاف المعتقلين، وما خروج الإيرانيين في الشوارع ومطالبتهم بإسقاط النظام والموت للمرشد الإيراني (خامنئي) ورئيس الجمهورية (روحاني) إلا بسبب ضيق الحال وليس كما تصوره وسائل الإعلام الإيرانية بأن هناك تدخلات خارجية في الإشارة إلى ( السعودية وأمريكا وإسرائيل)، فالمواطن الإيراني لم يعد يحتمل الحال، فهو يخسر لقمة عيشه حتى بلغت نسبة الفقر أعلى معدلاتها، والمؤسف أن الشعب الإيراني يرى أمواله وهي تنفق في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، سواءً على رواتب المقاتلين أو الأسلحة أو التدريب وفتح المخيمات للجماعات الإرهابية وغيرها وهو يعتصر ألمًا بسبب الجوع والحرمان. لقد استغرق وصول الملف الإيراني إلى مجلس الأمن أكثر من أسبوع من الصدامات والاحتجاجات الشعبية، فقد ذكرت صحيفة الصنداي تايمز في افتتاحيتها يوم الأحد (7 يناير 2018م): (الشعب الإيراني يدفع ثمن امبراطورية فارسية جديدة) والتي تؤكد على أن سخط الشعب الإيراني كان بسبب مجموعة من الأمور ومنها الفقر والبطالة والفساد وسرقة المال العام وكذلك الغضب المتزايد بسبب المميزات والثراء الفاحش الذي يحظى به رجال الدين والطبقة الحاكمة. ومما زاد من سخط الإيرانيين أنهم يستقبلون كل يوم جثامين أبنائهم الذين قضوا في صراعات خارج الإقليم الإيراني مثل أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، لذا رفع المحتجون شعار (إيران أولًا) في إشارة إلى أن الأموال الإيرانية يجب أن تصرف على الداخل، وقد رفعوا شعار (لا غزة ولا سورية ولا لبنان، روحي فداء لإيران)، لقد تحملت إيران خلال السنوات الماضية بدءًا من عام 2001م حين بدأ الغزو الأمريكي لأفغانستان وحتى يومنا هذا الكثير من النفقات، وهو السبب الذي أدى لانهيار الاتحاد السوفيتي على أيدي جماعات الباشتو في أفغانستان!! ولربما يكون كذلك لإيران. إن الوضع الاقتصادي السيئ في إيران هو بسبب المشروع التوسعي بالمنطقة والمعروف بـ (تصدير الثورة)، فالنظام الإيراني يسعى للهيمنة الإقليمية لإقامة دولة إيران الكبرى تاركًا الشعب يئن من الفقر والجوع، لذا يثار تساؤل كبير: إلى متى سيتحمل الإيرانييون تكاليف مشروع (تصدير الثورة)؟!. لقد علق الشعب الإيراني الجرس وأطلق صرخته المدوية للنظام الإيراني بأن يعيد جدولة حساباته السياسية، فالنظام الإيراني القائم اليوم لم يترك له صديقًا بالمنطقة، خاصة الشعوب العربية التي عانت من تدخلاته السافرة في شؤونها، لذا فإن عمر هذا النظام ليس طويلًا، ونهايته -ليس نهاية الشعب الإيراني- قريبة، فالاحتجاجات الشعبية حتى وإن لم تحقق نجاحاتها الآن إلا أنها أرسلت رسالة واضحة للنظام بأن النهاية أصبحت جدًا قريبة. من هنا فإن على النظام الإيراني أن يعيد قراءة الساحة مجددًا، فمشروع (تصدير الثورة) قد سقط وفشل وانتهى مع تحرك الشعبي الذي انطلق في 28 ديسمبر 2017م، لذا يجب أن يقدم مجموعة من الإصلاحات الداخلية التي يسبقها عودة الإيرانيين الذي يُقتلون كل يوم في العراق وسوريا واليمن، فالشعب الإيراني يدفع ثمن سياسة خرقاء وضعها ملالي إيران قبل أربعين سنة!!.
مشاركة :