يقول خبراء في التنمية الاجتماعية إن إملاءات صندوق النقد الدولي على تونس في مقدمتها إجراء إصلاحات هيكلية على الاقتصاد قادت الى تداعيات اجتماعية سلبية خاصة على الفئات الهشة والطبقة الوسطى ساهمت خلال السنوات الماضية في تعميق الأزمةّ. والخميس قال الصندوق إنه لم يطلب من تونس انتهاج سياسات تقشفية مشيرا إلى أنها قترح على السلطات برامج اجتماعية لحماية الفقراء من تداعيات الإصلاحات الاقتصادية حتى تكزن متوازنة اجتماعيا. ويبدو مفهوم "الإصلاحات المتوازنة اجتماعيا" مفهوما "مسموما" باعتباره يستبطن نوعا من التجاهل بان التوازن الاجتماعي يدفع بالحكومة ضرورة إلى التقشف. وطالب الصندوق تونس بتنفيذ حزمة الإصلاحات منها رسملة البنوك العمومية والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ومراجعة منظومة والدعم والتحكم في كتلة الأجور ونفقات التسيير والتصرّف والمصادقة على مشروع الإصلاح الجبائي. غير أن مثل هذه الإصلاحات تستوجب من تونس ذات الثروات النادرة التخفيض في النفقات العمومية في ظل اقتصاد منهك لا تتجاوز في نسبة النمو 2.1 بالمئة ما يفرض على الحكومة إلى إجراءات اجتماعية تضييقية. وفي اطار دعمه للاقتصاد قرر الصندوق ضخ قرضا بـ 3 مليارات دولار على مدى أربع سنوات ومن المتوقع أن تحصل تونس خلال العالم 2018 على دفعة من القرض مقدرة بـ 320 مليون دولار. وتثير القروض جدلا واسعا لدى الخبراء في التنمية الاجتماعية سواء لجهة تداعيات "الإملاءات" الاقتصادية أو لجهة ارتهان القرار السيادي لسياسات الصندوق. وفيما يقول المسؤولون الحكوميون إن دعم الصندوق للاقتصاد لا يترافق مع أي املاءات، يشدد الخبراء على أن الصندوق لا يملي فقط إجراءات اجتماعية وإنما يتدخل حتى في طبيعة السياسات والخيارات العامة. وخلال الفترة الماضية أقر يوسف الشاهد بأن برنامج الإصلاحات لا يخل من تداعيات مرة في إشارة ضمنية إلى تداعياتها الاجتماعية على فئات عديدة من المجتمع. وقال معز جراد الخبير في التنمية الاجتماعية "إن مفهوم الإصلاحات الاقتصادية لمتوازنة اجتماعيا هو مفهوم مسموم لأن التوازن لا يتحقق في ظل غياب التضحيات". ويشدد جراد وهو يتحدث إلى مراسل "ميدل ايست اونلاين" على أن "حزمة الإصلاحات تحولت إلى نوع من التضييق الاجتماعي قاد في النهاية إلى الاحتقان. وتشهد تونس موجة من الاحتجاجات على خلفية الرف في الأسعار الذي جاء في إطار تنفيذ حكومة الشاهد لبرنامجه الإصلاحي. كما اتخذت الحكومة حزمة من القرارات الأخرى لدعم موارد الدولة منها الترفيع في الضرائب والجباية وأتوات الخدمات الإدارية والمحروقات. وطالب جراد الحكومة بعدم الرضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي لأنها "لا تقود سوى إلى تعميق الأزمة في جانبها الاجتماعي والسياسي". وقال إن ما يتحدث عنه الصندوق من "توازن اجتماعي ليس معادلة وإنما هو مفارقة يصعب تحقيقها في تونس "ملاحظا يتساءل "كيف يمكن تحقيق ما يسميه البنك بالإصلاحات المتوازنة في ظل عجز موازنة الدولة على تغطية نفقات الأجور في ظل ارتفاع نسبة التضخم إلى نحو 5 بالمئة من الناتج المحلي الخاموتدني نسبة النمو وتراجع عائدات البلاد من صادراتها الخارجية وارتفع عجز موازنة الدولة خلال العام 217 إلى 69 بالمئة ما دفع بتونس إلى التداين يتم رصده إلى تغطية النفقات العمومية لا إلى مشاريع استثمارية منتجة. وارتفع العجز التجاري إلى نحو 8 بالمئة نتيجة تراجع عائدات الصادرات. لذلك يرى