محمد حماد تقرأ سورة الفاتحة فتجدها مركبة من ثلاثة مقاطع، الأول حمد وتمجيد لله رب العالمين، والثاني إعلان العبودية لله مالك يوم الدين، ثم الثالث وهو طلب الهداية. والمقطعان الأولان من السورة بمثابة التمهيد المطلوب والطبيعي للمقطع الأخير، فإذا كنت صاحب طلب فليس أقل من أن تقدم بين يدي طلبك اعترافاً بالحمد والكمال لله رب العالمين، وليس أقل من أن تعلن عبوديتك له، واستعانتك به وحده دون سواه، ثم بعد أن مهدت لطلبك بهذا تدعوه: اهدنا الصراط المستقيم.يفعل العبد ذلك في اليوم والليلة الواحدة سبع عشرة مرة على الأقل، في الصلوات المفروضة، كل يوم في الفجر وفي الظهر وفي العصر وفي المغرب وفي العشاء، يدعو ربه: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). الهداية للجميع وأول ما تلاحظه في آيات سورة الفاتحة، تلك السورة التي افتتح بها ربنا جل وعلا كتابه الكريم، أن العبد لا يطلب الهداية فقط سبع عشرة مرة في اليوم والليلة، ولكنه يطلب الهداية بصيغة الجمع: اهدنا، فلا يقول اهدني الصراط المستقيم، بل يقول «اهدنا الصراط المستقيم»، ذلك لأن كل هداية للفرد تبقى منقوصة، لو أن المجتمع كله لم يكن على طريق الهداية، هدايتك منقوصة لو أن أهل بيتك على غير الطريق المستقيم، هدايتك منقوصة لو أن أهل شارعك وقريتك ومدينتك ووطنك وأمتك على غير طريق الهدى.الهداية الفردية قد تكون طريقاً للخلاص الفردي، لكنها تبقي الفرد معرضاً أكثر للانتكاس عن الهداية والتنكب عن الطريق المستقيم، إذ المجتمع الذي يعيش فيه يدعوه إلى الضلالات، أو ييسرها له، أو يزيغه عن الحق.العبد مطالب بالصلاة في الجماعة، وكلما كانت الجماعة أكبر كان ثوابه أكبر، لأن الإسلام هو دين الجماعة بامتياز، صلاته في جماعة وحجه في جماعة وصومه في جماعة، وزكاته من أجل الجماعة، ولا يعرف الانعزال في غير الفتن. الطريق إلى مرضاة الله يروي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (والحديث في صحيح مسلم)، أن الله عز وجل قال: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: «الحمد لله رب العالمين»، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: «الرحمن الرحيم» قال الله: أثنى على عبدي، فإذا قال: «مالك يوم الدين» قال الله: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال العبد: «إياك نعبد وإياك نستعين» قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: «اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين»، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».يطلبون من الله العون على الاستقامة على الطريق الموصلة إلى مرضاة الله، ويطلبون الهداية إلى طريق الحق، فيدعون ربهم أن اهدنا إلى كل الصالحات من اعتقاد وعمل، ووفقنا إلى الحق، وألهمنا التمييز بين الحق وبين الباطل، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك حين يفتتح صلاته بالليل كما جاء في حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف قال: سألت عائشة أم المؤمنين بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
مشاركة :