حكاية فرنسية عن مكتبة سرية في سوريا بقلم: عمار المأمون

  • 1/16/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حكاية فرنسية عن مكتبة سرية في سورياتحوّلت وقائع الحياة في سوريا خلال السنوات الاخيرة إلى شأن عالمي له تأثير واسع على كافة القطاعات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأدبية، فـ”سوريا” الآن محركة للحكايات سواء عبر كتابها المتورطين فيها شخصيا أو من هم بعيدون عنها كمراقبين أو مهتمين، وهذه الحكايات هي التي تكوّن وعيا بما حدث ويحدث الآن، فحبكاتها والدراما التي تحويها وشخوصها، كلها عناصر تشكل تاريخ سوريا الذي سيبقى للأجيال القادمة.العرب عمار المأمون [نُشر في 2018/01/16، العدد: 10871، ص(14)]كاتبة شابة تغامر بين التعاطف والتعالي تحكي الصحافية الفرنسية الإيرانية دلفين مينوي في كتابها “مهربو الكتب-مكتبة سرّية في سوريا” عن مكتبة سرّية في داريا بريف دمشق أسسّتها تحت الأرض مجموعة من النشاطين في ظل القصف اليومي والحصار اللذين شهدتهما المدينة الثائرة، إذ يخبرها القائمون على المكتبة كيف قاموا بجمع الكتب وإنقاذها والقواعد التي وضعوها للقراءة وارتياد المكتبة. وعبر هذه المكتبة تحكي لنا مينوي عن تاريخ المدينة المحاصرة والمعاناة الإنسانية التي يشهدها سكّانها في ظل تجاهل المجتمع الدولي، كما تخبرنا عن دور الكتب في خلق نوع من المهرب لأولئك المهددين يوميا بالموت. ورطة المؤلف تقول مينوي إنها أثناء تصفحها للإنترنت في إسطنبول وجدت صورة للمكتبة، فعملت على التواصل مع القائمين عليها من وراء شاشاتها في تركيّا، لتكتب عنهم وتعرف قصتهم، وما سأحاوله في هذه المقالة كقارئ متورط في الحدث أن أتعامل مع الكتاب بوصفه مُنَتجا لخبرة وعلاقة بين كاتب وموضوعه، وأحاول فهم المسافة بين الاثنين بوصفها التي تحدد سياسة بناء الحكاية في الكتاب، وكأن الكاتب يحدّق في موضوعه ويسعى لتكوينه نصّيا. وهذه التحديقة لها أثر على الكاتب نفسه، وفي حالة مينوي هذه المسافة هي جغرافيّة أولا، فهي تتواصل مع الشبان المحاصرين عبر الواتس آب والسكايب، تحضّر قهوتها وتجلس أمام الشاشة لتسألهم عن المكتبة وعن أنفسهم والمدينة، كما أن هذه المسافة أيضا تحضر بينها وبين النص، وترتبط بفعل الكتابة ذاته وتحدد طبيعته إن كان بروباغاندا أو عملا فنيا أو صحافيا، فعملية إنتاج النص بحد ذاتها خاضعة لسياسات التمثيل المرتبطة بموقف الكاتب وأفكاره وآليات إنتاج المعنى والوسيط المستخدم لنقل الحكاية.