أحب أن أتحاور مع الأب عبدالله حمد الرويل عن كون ابنه لا ينطق الكلمات إلا بشكل صعب، وأن المدرسة لم تقبله للعام الدراسي لعدم قدرته على التعبير عن نفسه بشكل مواتٍ وسرعة عادية، ويقول الأب عبدالله إنه يلمح ذكاء بعيني ابنه. الحقيقة، ما جعلني أعقب متحمسا على الأب عبدالله هو أنه قال إنه يلمح وميض ذكاء بعيني ابنه، وأقول له: قف هنا، وتمسك بهذه الجملة وتعلق بهذا الشعور، وكن متيقنا أن عيني ابنك تخاطبانك، بل تتلهفان إلى أن تصدق ما تراه بذكائهما وتطلبان منك أن تنقذ ابنك بتصديق لمعتهما. وأود أن أذكرك أن طفلا آخر ولد قبل ابنك بأواخر القرن التاسع عشر، وقد أقلق والديه لأنه شارف السنوات الثلاث وهو تقريبا لا ينطق، وإن نطق فالكلمة تأخذ وقتا طويلا حتى تخرج من فمه، أما أخته التي أصغر منه مايا Maja فقد كانت طليقة اللسان، سريعة الكلمات، تفوقت على أخيها الأكبر بمراحل في الفصاحة والإفصاح. إلا أن الوالدين العطوفين، آمنا أن هناك بريق عبقرية بعيني ابنهما، وصدقا هذا البريق. وفي المدرسة أيضا لم يُلاحظ ذاك الطفلُ أنه تكلم من قبل إلا بصعوبة. ثم إنه ترك المدرسة لفترة لأن المدرسين اعتقدوا أنه يربك الفصل، وقال عنه مدرسه: «إن هذا الولد بليد، وبطيء الفهم، ولا فائدة ترجى منه». حسنا، ذلك الغبي البليد تولع فيما بعد بعلوم الهندسة والفيزياء والرياضيات، وصار أكبر عقلٍ علمي عرفه القرنُ العشرين وربما كل القرون، وهو ألبرت أينشتاين. أيها الأب الغالي عبدالله أرجو أن تتأمل بهذه الجملة من أينشتاين: «بينما كان الأطفال حولي يلهون بألعابهم ومعرفتهم الملقنة، كانت صعوبتي بالكلام تجعلني أفكر أبعد بصمت. تفكرت بالكون، بأجرامه ومجراته وحركته وأثره..». الأطفال الطليقو اللسان الذين زاملوا أينشتاين أغرقتهم الحياة فلم نعرفهم.. بينما عرف كل العالم ذلك العيي الثقيل النطق، البليد، الذي انطلقت العبقرية من عينيه فلم يصدق عينيه أحد.. سوى والديه. وتذكر حبيبي عبدالله، إن لم تصدق ابنك فقد يكون عبقريا تتعدى خسارته منك وحدك.. إلى بقية العالم.
مشاركة :