بقلم : كوثر الأربش خذ لك حمام دافيء – استمتع بكوب قهوة – سافر في أقرب فرصة – شاهد فلمًا – تحدث مع صديق مقرب اليوم، هذه هي اقتراحات الأصدقاء، أو المختصين، عندما يرونك حزينًا. سابقًا، لم يكن الناس يحيلونك للأشياء. كان الصديق لا يبارحك حتى تكون بخير. بل إنه كان جميع من حولك (أم، أخت، خال، جار، صديق) مستعد لأن يكون أي شيء، أذن مصغية، قلب مفتوح، كتف شديد، عكاز.. أي شيء عدا أن يخبرك أن كوب قهوة سيجعلك سعيدًا. لكن، ما الذي غيرّنا هكذا؟ عُد معي للصندوق السحري الذي اقتحم بيوتنا قبل أكثر من 50 عامًا. هل تتذكر كيف جعلوا من القهوة والشوكولا – مثلاً – سببًا مباشرًا لأن تصبح سعيدًا؟ أنت تعرف ماذا أقصد، الإعلانات التجارية نعم. شاب أو فتاة تحت سطوة مزاج سيء، أو إحباط، ثم تتحول لشخص سعيد للغاية بسبب كوب قهوة. عشرات من السنوات وهذه الأفكار الاستهلاكية تشحن عقولنا، حتى نسينا كيف نواسي، ندعم، نؤازر.. كيف ننتزع ابتسامة من شفاه جافة، ننبت وردة بين الشقوق.. كيف نأخذ الحزانى الذين ابتلعوا الكلام للعثور على رغبة الكلام.. نسينا كل ذلك. صرنا مجندين للعولمة. مسوقين بلا أجور للمنتجات الغذائية والمطاعم والعطور وخطوط الطيران والفنادق. صرنا أنانيين ومجوفين وجشعين. إن بكى احبابنا تركناهم يبكون وحدهم. هناك أسباب أخرى غير ذلك.. المطورون النفسيون، كان لهم دورهم في تحويلنا لهذا الكائن المروج للاستهلاك. أعني مختصي تطوير الذات والبرمجة اللغوية العصبية NLP، هؤلاء أيضًا شيؤوا حياتنا، بل شيئونا. جعلونا مجرد آلات يمكن برمجها لتصبح سعيدة أو حزينة. ودودة أو شريرة، غاضبة أو حليمة. تخيل نفسك وأنت تلصق على المرأة عبارة «أنا سعيد» فيما أنت ممتليء بالقبح والتعاسة. هكذا تجري الأمور اليوم. وأنا متأكدة إن فعلت ذلك في الصباح، فإن شعورك بالتعاسة سيفيض في المساء، في لحظة صدق حقيقة.. سيغمرك الحزن حتى تتمزق كل ملصقات الخداع تلك.. إني متفائلة، أن الأمور ستعود كما كانت.. لكن ليس الآن، بل حينما تصل الأرواح لأقصى الظمأ، حينما تأخذنا الأشياء للتيه والعذاب والوحدة. سيستيقظ العالم يومًا ما.. لا أدري متى تحديدًا. لكن هذا سيحدث لا محالة. نقلًا عن “الجزيرة”
مشاركة :