أعلنت طهران أمس أنها لن تتخذ أي خطوة «تتجاوز التزاماتها» الواردة في الاتفاق النووي المُبرم مع الدول الست، متعهدة الردّ على عقوبات فرضتها الولايات المتحدة على رئيس القضاء الإيراني صادق لاريجاني. أتى ذلك بعدما أمهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب دولاً أوروبية حليفة لبلاده شهوراً لـ «إصلاح عيوب جسيمة» في الاتفاق، وإلا انسحبت منه واشنطن، ممدداً لـ «مرة أخيرة» تجميداً لعقوبات أميركية مرتبطة بالملف النووي. ووَرَدَ في بيان أصدرته الخارجية الإيرانية أن ترامب «اضطُر الى تمديد تجميد العقوبات، على رغم محاولاته منذ سنة لإلغاء الاتفاق»، مشدداً على أن طهران «لن تتخذ أي إجراء يتجاوز التزاماتها في إطار الاتفاق، ولن تقبل بأي تعديل له، لا الآن ولا مستقبلاً، ولن تسمح بربطه بملفات أخرى». واتهم ترامب بـ «مواصلة أعمال عدائية ضد الشعب الإيراني، كما يفعل منذ سنة»، مديناً «السياسة المعادية للشعب الإيراني للسلطة الأميركية» ومنتقداً عقوبات أميركية جديدة تستهدف «مواطنين إيرانيين وأجانب، بذرائع غير قانونية وبالية ومضحكة». ولفت البيان الى أن الاتفاق النووي «وثيقة رسمية دولية لا تقبل أي تفاوض جديد في شأنها»، معتبراً أن «الإدارة الأميركية ملزمة، مثل سائر الأعضاء(الموقعين على) الاتفاق، تنفيذ كل التزاماتها» وتابع: «إن شاءت، تحت أي غطاء أو ذريعة فارغة، التخلّي عن مسؤوليتها تجاه ذلك، عليها أن تتحمل العواقب». واتهم الإدارة بـ «نكث العهود والتقصير في أداء واجباتها وانتهاجها سياسات عدائية»، معتبراً أن قراره «يتعارض مع البنود 26 و28 و29 من الاتفاق». وحذر من أن طهران ستردّ بـ «عمل جدي» على القرار «العدائي وغير القانوني لنظام ترامب، بإضافة اسم رئيس القضاء الإيراني صادق لاريجاني الى لائحة العقوبات الأميركية الجديدة التي تتجاوز كل الخطوط الحمر وتنتهك القانون الدولي». وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رأى أن «سياسة ترامب وإعلانه، يشكّلان محاولات يائسة لتقويض اتفاق متين متعدد الطرف»، و «انتهاكاً خبيثاً للبنود 26 و28 و29 من الاتفاق». ويدعو البند 26 الولايات المتحدة الى التصرّف بـ «حسن نية لدعم الاتفاق» النووي وتمكين إيران من الاستفادة من رفع العقوبات عنها، فيما ينص البند 29 على ضرورة «الامتناع عن أي سياسات قد تؤثر، مباشرة أو غير مباشرة، في تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران». وكتب على موقع «تويتر»: «لا تمكن إعادة التفاوض على الاتفاق، وبدل تكرار تبجّحات بالية، على الولايات المتحدة تنفيذ تعهداتها في إطار الاتفاق، مثل إيران. أتى ذلك بعدما أعلن البيت الأبيض أن ترامب مدّد لـ «المرة الأخيرة» تجميد العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، بموجب الاتفاق النووي، مشيراً الى أنه أمهل الكونغرس وحلفاء أوروبيين للولايات المتحدة أشهراً لإصلاح «عيوب» في الاتفاق، وإلا ستنسحب بلاده منه. ترامب ويريد الرئيس الأميركي تعزيز الاتفاق، من خلال إبرام اتفاق ملحق في غضون 120 يوماً. وقال: «هذه فرصة