لا أذيع سرا عندما أقول إنني كنت ضمن المتفاجئين بهذا الاستقبال الجماهيري الكبير الذي حظي به حسين عبد الغني قائد الأخضر والأصفر، في مباراة منتخبنا الماضية أمام الأوروجواي، وهو استقبال لم يمر مرور الكرام على الضيوف أنفسهم، ما حدا بأحد لاعبيهم إلى اختراق الصفوف وصولا إلى عبد الغني وطلب قميصه. احتشاد مصوري الصحف والوكالات أمام دكة بدلاء المنتخب المضيف، لتصوير لاعب يجلس على دكة البدلاء، لا أتذكر أن لاعبا سعوديا حظي به من قبل، وعلى هذا النحو اللافت، فلماذا حدث ما حدث؟ حسين عبد الغني يكبر بعامين سعود كريري قائد الأخضر الثابت في القائمة الدولية منذ عشرة أعوام، لم يسقط من القمر على دكة البدلاء في الاستاد الكبير يوم العاشر من أكتوبر، بل يركض أسبوعيا في واحدة من مبارياتنا المحلية طوال الأعوام الماضية، ولم يلق في واحدة منها ربع ما لقي من الحفاوة والاستقبال، فما الذي تغير؟ سيطرة عبد الغني على المشهد في أول حضور لمنتخبنا على ستاد الجوهرة، له دلالات كبيرة، ويطرح استفهامات واسعة، لماذا عبد الغني؟ ولماذا الآن؟ ولماذا كان الاستقبال على هذا النحو غير المسبوق؟ وهل يبعث المشهد، برسائل؟ وإلى من؟ قبل الإجابة، لا بد من الاعتراف، بأن من الصعوبة إخضاع وسطنا الرياضي لمعايير دقيقة في الحكم والقياس، خاصة فيما يتعلق بمرئياته نحو قضية ما. .. أعتقد أن مدرجات الكرة السعودية تعاني عطشا للنجم السوبر، منذ غياب ماجد عبد الله، يوسف الثنيان، محمد نور، محمد الدعيع، وآخرين، ولذلك رأت بعض الجماهير في عبد الغني - آخر سعودي ما زال يلعب وسبق له حمل كأس آسيا واللعب في مونديالين، تعويضا متاحا عن هذ الغياب، ناهيك عن شعور بالظلم - بغض النظر عن صحته من عدمه - متغلغل في دواخل محبي حسين تجاه مسيرته الدولية ومرتبط بغيابه عن القائمة الوطنية منذ التحاقه بصفوف النصر قبل أربعة أعوام، واختياره في أكثر من مرة ضمن قوائم الأفضلية المحلية. ثاني الأسباب في ظني، هو الانفجار الإعلامي الكبير الذي خلفته وسائل الاتصال الجديد، ما مكن المشجع العادي بأن يكون وسيلة إعلام ناقلة للحدث، ولم يعد بحاجة إلى انتظار الصحف أو القنوات لتقول له ما هو الحدث الأبرز، إذ أصبح يختار أحداثه بنفسه ويوثقها بطريقته ويقدمها ويكبرها، ويختار لها القالب المناسب من وجهة نظره. ثالث الأسباب، هو القاعدة الإعلامية: السيطرة على المشهد، وهي قاعدة اتبعها أنصار فريقي الأهلي والنصر يوم العاشر من أكتوبر، بدافع الانتقام مما يعتقدونه تغييبا متعمدا لهم عن المشهد، بالذات في الفريق الوطني، فكانت الفرصة سانحة للترويج لأفكارهم وآمالهم ورغباتهم ونجمهم، أمام ما يرونه ويعتقدونه خطأ في ما مضى، وأيضا بغض النظر عن صحته من عدمها. السبب الرابع، هو الحالة الفنية الممتازة لفريق النصر منذ عامين، ما انعكس على الحالة المزاجية لأنصار الأصفر في تعاطيهم مع الأحداث، ناهيك عن الجودة الواضحة التي يظهرها أنصار القطب العاصمي في استثمارهم لوسائل الإعلام الجديد، مقارنة بغيرهم، وتلك قضية تستحق مقالا منفردا. ربما كان التحليل أعلاه، مضيعة للوقت، ما لم يربط بفائدة ما، ولا أحد يمكنه الاستفادة مما حدث، أكثر من عبد الغني نفسه، ها قد جاءت الفرصة على طبق من ذهب لختام مسيرة ناجحة، وهو الذي حمل للتو لقب الدوري السعودي القوي، ويمكنه أن يفعلها بلقب دولي. لا أنكر أن حسين تعرض لشيء من الإجحاف في مسيرته وألصقت به تهم لا دليل عليها أحيانا، ومن العدل الاعتراف بأنه شارك أيضا في ظلم نفسه أحيانا أخرى ببعض التصرفات التي لا تليق بمسيرته الرياضية الناجحة. أما وقد انتصرت المدرجات الآن لمعشوقها، فحري بالرجل ذاته، أن يغتنم الفرصة كما يجب لرجل يحمل على كتفيه تاريخا مليئا بكل شيء. نقلا عن الاقتصادية
مشاركة :