بعد الموسيقى والعزف والتأليف، جاء زمن الرقص. صار للروبوت فرقاً راقصة، بل عرضت رقصة خاصة بتلك الكائنات المؤتمتة. وشهدت الأعين فرقة من الروبوتات الصغيرة («ميني روبوت») تؤدّي رقصة جماعيّة اسمها «روبوتيس» Robotis. وجاء الأداء موقّعاً بأرجل الحديد الذكي على أنغام الـ «بولكا» القريبة من الفالس، لكن يمكن القول إن «روبوتيس» احتلت موقعاً وسطاً بين المارش العسكري والفالس الفردي والباليه الجماعي أو ربما الدبكة. وتقمّصت وجوه «الراقصين» ملامح اللعبة الإلكترونيّة الشهيرة «العصافير الغاضبة» («آنغري بيردز» Angry Birds)، وهي التي بلغ ذيوعها حدّ تحوّلها قبل عامين فيلماً سينمائيّاً من نوع «كومبيوتر أنيماشين» Computer Animation (= الإحياء بالكومبيوتر). ليس الرقص جديداً على تلك الأجساد الاصطناعيّة. ومنذ العام 2004، افتتح زمن الرقص «المنفرد» للإنسان الآلي، مع الروبوت «ناو» Nao. هل تذهب الروبوتات خطوة أبعد في عوالم الفن والترفيه؟ هل تشهد مدينة «لاس فيغاس» في 2020 مثلاً، رقصة من تأليف الروبوت وتصميمه، بمعنى أن يتولى الذكاء الاصطناعي تأليف الكوريوغرافي لرقصة الإنسان الآلي المقبلة؟ ألم يكن ذلك ما حصل معها في عالم الموسيقى؟ إذ استهل الروبوت زمنه في الموسيقى بأن أجاد العزف على الآلات، فظهر في 2007، روبوت ياباني يتقن العزف على الكمان. وفي 2008، تمكن روبوت من قيادة أوركسترا موسيقية كاملة («فيلهارمونيكا»). وفي العام 2011، أقرّ البشر بأن الروبوت الصيني «تيوترونيكا» تجاوزهم في سرعة العزف على البيانو، بل صار من عازفيه المُكرّسين. وكذلك اجتاز الروبوت عتبة اتقان الغناء في 2015، مع روبوت- أنثى باسم «شيشييرا» التي أرفقت صوتها بالتعبير عن مجموعة من المشاعر بحركات الوجه واليدين. وفي 2017، صنع الذكاء الاصطناعي ألبومه الأول بعنوان كثيف الدلالة («آي أم إيه آي» I Am AI، ومعناه «أنا الذكاء الاصطناعي»). والأرجح أنها أكثر من مصادفة أن تحمل الأغنية الأولى عنواناً معناه «التحرّر»Break Free. هل تتحرّر أجساد الروبوتات من هيمنة البشر على رقصها، فتصنع رقصاتها المقبلة بنفسها؟ > نجح جيل جديد من السيارات والباصات المؤتمتة Automated Vehicles في إبهار مخيلات من رأوها. وتنوّعت أسباب ذلك الإنبهار، بل امتدت من طريقة صنع تلك المركبات وصولاً إلى تلك التي تغيير علاقتها مع موقع الإنسان فيها. وفي نموذج عن تحوّل زلزالي في صناعة السيّارات، عرضت شركة «لوكال موتورز» Local Motors حافلة ركّاب صنعت 90 في المئة من مكوّناتها بأسلوب «الطباعة المجسّمة الثلاثيّة الأبعاد» (اختصاراً «ثري دي برينتغ» 3D Printing). هل مثّلَ باص «# أكسيسابل آولي» #Accessible Olli قبلة الوداع لليد العاملة البشريّة في صنع مركبات المواصلات الأرضيّة، بل ربما حتى جزء أساسي من الذكاء البشري؟ إذ صيغت هندسته بفضل برامج كومبيوتر متقدّمة، وتولى التنفيذ آلات مختصة بالـ «ثري دي برينتغ». وعرضت شركة «مرسيدس بنز» Mercedes Benz الشهيرة سيّارات وشاحنات مشابهة، لكنها شدّت الأنظار بسيارتها «سمارت فيجن إي كيو» Smart Vision EQ التي عبّرت عن المستوى الذي وصلته الشركة في تنفيذ مفهوم السيّارة المؤتمتة كليّاً. وجاءت «سمارت فيجن» خلواً من مقود القيادة ومن المبدّلات الأرضيّة التي تتحكّم بالسرعة. إذ يتولّى الكومبيوتر تلك المهمات، بمساعدة من مجموعة من الكاميرات التي تقدّم له صورّاً متواصلة حيّة عن الطريق والمواصلات وحركة المركبات الأخرى، والإشارات الضوئيّة وحركة المشاة وغيرها. ويدعم تلك المعطيات مجموعة من المجسّات الإلكترونيّة، التي تراقب المسافة التي تفصل السيارة عن المركبات الأخرى، والطريق والرصيف، إضافة الى الأجساد البشريّة. وينسّق الكومبيوتر تلك المعلومات كلّها، فيحّل كليّاً مكان السائق. ويقتصر دور السائق البشري على إمكان أن يتولّى القيادة بنفسه كخيار رديف للكومبيوتر، ويصبح «مساعداً» للكومبيوتر عبر إدارة عملية القيادة بواسطة مقبض ذكي على غرار ما يستعمل في الألعاب الإلكترونيّة. وفي تلك الحال، تقدّم له مساندة من الحاسوب عبر مجموعة من الشاشات الصغيرة التي تظهر له الطريق ومعطياتها ومتغيّراتها. وضمن مواصفات قريبة من ذلك، عرضت شركة «فورد» Ford نموذجاً مؤتمتاً من سيّاراتها من طراز «فيوجن» Fusion. > في وقت يجتاح العالم حنين جارف إلى ستينات القرن الماضي، خصوصاً «ثورة الشباب» فيه، قابلت شركة «بولاريود» Polaroid الشهيرة للتصوير ذلك الحنين باستعادة مذهلة لأحد ملامح تلك الحقبة. وفي ستينات القرن الماضي، ضربت أرجل شابة طرقات باريس منادية بسقوط نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، تحديداً سقوط الحرب الباردة بين قطبي المعسكرين الاشتراكي (قاده آنذاك الاتحاد السوفياتي السابق)، والرأسمالي (تحت قيادة الولايات المتحدة)، لمصلحة عالم يعلو فيه صوت السلام والحب والتحرر الفردي إلى حدّ الانعتاق من قيود النظم الاجتماعيّة الثقيلة التي كانت جاثمة على صدور توّاقة للحريّة. كان ذلك زمن التظاهرات، وصرخة «الحلم إلى السلطة»، وسقوط الرموز التاريخيّة (أبرزها الشخصية التاريخيّة الرئيس الجنرال شارل ديغول)، وموسيقى البيتلز، ومهرجان «وود ستوك» المكرس للحريّة الجسديّة وغيرها. في تلك الأجواء، ظهرت كاميرا غير مألوفة، ربما عبّرت عن الرغبة العارمة في التعلّق بالعابر والطارئ والمتبدّل (بديلاً للراسخ والمستقر). وكانت كاميرا أولى في أنها تلتقط الصورة، وتظهّرها فوراً. وبعد ثوان قليلة من الضغط على زر الالتقاط، كانت الصورة الورقيّة تندفع من أسفل كاميرا «بولارويد»، بألوان اللحظة، كأنها تصرخ أنها تمكّنت من إنقاذ الزمن من مصير النسيان، عبر تحويل العابر بسرعة الضوء إلى صورة مكرّسة له. وحاضراً، كتبت غير صحيفة غربيّة (خصوصاً في فرنسا) عن عودة ثقافة الستينات من القرن العشرين، لكنها ليست نوستالجيا، بل إنها تجدّد يغرف من معطيّات التغيّر مع الزمن. ويعبّر عن تلك التثنية وصول جيل شاب أول إلى رأس السلطة في أوروبا على غرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومستشار النمسا سباستيان كورتز. وجرى تشبيههما