موضوعات هشة استثنائية وصعبة وتلجأ مينوي في الكتاب إلى صيغة تشبه اليوميات، فهي تدوّن بناء على إيقاع زمني واقعي مرتبط بأحداث كبرى أحيانا، لا علاقة لها بها ولا سكان المكتبة كأحداث إرهابية في فرنسا وتركيا، وأحيانا أُخرى تضبط السرد بناء ما على ما تمر به المكتبة، كافتتاحها والقصف الذي تعرضت له وغيرهما، وكلا الزمنين يتيحان للكتابة أن تبني علاقتها مع الموضوع، عبر خلق مقارنة بين ما يمرون به وما تشهده هي. كما يتيح لها ذلك أن تتبنى تقسيماتهم للزمن، لتتوافق أوقاتها مع أوقات إرسالهم للرسائل ولو أنها ليست على تواصل دائم معهم، لنراها تصبح على مسافة حميميّة معهم تكسّر حيادها ككاتبة، فهي مشاركة أيضا في إنتاج الحكاية عبر تجاربها ومعارفها الشخصيّة، وخصوصا أنها صحافية ومن طبيعة عملها أن تسأل وتبحث عن القصة التي تتناول موضوع المكتبة ودور النصوص والكتابة في سياقات مختلفة. هذه الحميميّة تبدو ساذجة أحيانا، فالكتاب يقدّم لنا مستخدمين استثنائيين للكتب، فهم وكتبهم والمدينة ناجون مؤقتون بأي لحظة يمكن أن يقتلوا جميعا، هم موضوعات هشة استثنائية من الصعب التماهي معها، وبصورة شخصية ولم أستطع تفسيرها. يمكن تلمّس حذلقة في بعض الأحيان، وخصوصا حينما تحاول أن تقارب كلمات عربية بأخرى إنكليزية لا تحمل أي علاقة بينها سوى التقارب لفظيا. هذه الحذلقة وتوريط الكاتبة لنفسها شخصيا وما يحيط بها بالمقارنة مع مأساة الآخرين تبدو مبتذلة بل وتخلق لدى القارئ انطباعا بأنها تنتمي لأولئك المذنبين بصورة غير مباشرة، أولئك الذين يتأملون من خلف شاشاتهم -منهم أنا-، وشخصيا لم أجد تفسيرا للشعور الذي انتابني حين أقرأ عن شاب محاصر في داريا يلقي أمام شاشة هاتفه النقال قصيدة لمحمود درويش لصحافي/كاتب لا يفهم العربيّة ويجلس وراء شاشته بعد أن عاد أطفاله من المدرسة. شرعية الحكاية لكنّ لا بد من العودة إلى سؤال مرتبط بكل المآسي الكبرى، من يمتلك حق وشرعيّة أن يسرد الحكاية؟ هل الأمر حكر على الضحية أو المتورط شخصيا؟ أم المراقب الآمن والزائر العابر؟ حساسية موضوع الضحية وآليات إنتاج حكاياتها تحمل نزعة عاطفية وسياسيّة لدى الطرفين، سواء لدى الكاتب (البعيد) بوصفه مُنتجا وذو أفكار سياسية أو الضحية التي تمتلك ذات الصفات والشرعيّة بالإنتاج، إشكالية هذه الفكرة أنها تحمل تناقضا، فمن جهة هناك الإحساس بمركزية بعض المآسي وقدسيتها. وفي جانب آخر هناك حق بأن يكتب الفرد وينتج ما يريد، سواء أكان واقعا أم متخيلا، لنقف أمام معضلة استحالة ملكيّة الحكاية لتبقى التساؤلات المرتبطة بالأبعاد السياسية والثقافيّة للكتابة سواء من قبل المتورطين أو الغرباء. نتلمّس أيضا في الكتاب وفي لقاء مع الكتابة بعض المعلومات التي تبدو غير منطقيّة، وخصوصا أن القائمين على المكتبة كانوا من الشبان ومن ارتادوا المدارس والجامعات، كما أنهم على تماس مباشر مع التكنولوجيا، إذ تؤكد الكاتبة أن كتب ابن خلدون مثلا كانت ممنوعة في سوريا، وأنهم لم يكونوا يقرأون من قبل ويكرهون الكتب بسبب بروباغاندا النظام، لنتحسّس حذلقة فوقية تتضح حين تتحدث كيف اكتشفوا كتب أفضل المبيعات كالخيميائي وعادات النجاح السبع، والتي للمفارقة كانت متوافرة في الشوارع في سوريا. ونذكر أن كتاب “مهربو الكتب- مكتبة سرية في سوريا” صدر مؤخرا عن دار سوي الفرنسية.

مشاركة :