ما إن يذكر أمامك اسم النجم البرازيلي رونالدينيو حتى تبتسم وتشعر بالسعادة ويتبادر إلى ذهنك الأشياء المذهلة التي كان يفعلها بالكرة. وعندما تشاهد مهاراته الاستثنائية في مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب فقد تسقط أرضا من هول ما ترى، تماما كما كان يسقط أمامه مدافعو الفرق المنافسة. وعندما ترى هذا الساحر وهو يتلاعب بالكرة بين قدميه تشعر بأنه يتعين عليك أن تقف وتصفق له، تماما كما فعل جمهور ريال مدريد على ملعب «سانتياغو بيرنابيو»، رغم أنه كان يرتدي قميص الغريم التقليدي برشلونة!وكان السؤال الذي يُطرح دائما هو: يا إلهي، هل رأيت ما قام به رونالدينيو؟ في الحقيقة، كان رونالدينيو يقوم بأشياء لا يستطيع أي لاعب آخر أن يقوم بها. ولم يكن الأمر يقتصر على الأشياء التي يقوم بها فحسب، ولكنه يمتد إلى طريقة القيام بمثل هذه الأشياء والشعور الذي ينتابك وأنت تشاهده يفعل ذلك. لقد كانت مشاهدة رونالدينيو داخل المستطيل الأخضر تجعل المرء يشعر بالسعادة والمتعة. ومع إعلان هذا الساحر البرازيلي عن اعتزاله كرة القدم فقد فقدت اللعبة جوهرها المتمثل في السعادة والمتعة.ويمكن القول بكل ثقة بأن رونالدينيو هو أكثر لاعب في تاريخ الساحرة المستديرة أضاف المتعة إلى هذه اللعبة، وربما يعود السبب في ذلك إلى أنه كان يمارس كرة القدم على أنها «لعبة» في المقام الأول وقبل كل شيء. وقال رونالدينيو عن ارتباطه بكرة القدم: «أنا أعشق الكرة»، وأشار إلى أن أحد المديرين الفنيين قد طلب منه ذات مرة أن يغير طريقته في اللعب لأن هذه الطريقة لن تجعله يوما ما لاعب كرة قدم محترفا، لكن هذا المدير الفني كان مخطئا بكل تأكيد. لقد حقق رونالدينيو كل هذا النجاح لأنه كان يستمتع بكرة القدم وهو يلعب، ولم يرسم الابتسامة على وجهه بعد الفوز ببطولة الدوري الإسباني أو دوري أبطال أوروبا أو كأس العالم أو بعد حصوله على لقب أفضل لاعب في العالم، لأن الابتسامة لم تكن تغادر وجهه من الأساس وهو يلعب في أعتى وأقوى البطولات ورغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها اللاعبون في مثل هذه المسابقات الكبرى. لقد وصفه نجم خط وسط برشلونة السابق تشافي هيرنانديز بأنه «غير تاريخنا».لقد زعم أحد المديرين الفنيين لنادي ريال مدريد بأن النادي الملكي لم يتعاقد مع رونالدينيو لأنه كان «قبيحا للغاية»، مشيرا إلى أن «الجميع كان يريد معانقتنا بسبب وسامة ديفيد بيكام». لكن الحقيقة أن هذا الرجل كان مخطئا تماما، لأن الجميع كان يرغب أيضا في معانقة رونالدينيو. لقد كان الساحر البرازيلي مميزا بشعره الطويل وابتسامته العريضة واحتفاله المتفرد بعد إحرازه الأهداف عن طريق الإشارة بالإبهام وإصبعه الصغرى، وهو الاحتفال الذي أصبح بمثابة رمز داخل النادي الكتالوني وكانت تصنع منه أشكالا وتباع داخل متجر النادي.لقد وضع نادي برشلونة حملة إعلانية ودعائية تتمحور بالكامل حول رونالدينيو. ربما لم يكن اللاعب البرازيلي وسيما، لكن كرته كانت ممتعة، ولم يكن هناك أي لاعب آخر لديه نفس القدر من الجاذبية، حتى في «فريق الأحلام» الذي كونه ريال مدريد وكان يضم كوكبة من النجوم العالميين. أما داخل الملعب فكان نجم «السيليساو» يلعب من أجل المتعة وبعيدا عن أي حسابات أخرى، ويقول عن ذلك: «عندما تكون الكرة بين قدميك فأنت حر. الأمر تقريبا يشبه الاستماع إلى الموسيقى، فهذا الإحساس يجعلك تنقل السعادة إلى الآخرين. أنت تبتسم لأن كرة القدم تُلعب من أجل المتعة، فلماذا يجب علينا أن نتحلى بالجدية؟ هدفك هو أن تنشر السعادة».