بشركات الـ «ستارت آب» Start Up في عوالم المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة. وكلاهما جاء من خارج المؤسّسة السياسيّة الراسخة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبدت كاميرا «بولارويد وان ستيب 2» Polaroid OneStep 2 كأنها تستجيب تلك التثنية عينها من استعادة الشبابيّة القديمة مع التجدّد بمعطيات ثورة الإنترنت والشبكات. وعلى غرار كاميرا الستينات، توثّق ورقيّاً اللحظة العابرة كأنها تحميها من الاندثار. ومن معطى المعلوماتيّة، تحتفظ بنسخ رقميّة عنها، وتتيح للمستخدم خيار توثيق العابر أو تحويله إلى الإلكتروني المقلّب والقابل لاحتمالات شتّى! > روبوت مخصص لتعليم الأطفال التشفير. برهن ظهوره على حقيقة باتت معطى بديهيّاً في الغرب (والشرق، خصوصاً اليابان والصين والهند وسنغافورة وتايوان وماليزيا وغيرها)، لكن مازال معظم العرب يغطون في نوم عميق في شأنها. علّموا أطفالكم التشفير، وإلا ضاعوا في مقبل الأيام. ليست زعقة غضب ولا صرخة في السياسة. إنّها ببساطة، حقيقة العالم الذي نعيش فيه، بعد أن ترسخ تغلغله في زمن الذكاء الاصطناعي الممتد من الكومبيوتر والخليوي والـ «تابلت»، ومروراً بالطيّار الآلي وأنظمة الملاحة بأنواعها والتعاملات المالية والتجارية ومن دون الانتهاء بطائرات الـ «درون» التي صارت ركناً أساسيّاً في الجيوش وحروبها. لن يستطيع طفل أن ينال فرصة عادلة في المستقبل إن لم يكن متقناً للتشفير (أنظر «الحياة» في 12 كانون أول (ديسمبر) 2017). في مطلع العام المنصرم، شدد «غوغل» على تلك الحقيقة البديهيّة بأن وضع في صدارة موقعه العالمي «دوودل» Doodle، لم تشهد العيون نظيراً له من قبل. للمرّة الأولى منذ انطلاقة محرّك البحث الأشهر على الإنترنت، ظهر في صدر صفحته الأولى «دوودل» على هيئة لعبة أطفال ضاحكة عن جمع كمية من الجَزَرْ، لكن قوامها فعليّاً هو استخدام التشفير Coding من قِبَل الأطفال للوصول إلى تلك الجزرات. وبدا الروبوت الصغير ذو الطلّة اللعبيّة «يوو آلبرت» UO Albert، كأنه يستكمل ما فعله «غوغل». إذ تقدّم إلى المعرض بوصفه جزءاً من برنامج «كودنيغ أند بلاي» Coding Play (= «التشفير واللعب») المخصّص لتعليم تقنيّات التشفير للأطفال. وقبل نصف قرن، ظهر برنامج «لوغو» Logo الذي كان بداية برامج تعليم التشفير للأطفال. واستهل الأمر في «معهد ماساشوستس للتقنية» عبر مبادرة قادها خبير الكومبيوتر سايمور بابيرت بالتعاون مع فريق من البحّاثة. وتمثّلت الفكرة الأساسيّة في صنع برنامج سهل، لا يتضمن تفاصيل تقنية معقّدة ولا حتى صيغاً كلاميّة متطوّرة، بل يخاطب الطفل بلغته ليعلّمه التشفير. وجرى التشديد على ضرورة أن يتمكن الطفل من التعلّم بنفسه، مع حدّ أدنى من التدخل، وألا يتطلّب التشفير معارف وعلوماً مسبقة. وبديهي القول إأنّ فريق بابيرت اعتمد على لغة بصريّة أساساً في تلك المقاربة. هل يلتقط العالم العربي الخيط فتصبح مادة التشفير جزءاً أساسيّاً من التعليم المدرسي، بل بداية من المرحلة الابتدائية؟
مشاركة :