أحمد ناصر | كأنني في شارع راثاوز سترازا Rathausstrase وسط برلين في أوائل القرن العشرين، هذا الشارع الذي كان يعج بالمسارح القديمة والموسيقيين الذين يحيون ليالي برلين بموسيقى باخ وشوبرت، ولكن الحقيقة أنني كنت في مسرح دار الآثار الإسلامية في اليرموك ليلة أمس الأول، كنت أعيش ليلة من تلك الليالي الجميلة عندما كان الرجال والنساء يذهبون إلى تلك المسارح في شارع راثاوز الشهير. ليلة بديعة فرقة رباعي برلين بقيادة مؤسسها سبيستيان شونكا (يعزف البيانو) وزملائه دان فريمان (ساكسفون) وديغو بينارا (الدرامز) ومرسيل كرامكير (الباس) هؤلاء الشباب الأربعة قدموا لنا ليلة بديعة جميلة من ليالي برلين الموسيقية.. ولكي نفهم ما قدمه هذا الرباعي أعود بكم إلى ذلك التاريخ في بداية القرن العشرين، عندما بدأ الأوروبيون قبل بداية الحرب العالمية الأولى يتأثرون موسيقيا بالجاز الأميركي الخليط بين الموسيقى الأوروبية والأفريقية، فتغير مزاج الشباب في ذلك للوقت وانتشر الجاز الأوروبي بينهم، بعد أن كانت الموسيقى في دول كألمانيا وإيطاليا والنمسا وغيرها تشتهر بموسيقى أوبرالية. الجاز الأوروبي قدمته لنا فرقة رباعي برلين.. كانت ليلة وأمسية جميلة خاصة لمن يعشق الجاز وآلاته البديعة مثل الساكسفون والدرامز، وأضف إليهما البيانو والباس (الغيتار) الكهربائي، ومع أن الفرقة لم تقدم سوى ست مقطوعات، لكنها كانت كافية لتحملنا على أنغامها إلى أجواء برلين الجميلة ومسارحها التي كانت تمتلئ في كل نهاية أسبوع بالحضور وعشاق الموسيقى، الحال لم يختلف ليلة أمس الأول في دار الآثار في الكويت عن مسارح شارع راثاوز، كان ممتلئا عن آخره والجمهور متفاعل مع العازفين الشباب وعزفهم الجميل.. في مثل هذه الأمسيات يكون الإبداع او السلطنة، كما نصفها بلغتنا العربية الجميلة، هو سيد الموقف. الوصلة الأولى كانت «أوما موتّي» وهي مقدمة اعتادت فرق الجاز أن تقدمها في بداية الحفل، وهي مقطوعة على البيانو بمصاحبة الساكسفون، وتخلق جوا من التمايل والتمازج بين الحضور والمقطوعات التي ستقدمها بعد ذلك، وكأنها افتتاحية جرت العادة أن تقدمها الفرق في بداية الحفل. لوحات رائعة قدمت الفرقة مقطوعة «إيلا» وهي مأخوذة من الموسيقى اليونانية القديمة أضيفت لها بعض التعديلات لتناسب موسيقى الجاز، بمرافقة الدرامز الذي يعتبر من أساسيات الموسيقى الأفريقية الجميلة، بعدها قدمت الفرقة مقطوعة «كرافان» وهي من تأليف الدوق إيلنغتون وجوان تيزول سنة 1930 واشتهرت هذه المقطوعة في ذلك الوقت وكانت من أشهر المقطوعات التي تعبر عن حالة ما بعد الحرب العالمية الأولى، بعدها قدمت الفرقة مقطوعة «ميتامورفوزيز» من الموسيقات والمقطوعات الحديثة، ثم قدمت مقطوعة «أول بلوز» وختمت حفلها بمقطوعة «موفمنت» وتعني التحرّك.. من تأليف قائد الفرقة سيباستيان شونكا، وكان الختام في الحفل مؤثرا جدا.. الجمهور وقف وصفق بطريقة «جازية» على أنغام الساكسفون الذي عزفه دان فريمان وكانت لوحة رائعة وخاتمة تستحق التسجيل والتوثيق لما لها من أثر بالغ في نفوس من حضروا الحفل.
مشاركة :