المرض الهولندي مصطلح اقتصادي يطلق للدلالة على مجموعة من الأثار السلبية على أي اقتصاد يعتمد في انتعاشه على العائد المرتفع الذي نتج عن اكتشاف موارد طبيعية بكميات تجارية يؤدي الى التحول من اقتصاد صناعي وزراعي منتج الى اقتصاد ريعي كسول وباذخ يتفاقم معه الانفاق الاستهلاكي المفرط وتتعاظم فاتورة الواردات مقابل ضعف او ندرة الصادرات لعدة عوامل منها ارتفاع سعر صرف العملة لذلك البلد في الاسواق العالمية لترتفع تبعا لذلك اسعار الصادرات الصناعية او التحويلية وارتفاع تكلفة الايدي العاملة مما يزيد من تكلفة المنتج النهائي فتقل قدرتها التنافسية , كما أن تزايد أسعار السلع القابلة للتصدير سيؤدي بتحول الاستثمارات الى قطاعات كالتشييد والبناء على حساب الصناعة. عرف هذا المصطلح عام 1977م لوصف الحالة الاقتصادية التي اصابت الاقتصاد الهولندي , فقد اكتشفت هولندا في منتصف القرن التاسع عشر النفط والغاز في بحر الشمال بكميات تجارية أدت عوائدها الى ركون الشعب الهولندي الى الترف والكسل وضعف الانتاجية وزيادة الانفاق الاستهلاكي قبل نضوبه في العام 1980م. كما تسمى هذه الظاهرة “لعنة وفرة الموارد” . خطورة نضوب الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن او فقدان أهميتها باكتشاف البدائل دفع دولة مثل النرويج التي اكتشفت النفط في بحر الشمال عام 1966 م وبدأت الانتاج الفعلي العام 1971م الى تبني خطة اقتصادية لما بعد النفط الذي يرفد ما نسبته 36% من إجمالي العائدات الحكومية ونصف الصادرات وتعد خامس اكبر مصدر للنفط وثالث اكبر مصدر للغاز ويشكل الاستثمارات فيه ما نسبته 24% الى اجمالي الاستثمارات , واعتمدت الخطة النرويجية على انشاء وادارة صندوق سيادي ممول من عائدات النفط تتوزع استثماراته على ما يقارب 9000 شركة وفصل الانفاق الحكومي عن محتوى الصندوق والاكتفاء بأرباحه فقط . تخطت النرويج مخاطر المرض الهولندي وهي الان على مشارف نضوب احتياطياتها النفطية في بحر الشمال المتوقع في العام2020 م . ليست المملكة العربية السعودية بعيدة عن الاصابة بالمرض الهولندي إن لم تكن قد اصيبت به فعلا فقد ظهرت اعراضه جليا بعد انهيار اسعار النفط الى ما دون30 دولار في يناير 2016 . وتعد عائدات النفط المورد الرئيسي للدخل والانفاق بنسبة تصل الى 90% في المملكة العربية السعودية وهي كاقتصاد ريعي يعتمد على الانفاق الحكومي بشكل أساسي فهذا يشكل خطرا كبيرا على القدرة على الانفاق بنفس المستوى مع أي تقلبات لأسعار النفط أو ظهور بدائل تقلل الاعتماد عليه والاحتمال الاصعب هو شبح النضوب ومنطقيا سيأتي يوما يتوقف انتاجه كونه سلعة ناضبة غير متجددة . إن مجرد التفكير بعدم استدامة النفط كمصدر للدخل في اقتصاد ريعي غير تنموي منتج يطرح سؤالا واحدا ( ماذا بعد النفط ؟) . ليست المواجهة خيار فقد اصبحت ضرورة وأمر محتوم فالمواجهة حتمية لبناء مستقبل لا يعتمد على النفط كمورد وحيد وأساسي بالتحول الى اقتصاد تنموي متنوع مستدام . التنمية المستدامة وتنوع مصادر الدخل هدف منشود لكل دولة تتبنى لأجله خطط تنموية تحقق من خلالها مستوى معيشي مرتفع لشعبها وللأجيال القادمة بخلق بيئة ذات تنوع اقتصادي منتج ودائم عبرت عنه مخرجات المؤتمر الأممي التاريخي لقادة العالم في سبتمبر 2015 م بسبعة عشر هدفا تنطبق عالميا على الجميع وغير ملزمة قانونا وتقتضي تلك الاهداف العمل على القضاء على الفقر والجوع وتوفير الصحة الجيدة والتعليم الجيد وتحقيق المساواة بين الجنسين وتوفير المياه النظيفة والنظافة الصحية وطاقة بأسعار معقولة والعمل اللائق ونمو الاقتصاد والصناعة والابتكار والهياكل الاساسية والحد من أوجه عدم المساواة وبناء مدن ومجتمعات محلية مستدامة وتحقيق الاستهلاك والإنتاج المسؤولان والعمل المناخي والحياة تحت الماء وفي البر والسلام والعدل والمؤسسات القوية وعقد الشراكات لتحقيق الاهداف وينبثق منها الكثير من الغايات . وبدأ السعي رسميا لتحقيق هذه الاهداف في يناير 2016 م خلال الخمس عشرة سنة المقبلة ليكون العام 2030 م عام الوصول الى التنمية المستدامة للدول التي التحقت بمضمار العولمة . ورسم مستقبل مشرق للأجيال القادمة ومن بعدهم . كما اسلفت فالاقتصاد بحاجة الى جهوزية نوعية تسبق او تتماشى مع العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة أو رؤية 2030 م , تطلب ذلك خطة توطئة وهي خطة التحول الوطني 2020 بثمانية أهداف تتمحور حول تعظيم المحتوى المحلي وزيادة فرص العمل والشراكة مع القطاع الخاص والسعي لتحقيق التوازن المالي بكفاءة الانفاق وكفاءة الطاقة والحد من الهدر والتحول من الانفاق الاستهلاكي الغير رشيد الى سلوك انفاقي واعي ومعتدل ولن يكون ذلك إلا بعدة إجراءات قد يجد المستهلك بعض الصعوبة في الاعتياد عليها ولكنها هامة للبدء في تحقيق الأهداف السامية للتنمية المستدامة والانتصار في المواجهة الحتمية مع شبح المرض الهولندي واللحاق بالعالم المتقدم في شتى المجالات والاقتصاد هو محركها الاساسي .
مشاركة :