وكان رونالدينيو ينظر إلى شقيقه الأكبر على أنه المثل الأعلى بالنسبة له، لكنه حقق مسيرة رياضية أفضل منه بكثير. في الحقيقة، كان رونالدينيو هو أفضل لاعب في العالم في فترة تألقه، وكان كثيرون يعتقدون أن بإمكانه أن يكون أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم على الإطلاق. صحيح أن مسيرة الساحر البرازيلي كان من الممكن أن تستمر لفترة أطول، لكنه كان يفعل أشياء لم نرها من أحد غيره ويقدم مهارات لم نتخيلها مطلقا، ولذا فهو يحظى بحب جارف بين عشاق الساحرة المستديرة حول العالم. يقول اللاعب الهولندي السابق فيليب كوكو عنه: «لديه قدمان سريعتان للغاية لدرجة أنه يمكنه لمس الكرة أربع مرات في نصف ثانية. لو حاولت القيام بما كان يقوم به لتعرضت للإصابة».وخلال الثلاث سنوات التي شهدت تألقه اللافت للغاية، لم يكن بإمكان المشاهدين سوى الاستمتاع بما يقدمه والاندهاش من مهاراته الفذة والضحك في بعض الأحيان بصوت مرتفع بسبب الفنيات الساحرة التي لم يرها جمهور كرة القدم من قبل. كم أبهر كل متابعي كرة القدم بخلفياته المزدوجة ووقوفه على الكرة وتغيير سرعته بصورة مفاجئة وتمرير الكرة لزملائه وهو ينظر في الاتجاه الآخر والتمرير حتى بظهره وتسديد الركلات الحرة من فوق الحائط ومن جانب الحائط ومن تحت الحائط! وكان هناك إعلان لرونالدينيو وهو يجلس خارج منطقة الجزاء ويخلع حذاءه القديم ويرتدي حذاء جديدا ثم يستعرض مهاراته بالكرة قبل أن يسدد الكرة في العارضة لترتد الكرة إليه ويستقبلها على صدره ويسددها مرة أخرى لتصطدم في العارضة وترتد إليه للمرة الثانية ليستقبلها على صدره ويسددها في العارضة للمرة الثالثة وترتد إليه ليستقبلها دون أن تسقط على الأرض في استعراض مهاري وتحكم في الكرة لم نره من قبل، ثم يعود إلى نفس المكان الذي ارتدى فيه الحذاء الجديد، والذي توجد عليه كلمة واحدة فقط وهي «السعادة».إنه أمر مذهل في حقيقة الأمر، وهناك حالة من الجدل حول هذا الإعلان، حيث يرى البعض أنه غير حقيقي وبه خدع سينمائية، في حين يرى آخرون أنه حقيقي. وعندما تصل لمرحلة لا تعرف فيها هل هذا حقيقي أم مونتاج فيعد هذا دليل دامغ على المهارة الفذة والاستثنائية لهذا الساحر البرازيلي، وهو الشيء الذي لا يحدث سوى مع هذا اللاعب فقط. وإذا لم يكن هذا الإعلان حقيقيا، فماذا عن وقوف جمهور ريال مدريد بالكامل في ملعب «سانتياغو بيرنابيو» لتحية رونالدينيو رغم أنه يلعب للغريم التقليدي برشلونة؟ وماذا عن الهدف الخرافي الذي سجله في مرمى إشبيلية الإسباني بعدما تسلم الكرة من منتصف ملعب فريقه لينطلق ويراوغ لاعبا تلو الآخر ويسدد كرة صاروخية تصطدم بالعارضة وتهز الشباك؟ وماذا عن هدفه الخرافي في مرمى ميلان الإيطالي؟ وماذا عن هدفه في مرمى تشيلسي في ملعب «ستامفورد بريدج» عام 2005 عندما سدد الكرة بإصبع قدمه؟. وقال الأسطورة البرازيلية توستاو: «رونالدينيو يمتلك مهارات ريفيلينو في المراوغة، ورؤية غيرسون، وروح وسعادة غارينشا، وسرعة ومهارة وقوة جيرزينيو ورونالدو، والقدرة التكتيكية لزيكو، وإبداع روماريو». وفوق كل هذا، كان رونالدينيو يمتلك مهارة استثنائية للغاية وهي قدرته على أن يجعلك تبتسم.كانت ابتسامته الأشهر وسحر أدائه الكروي ذاع صيته أيضا، هذا هو اللاعب البرازيلي رونالدينيو الذي دشن الحقبة الذهبية لنادي برشلونة وكان الأب الروحي للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي. وقال نادي برشلونة، الذي شهد أكثر فترات النجم البرازيلي تألقا في عالم كرة القدم، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «رونالدينيو، ابتسامة كرة القدم، سحر كامب نو، نشكرك على كل شيء». وجاءت تغريدة النادي الكتالوني على خلفية إعلان روبرتو اسيس موريرا، شقيق ووكيل أعمال رونالدينيو، الثلاثاء اعتزال الأخير نهائيا بعدما وصل إلى الـ37 من العمر.