إنتهت الجلسة الإفتتاحية للدورة الثامنة والعشرين للمجلس المركزي الفلسطيني، بكلمة مطولة إستمرت لأكثر من ساعتين للرئيس أبو مازن، تحدث بكثير من القضايا سواء في التاريخ، أو في ملابسات التسوية و الرعاية الأمريكية. في هذا المقال سأتناول فقط مسألتين، شكلتا جوهر الخطاب بالنسبة لي، الأولى مسألة التسوية السياسية كمفهوم وممارسة، بدون أدنى شك أن المتغيرات التي حدثت، و خاصة قرار ترامب بشأن القدس، وقرار مركز الليكود بشأن ضم الضفة الغربية وإسقاط حل الدولتين، وقرار القدس الكبرى، نقلا القضية الفلسطينية إلى مرحلة نضالية جديدة “مابعد التسوية والرعاية الأمريكية“، وبمعنى آخر حل الدولتين لم يعد قائما لا لدى إدارة ترامب ولا لدى الإسرائيليين، إذن لماذا الحديث المستمر بأننا مع التسوية ومع المفاوضات، وهذه المرة بدون الرعاية الأمريكية، في إشارة لرعاية متعددة الأطراف، كما حدث مع إيران “5+1” والتي ضمت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، حيث ألمح الرئيس أبو مازن لذلك، الرعاية المنفردة الأمريكية مرفوضة، ولكن المشتركة مقبوله، وفي هذا المجال هناك عدة وجهات نظر، نذكر منها أن التسوية فشلت والسبب إسرائيل، التي أفشلت “أوسو” بالإستيطان ودمرت حل الدولتين، وأن إسرائيل التي تحولت إلى إمبريالية صغرى في المنطقة، غير معنية بالتسوية وأي رعاية دولية جديدة تشترط قبولها.. وهذا متعذر سترفضه تماما كما عبرت عن ذلك أكثر من مرة، إضافة للموقف الأمريكي الذي لن يقبل برعاية متعددة الأطراف، إذن لماذا نراهن على سراب وعلى هدف لا يتحقق في هذه المرحلة، فلنبحث عن خيارات أخري غير المفاوضات، المقاومة بكل أشكالها وخاصة المسلحة. وجهة نظر أخرى تقف مع الرئيس أبو مازن في جهوده الدولية، حيث تعتبر ذلك ميدان نضال رحبا وجب علينا دخوله لبقاء قضيتنا حية، فالرئيس أبو مازن يسعى لطرح موضوع المفاوضات برعاية متعددة لعدة أمور، أولها أن تبقى القضية الفلسطينية حية ومتحركة في محافل الدبلوماسية الدولية، ثانيا: لضمان الموقف الأوروبي الداعم لقضيتنا، خاصة بعد تصويته في مجلس الأمن، ضد قرار ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، والأمر الآخر ألا يحدث فراغ دولي، ويجب أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة، وجهة النظر هذه ترى ذلك خطوة إلى الأمام لإعتراض الموقف الأمريكي من التسوية “صفقة القرن”، وهي في النهاية جزء من إستراتيجية التحرك الدولي، ولكن هنا المراهنة على التحرك الدولي وعلى رعاية متعددة تحتاج من الفلسطينيين الذهاب إلى إنتفاضة شعبية عارمة، حتى يقف العالم على قدم واحدة داعما للقضية الفلسطينية. وجهة النظر الأخرى لا تعطي وزنا للتحرك الدولي وهي من حيث المبدأ ضد التسوية، ولا تعترف ولا تقيم وزنا لأشكال النضال المتعددة، أصحاب وجهة النظر هذه غير قادرين على الإندماج في الإقليم أو في الحالة الدولية، إلى جانب أن خياراتهم محدودة، وهامش الحركة و المناورة ضعيف، ونشاطهم مقتصر على إستخدام السلاح، وهو بطبيعة الحال مكلف جدا، في هذه المرحلة وإستخدامه يأخذنا إلى المربع الذي يريدنا به الإحتلال، لسهولة السيطرة ولإستخدام القوة المفرطه، والأهم من ذلك هو حصر ذلك بالعمل النخبوي، الذي يضعف التحرك الجماهيري ويقتله، نتذكر حين قال شمعون بيرز في مذكراته عن أوسلو، بأن الفلسطينيين إستخدموا أقوى سلاح لديهم، في إشارة للإنتفاضة الأولى عام 1978، عندها العالم يقف معك وتصبح إسرائيل دولة معزولة خارجة عن القانون الدولي الإنساني، هذا الشكل مناسب في هذه المرحلة، حيث التفوق هائل يميل بشكل كامل للإحتلال الإسرائيلي. الموضوع الثاني منظمة التحرير الفلسطينية: إن شرط الصمود في هذه المرحلة الحساسة، هو بوحدتنا كجماعة سياسية واحدة تتطلع للحرية والإستقلال. عدم مشاركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي غير مبررة تحت أي مسمى “قرارات لا تفذ أو أوسلو… إلخ “. هذه قضايا تحتاج إلى صراع داخلي لتطبيقها، ولكن في إطار الوحدة، لذلك منظمة التحرير وجب في هذه المرحلة الدفع بها إلى الواجهة، وتصحيح الخطأ القائم الذي يميل لصالح السلطة، نبدأ بتحويل السلطة إلى دولة تحت الإحتلال، بحسب قرارات الشرعية الدولية، تحسين أداء المنظمة بدأ من الإتحادات الشعبية ومرورا بالمؤسسات الإعلامية ووصولا للمؤسسات السياسية العليا التنفيذية و”المركزي” الذي لا يعبر في التمثيل عن الفاعلين الأساسيين، غياب واضح لإعلاميين وناشطين سياسيين ومثقفين، إلى جانب تمثيل الشباب، ليس بالشكل فقط بل بالفاعلية النوعية، في الوقت الذي يجري محاولات طمس الهوية الفلسطينية وتبديدها، وجب علينا تمتين وجودنا على أرضنا من خلال تقوية مؤسساتنا الوطنية، وتقوية أداء منظمة التحرير فهي الرافعة و الأداة، المصالحة بالشكل الذي تسير عليه خاسرة لن تحقق ما هو يوازي تحديات المرحلة، حركة حماس تريد من المصالحة بندا واحدا، وهو الصرف على موظفيها الذين تم تعيينهم عام 2007 عام الإنقسام، وترهن مشاركتها بالعمل السياسي بتنفيذ هذا البند، وخاصة أن ذهابها إلى المصالحة لم يأت نتيجة لمراجعة حقيقية وشاملة، بل جاء نتيجة فشلها وعجزها في الحكم، فهي ذهبت للمصالحة مضطرة. *كاتب مقيم في فلسطين
مشاركة :