خبراء آخرون إلى أن "الإصلاحات المتوازنة اجتماعيا" لا تقود سوى إلى المزيد من "تضييقات اجتماعية" تشعل فتيل الاحتقان لا بسبب إملاءات صندوق النقد الدولي وإنما بسبب لأزمة الاقتصادية الهيكلية وتدني مختلف مؤشرات أدائه". وهم يحذرون من "الفكر التآمري الذي يحاول مسح الأزمة وتداعياتها سواء في صندوق النقد الدولي أو في مختلف المؤسسات الإقليمية والدولية المانح. ويقول فوزي الحاجي الخبير في السياسات التنموية "إن التضييقات الاجتماعية ناجمة عن شح الثروات وعن تدني أداء الاقتصاد وحالة الإفلاس خاصة بالقطاع العام". ويشدد الحاجي وهو يتحدث لمراسل ميدل ايست اونلاين "ان الإصلاحات الكبرى في أي بلد من البلدان تستوجب من الناس الكثير من التضحيات لأن الحكومة تجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات اجتماعية من شأنها أن ترفع مداخيل الدولة". ويضيف "لا يمكن الحديث عن إصلاح اقتصاد مفلس ما لم يقع الرفع من مداخيل الدولة من خلال الرفع في الضرائب والضغط على كتلة أجور القطاع العام وفرض أتوات على الخدمات الإدارية". وتجاهر القوى المدنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية، بأن الحكومة تنتج سياسات أملاها صندوق الدولي وهو معروف بأنه يرفق القروض والمنح بحزمة من الشروط والإملاءات لا الاقتصادية فقط وإنما الاجتماعية وحتى السياسية. ويرى اتحاد الشغل أن أجراء القطاع العام هم الضحية الأولى لإملاءات الصندوق لافتا إلى أن ارتهان تونس لتلك الإملاءات من شأنه أن يعمق الأزمة. غير أن الحكومة ما انفكت تفي باستمرار أي شكل من أشكال الإملاءات على الرغم من أن مسؤولي الصندوق يقرون بفرض شروط اجتماعية مقابل الموافقة على القروض. ويركز الصندوق بالأساس، في إطار الإصلاحات الهيكلية، على أن تكون متزامنة مع سياسات اجتماعية محدد تقضي بالتضييق على كلفة الأجور والنفقات العمومية ومراجعة منظومة الجباية التي تعد الممول الرئيس لموازنة الدولة. وتنفي الحكومة باستمرار أن الإصلاحات لم يفرضها الصندوق وإنما فرضتها الأزمة التي تعصف بالاقتصاد حتى أنه بات يقف على مشارف الإفلاس مشددة على استقلالية القرار السيادي هو خط أحمر ل ايقترب منه الصندوق ولا غيره من شركاء تونس. وتستبطن سياسة الموافقة على القروض من قبل الصندوق تناقضا إذ هي في الوقت الذي يقول فيه ان يراعي تردي أوضاع الفئات الهشة يرفق القروض بإملاءات اجتماعية لا تقود سوى إل مزي من الضغوط والاحتقان لتؤجج موجة من الاحتجاجات. ويرى نشطاء أن الاحتقان الاجتماعي الذي تشهده تونس تتحمل الحكومة جانبا من المسؤولية فيه لأنها رضخت لإملاءات صندوق النقد على حساب التونسيين. ويقول معز جراد "إن صندوق النقد الدولي عودنا على إخفاء ما وراء موافقته على القروض مشددا على أن "تك القروض لا تمنح إلا بناء على السياسات والبرامج العامة التي يتبناها الصندوق وهي تهدف بالأساس إلى التفويت في مؤسسات القطاع العام". ويشدد الجودي على أن الارتهان لصندوق النقد الدولي قد يقود إلى تجريد الدولة من دورها الاستراتيجي التعديلي الذي يرعى السياسات الاجتماعية. ويرى جراد أن إملاءات صندوق النقد الدولي ورضوخ الحكومة ساهمت بشكل كبير في تعميق الأزمة الهيكلية بعد أن تم تضييق الخناق على جزء هام من الفئات الاجتماعية. غير أن فوزي الحاجي قلّل من دور صندوق النقد الدولي بشأن حالة الاحتقان وتأجج الاحتجاجات مشددا على أن "المعضلة تكمن في هشاشة الاقتصاد قبل كل شيء".
مشاركة :