الصديق الحقيقي

  • 1/17/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سَــــلامٌ عَلى الدُنـــيا إِذا لَـم يَكن بِـها صَـديقٌ صَدوقٌ صادِقَ الوَعدِ مُنصِفا في هذا البيت صدق الإمام الشافعي وكفى ووفّى، فما قيمة هذه الحياة إذا لم يسترح المرء إلى صدرٍ ودود يحمل بين ضلوعه الحب والرضا وكل ما يرجوه من الخير؟ وماقيمة الكون بأسره إن لم يخلد الإنسان لقسط راحة من المتاعب ومنغصات الحياة، فيتوسد قلب وعقل صديق له يجد فيه السلوى والسلوان؟ وإنه خير ما يسر الإنسان في حياته ويسعده؛ اكتساب صديق ورفيق مخلص يكون له عوناً في مطبات الحياة، يشاركه الفرح ويشاطره الترح، ويغمره في عواطفه.. كتفاً يستند إليها، وكفاً يشد بها على كفه.   وخير قصة فداء بين الأصدقاء نستقيها من السيرة النبوية الشريفة، لما هاجر نبينا عليه الصلاة والسلام ورافقه صديقه وصاحبه الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه؛ معرضاً نفسه للخطر الذي يداهمها وملاحقة الكفار ونيتهما الواضحة لقتلهما والقضاء على كل أثر للدعوة. وقد كان أبو بكر الصديق خير عون لصديقه يفتديه بروحه ويأنس إليه في وحشته ويستعين به في خضم الشدائد والمصاعب. *** إن الصّداقة عربون محبة ووئام، فهي كلمة مشتقة من الفعل “صَدَق”، وإنها علاقة تكاملية وجدانية بين طرفين، مبنيّة على الثقة والصدق والتجانس بين الأصدقاء. وهي حاجةٌ إنسانيةٌ ملحةٌ، تمكننا من تخطي عقبات الحياة وتعزز شراكتنا كأفراد في الأنشطة المجتمعية وتبادل المشاعر والأحاسيس بطريقة عفويّة بعيداً عن التملّق والنّفاق، فتغدو مصدراً للإنتاج والإستقرار و الإيجابيّة. وهذا ما يجب أن تنطوي عليه الصداقة الحقيقية؛ لكن في زمننا هذا، زمن المغريات واللهاث خلف الرزق والشكليات فقد تمخض لونٌ جديد من أصدقاء المصالح المنافقين المداهنين. وصنفٌ من رفاقٍ لايقدرون للعشرة مقدار، يتخذون الشيطان خليلاً حتى في علاقاتهم مع إخوتهم وأصدقائهم. يساومون في أتفه الأمور ويغالبهم ظن السوء قبل الخير، وينضح قلبهم بالحقد واللؤم. سيماهم الفجور بالخصومة؛ يفضحون الأسرار ولا يراعون معروف قد كساهم به صديقهم، وفيهم قال الإمام الشافعي: وَلا خَــيرَ فـــي خِــلٍّ يَخــونُ خَــليــلَهُ وَيَـــلقاهُ مِــن بَـعدِ المَـوَدَّةِ بِالجَفا وَيُنــكِرُ عَــيشاً قَــد تَقــادَمَ عَــــــهدُهُ وَيُظهِرُ سِـــرّاً كـانَ بِالأَمسِ قَد خَفا ** ولعل أهم ما يقوض أركان الصداقة خصوصاً الوثيقة منها -زيادة على النفاق والكذب ونقل الكلام والبوح بالأسرار- ذلك التداخل الكبير والاندماج الذي يتعدى المسموح من الحدود ويجاوز الآداب والذوق العام وينتهي إلى تدخلات مزعجة وحشرية مقيتة. ولربما يصفح المرء بادئ الأمر عن بعض الزلات ويبتلعها على مضض، بيد أنه عند تفاقم العلة وتكاثر الزلة، وخروج ذلك عن الإطار المعقول والمتعارف عليه؛ فإنما يضيق الصديق ذرعاً بصديقه، ويكره تدخلاته ويتضايق من تصرفاته، ويأخذ بالابتعاد شيئاً فشيئاً. ومن العداوة ماينالك نفعُه ومن الصداقةِ ما يضرُّ ويؤلمُ بل إنه لربما يقطع حبل الوصل مرة واحدة فيتخذ قراراً حاسماً قاسماً بالابتعاد عن ذلك المتطفل الذي لا ينفك يحشر أنفه في ما يعنيه وما لايعنيه.ولسان حاله يقول: ( ليتني لم أتخذْ فلاناً خليلا) والعلاقات مهما بلغت مبالغاً من المودة والمحبة والألفة، تبقى الحدود أجمل ما يؤطر لوحة الصداقة الخالدة ويظل احترام خصوصيات الآخرين خير ما يحفظ به المرء ماء وجهه. وقد صدق من قال : “الصديق الحقيقي هو الذي يمشي إليك عندما يبتعد عنك بقية العالم “.

مشاركة :