بيروت - رغم أن تنظيم الدولة الإسلامية تعرض لهزيمة كبرى في سوريا، أحدث مقاتلوه مفاجأة بمحاولتهم تسجيل عودة ميدانية من بوابة محافظة ادلب في شمال غرب البلاد التي تشهد مواجهات عنيفة بين قوات النظام وفصائل اسلامية متشددة أخرى. ويسعى التنظيم إلى الاستفادة من الهجوم الذي يقوده النظام السوري في المحافظة المذكورة، من أجل استعادة بريقه بعد سقوط مناطق دولة "الخلافة" المزعومة في سوريا والعراق. ولم يدخر في الأيام الأخيرة وسيلة على مواقع التواصل الاجتماعي ليعلن عبرها شن هجمات محددة وخطف جنود تابعين لقوات النظام ليظهر أنه اكتسب موطئ قدم في محافظة إدلب التي لا تخضع لسيطرة دمشق. ووصل به الأمر في 12 يناير/كانون الثاني إلى اعتبار إدلب "ولاية"، علما بأن هذه المنطقة تقع في الواقع تحت سيطرة منافسيه الجهاديين في هيئة تحرير الشام التي تشكل جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) مكونها الأساسي. وأوضح أيمن جواد التميمي المتخصص بالحركات الجهادية أن عدد مقاتلي التنظيم المتطرف في إدلب "قد لا يتجاوز مئات وربما ألف (مقاتل) على أكثر تقدير". ولفت إلى أن هذا "الجيب" نشأ من وصول "مقاتلين من التنظيم فروا من مناطق أخرى"، الأمر الذي ينطبق أيضا على وجودهم في محافظة حماة المجاورة. وبعد صعود قوي في العام 2014 وسيطرته على مساحات مترامية ابتداء من العراق وصولا إلى سوريا، أصيب التنظيم بنكسات ميدانية كبيرة في 2017 وخسر أبرز معاقله حتى بات محاصرا في جيوب محدودة في سوريا. ظهور مفاجئ وتقتصر سيطرة التنظيم في محافظة إدلب على خمس قرى، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وقد سيطر على هذه البلدات الواقعة جنوب شرق ادلب مستغلا المعارك المستمرة بين القوات الحكومية وهيئة تحرير الشام. وذكر التنظيم أنه قتل نحو عشرين جنديا من القوات النظامية وأسر نحو عشرين آخرين بالقرب من مطار أبو الضهور العسكري الذي يشكل الهدف الرئيسي للعمليات العسكرية القائمة. ويؤكد المرصد السوري أسر 31 جنديا من النظام، لكنه يرجح أن غالبية هؤلاء محتجزون لدى جماعات جهادية أخرى. وشن مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في ديسمبر/كانون الأول 2017 أول هجوم لهم في محافظة ادلب التي طردوا منها في العام 2014 على أيدي فصائل جهادية أخرى. وقال الخبير في معهد سياسة الشرق الأوسط الذي مقره في واشنطن حسن حسن "لقد ظهروا فجأة، لكن كان يشتبه بوجود خلايا نائمة للتنظيم في ادلب". وأضاف "أشك في أن يكتسب تنظيم الدولة الإسلامية أهمية أكبر في هذا القطاع" مع اقراره بأنه التقط لحظة مناسبة "لتوسيع نفوذه وتنشيط خلاياه". ويسعى التنظيم حاليا إلى استغلال الهجوم الذي تشنه القوات النظامية في إدلب. واعتبر حسن أن "هذه اللحظة مثالية بالنسبة للتنظيم لإحداث جلبة"، مشيرا إلى أنه "يعول على تغطية اعلامية كثيفة للمبالغة في إظهار الوقائع" المتصلة بالمواجهات. وكانت القوات النظامية بدعم من الطيران الروسي، بدأت عملية عسكرية في 25 ديسمبر/كانون الأول 2017 لاستعادة جنوب شرق إدلب وتمكنت من السيطرة على قرى وعدة بلدات في المنطقة. ويسعى النظام إلى تأمين طريق يربط حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، بالعاصمة دمشق والسيطرة على مطار أبو الضهور العسكري بحيث يصبح أول قاعدة عسكرية تتم استعادتها في ادلب. وأضاف حسن أن "ادلب تعد حاليا قضية مهمة بالنسبة إلى مقاتلي المعارضة، فالجميع يحاولون اكتساب شعبية من خلال تسليط الضوء على دورهم في الدفاع عن المنطقة". ويعمل التنظيم المتطرف على الاستفادة من الصراعات الداخلية بين مختلف الجماعات المتشددة لجذب مقاتلين يشاركونه إيديولوجيته. وأوضح المحلل العسكري في مركز عمران ومقره في تركيا نوار أوليفر أنه "بإعلان قيام دولة اسلامية محتملة في إدلب ستجد هذه العناصر المتشددة مكانا تنتمي إليه". إلا أن المحلل تشارلي وينتر اعتبر أنه من السابق لأوانه التكهن ما اذا كان بإمكان التنظيم العودة إلى سوريا التي تشهد نزاعا منذ العام 2011 أدى إلى تشرذم البلاد وأودى بأكثر من 340 ألف شخص. وأضاف وينتر أن التنظيم "لم يعد يملك المقاتلين والموارد والأسلحة ليتمكن من شن هجمات استراتيجية" على غرار ما فعل خلال الأعوام السابقة. وأوضح أنه عبر الحملة الاعلامية التي أطلقها حول التطورات الميدانية في ادلب "يحاول مقاتلوه أن يقولوا نحن هنا، وإذا أجبرنا على الانسحاب من منطقة ما فسنحل في مكان آخر"، لافتا إلى أن "هذا بالنسبة إليهم أفضل من لا شيء" من زاوية منطق الدعاية.
مشاركة :