أخيرة. في غياب اتفاق (مكمّل) مشابه (مع الأوروبيين)، لن تجمّد الولايات المتحدة مرة أخرى العقوبات من أجل البقاء في الاتفاق النووي. أدعو الدول الأوروبية الرئيسة الى الانضمام الى الولايات المتحدة في إصلاح عيوب جسيمة في الاتفاق، لمواجهة اعتداء من إيران ولدعم شعبها. إذا فشلت الدول الأخرى في التحرّك خلال تلك المدة، وإذا شعرت في أي وقت بأن اتفاقاً (نووياً) مشابهاً ليس في مصلحتنا، فسأنسحب فوراً منه وأُنهي الاتفاق مع إيران. يجب ألا يشكّك أحد في كلامي». واعتبر أن «النظام الإيراني أول داعمي الإرهاب في العالم»، متهماً إياه بـ «تمويل وتسليح وتدريب أكثر من مئة ألف مقاتل، لتدمير الشرق الأوسط». وحدّد ترامب شروطاً لإصلاح الاتفاق لتواصل الولايات المتحدة تطبيقه، تتضمّن سماح إيران بـ «تفتيش فوري لكل مواقعها التي طلبها المفتشون الدوليون»، معتبراً أن البنود التي تمنع طهران من امتلاك سلاح نووي، يجب أن تكون دائمة. وأضاف أن على القانون الأميركي أن يربط بين البرنامجَين النووي والصاروخي، بحيث يصبح اختبار طهران صواريخ سبباً في فرض «عقوبات صارمة» عليها. وفي هذا السياق، قال مسؤولون بارزون في الإدارة الأميركية إن ترامب سيعمل مع شركاء أوروبيين للتوصّل الى اتفاق ملحق يتضمّن حدوداً واضحة لا يمكن النظام الإيراني تجاوزها، تتعلّق بالصواريخ الباليستية. ونقل مسؤول أميركي بارز عن الرئيس أن الاتفاق النووي يجعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة، معتبراً أن حجة البقاء فيه كانت قائمة على إتاحة وقت لتشديد بنوده. تزامن قرار ترامب مع إعلان وزارة الخزانة الأميركية تشديد عقوبات على 14 كياناً وفرداً، في إيران والصين وماليزيا، بينهم رئيس القضاء الإيراني صادق لاريجاني، نتيجة «انتهاك حقوق الإنسان» أو الارتباط بالبرنامج الصاروخي لطهران. واعتبر مسؤول بارز في إدارة ترامب أن لإدراج لاريجاني على اللائحة «تداعيات سياسية خطرة»، لأن الهدف من ذلك ضرب «رأس النظام». وحمّلت الوزارة لاريجاني مسؤولية تنفيذ أحكام «تتنافى والموجبات الدولية لإيران، بما فيها إعدام أشخاص كانوا قاصرين حين ارتكبوا جرائمهم» أو «تعذيب» سجناء في إيران. وطاولت العقوبات أيضاً سجن «رجائي شهر» حيث «يُعتقل عدد كبير من الإيرانيين الذين تظاهروا أخيراً ضد حكومتهم»، إضافة الى صناعات دفاعية إيرانية والمجلس الأعلى للفضاء الالكتروني ومنظمة للدفاع الالكتروني تابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني. وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه أُبلغ بقرار ترامب، وسيقوّم آثاره. وقال ديبلوماسيان في الاتحاد إن وزراء خارجية الدول الأعضاء سيناقشون ما يجب فعله، في اجتماعهم الدوري المقبل في بروكسيل في 22 الشهر الجاري. لكنّ ديبلوماسياً أوروبياً نبّه الى أن «إنقاذ الاتفاق سيكون مسألة معقدة». وذكرت ناطقة باسم الخارجية الألمانية أن بلادها «ستتشاور» مع بريطانيا وفرنسا لـ «التوصل إلى سبيل مشترك للمضيّ»، مؤكدة أن الحكومة «ستواصل العمل للتطبيق الكامل للاتفاق النووي».
مشاركة :