وكان برشلونة هو أبرز الأندية التي لعب لها رونالدينيو عبر مسيرته الطويلة، رغم النهاية المريرة لعلاقته الرائعة بهذا النادي بعد خمس سنوات قضاها بين جدرانه. ومع وصول لاعب الوسط رونالدينيو جاوتشو في العام 2003 إلى صفوف برشلونة بدأت الحقبة الأكثر نجاحا في تاريخ النادي الإسباني، كما تزامن رحيله عن الفريق مع بداية بزوغ نجم ميسي وانطلاقة الفريق التاريخية مع المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا. وفاز النجم البرازيلي مع برشلونة بلقبين في الدوري الإسباني عامي 2005 و2006 ولقب وحيد في دوري أبطال أوروبا عام 2006 وكان النجم الأبرز داخل هذا الفريق بقيادة المدير الفني الهولندي فرانك ريكارد. وكان أكثر ما يميز رونالدينيو هو طريقة لعبه المرحة والجمالية وقدرته على مراوغة الخصوم، بالإضافة إلى شعره المجعد واحتفاله المميز بالأهداف برفع إصبعيه السبابة والإبهام مع ابتسامه هي الأكثر إثارة للانتباه. وقال لويس إنريكي، المدير الفني السابق لبرشلونة، في العام الماضي: «رونالدينيو كان أحد أبرز اللاعبين الكبار في نشر الفرحة وكان أكثرهم استمتاعا بكرة القدم في الوقت الذي لم يكن يعرف الفرح طريقه إلى هذا النادي». وداخل الملعب، قدم رونالدينيو دعما كبيرا للاعب الصاعد ليونيل ميسي عندما كان يخطو أولى خطواته في عالم كرة القدم. وكان النجم الأرجنتيني يحتفل بأهدافه مع زميله البرازيلي، وكان هدف ميسي الأول في الدوري الإسباني مثالا صارخا يدلل على مدى ارتباط النجمين ببعضهما البعض، فقد حمل رونالدينيو الفتى الصاعد على ظهره بعد أول أهدافه الرسمية والذي كان في مرمى ألباسيتي.وفي ذلك اليوم تحديدا بدأ تاريخ جديد لكرة القدم، وقال رونالدينيو بعد سنوات من ذلك الهدف: «الهدف الأول لميسي كان من صناعتي وهذا أمر يروق لي كثيرا، هناك ظهر الوحش، هناك بدأ كل شيء». ورغم أنه تحول إلى أحد أيقونات برشلونة بفضل أدائه الأسطوري، بدأ نجم رونالدينيو في الأفول خلال الفترة الأخيرة من حقبته في إسبانيا بسبب تراجع مستواه داخل الملعب وحياته غير المنضبطة خارجه. وبعد وصول غوارديولا إلى مقعد المدير الفني لبرشلونة أعلن أن رونالدينيو ليس من ضمن حساباته خلال فترة إعادة بناء الفريق، كما اتهمه بجانب اللاعب البرتغالي ديكو بالتسبب في ضياع الحماس والرغبة في تحقيق الانتصارات داخل النادي.ولم يتوقف رونالدينيو عن إظهار عبقريته وسحره بعد الرحيل عن برشلونة، وشهدت السنوات الثلاث التي قضاها مع إنترميلان تألقه بشكل كبير، ولكنه لم يتخل مع وصوله للنادي الإيطالي عن عشقه للرقص وللسهرات الليلية. وأحدث رونالدينيو أثره الكبير أيضا في بطولة كأس العالم بكوريا واليابان 2002، الذي توج بلقبها مع منتخب البرازيل الذي كان أحد أضلاع مثلثه الهجومي الرائع بجانب الظاهرة رونالدو والنجم الكبير ريفالدو.ودون رونالدينيو اسمه في السجل التاريخي لبطولات كأس العالم بفضل الهدف الرائع الذي سجله في شباك إنجلترا عام 2002 من ركلة حرة مباشرة من مسافة بعيدة باغت بها الحارس الإنجليزي ديفيد سيمان. وخاض رونالدينيو أيضا منافسات كأس العالم 2006 في ألمانيا التي تزامنت مع أفضل فترات تألقه كلاعب كرة قدم، ولكن البرازيل ودعت تلك النسخة من البطولة مبكرا في دور الثمانية على يد فرنسا من دون أن تسنح فرصة للاعب المخضرم بالتألق على أرضية الملعب.ودخل رونالدو دي اسيس موريرا أو رونالدينيو، كما يحب أن يلقب، إلى تاريخ الكرة البرازيلية كأحد أفضل لاعبيها على مر التاريخ، رغم الآراء التي كانت تؤكد أنه كان قادرا على تقديم ما هو أكبر من ذلك. وفي العام 2005 حصد رونالدينيو جائزة الكرة الذهبية التي كانت تمنحها منفردة في ذلك الوقت مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية، وحصل أيضا على تكريم الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» عندما منح جائزة أفضل لاعب في العالم عامي 2004 و2005، قبل أن يتم دمج هذه الجائزة في وقت لاحق مع جائزة الكرة الذهبية.
مشاركة :