شراكة فنية مميزة جمعت بين أحد أهم الموسيقيين في تاريخ الفن، وبين كوكب الشرق أم كلثوم لفترة طويلة فكان هو أحد من قدمها للجمهور ثم أحدث نقلة في غنائها، وصولًا للخلاف الشديد الذي وصل لذروته بينهما وشهدته ساحات المحاكم ثم ينتهي بالتصالح.زكريا أحمد المولود في 6 يناير 1896 بدأ دراسة القرآن وتعلمه في كتاب الشيخ "نكلة" وهو في الرابعة من عمره، من بعدها انتقل للأزهر الشريف حيث أمضى 7 سنوات مع اهتمام بجلسات الذكر والإنشاد والموالد بدأت موهبته الغنائية تظهر، لكن والده أصر على إلحاقه بمدرسة ماهر باشا في حي القلعة.عشق زكريا أحمد للغناء تسبب في طره من المدرسة في اليوم الأول له فكان مجنونًا بالغناء والإنشاد لم يستمر كثيرًا في المدرسة يتنقل بين مدارس "الحيالي يوسف" وخليل أغا" على أمل أن يكمل تعليمه لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في الغناء والطرق وتعلم الموسيقي.تعثرت حياة الصبى زكريا أحمد فى فترة المراهقة، ومن بعدها أقنعه أصدقاؤه أن يمتهن مهنة المُقرئ بما فيها من وقار وهيبة، وعهد أبوه إلى الشيخ درويش الحريري فى تعليمه وتحفيظه القرآن الكريم حتى يليق الصبى زكريا أحمد بمهنة المُقرئ. وظلَ زكريا فى صُحبة الشيخ درويش 10 سنوات، كمّا تزوج زكريا أحمد من شقيقة الشيخ درويش وتوطدت بينهما العلاقة.وبعدها حثه الشيخ درويش على الغناء فى بطانة الشيخ سيّد محمود، ولكنه لم يلزمها غير أشهر وعاد زكريا احمد إلى مهنته الأصلية كمُقرئ مرة أخرى.وفى عام 1914، عاد الشيخ زكريا أحمد للفن مره أخرى، فالتحق ببطانة الشيخ على محمود كمُنشد دينىَّ، وبدأ يتردد على الحفلات ويُغنى بها، وأُعجب به الناس إلى أن اصبح مُتعهدى الحفلات يطلبونه بالاسم، ثم بدأت الفرق الغنائية الأخرى تجتذبه للعمل بها.ومن بعدها، حاول الشيخ زكريا أحمد أن يختبر موهبته فى التلحين، فخاض التجرُبة لأول مرة فى 1916؛ إذ قدمَ الحانه مجانًا لعرض «فقراء نيويورك» والذى قدمته فرقة مسرحية من طلبة هواه ضمت ممثلين شباب آنذاك؛ أبرزهم حسين رياض وحسن فايق.وعندما حلَّ العام 1924، قررَ الشيخ زكريا أن يبدأ مشواره فى التلحين، بعد أن قام بدراسة التراث والأصول الموسيقية والتدوين الموسيقى، وقدمه الشيخ على محمود لإحدى شركات الاسطوانات كمُلحن موهوب، فتعاقد معها على بعض الالحان التى نجحت بعد ذلك.في هذه الفترة التقى زكريا أحمد بالمطربة المبتدئة أم كلثوم، تغيرت الحانه وأصبح يقدم ما كان يتمنى أن يقدمه من قبل، ويقول فى مقال له بعنوان «كيف قابلت أم كلثوم لأول مرة»: «عندما أعود بذاكرتى إلى الوراء، وأستعين بمفكراتى القديمة التى احتفظ بها، أجد أننى لم أسمع بأم كلثوم قبل عام 1919، ففى ذلك العام دُعيت إلى إحياء شهر رمضان عند أحد تُجار السنبلاوين، وقد عرفنى به الشيخ أبو العلا محمد، واتفق معى التاجر على أجر مناسب بشرط أن اغنى بعد تلاوة القرآن، وبالفعل ذهبت إلى السنبلاوين».ويضيف زكريا أحمد: «بدأ شهر رمضان وبدأت معه السهرات، وفى إحدى الليالى اخبرونى انهم اعدوا مفاجآة عظيمة، فإنهم اكتشفوا فى بلدة مجاورة أجمل صوت سمعوه، وانتظرت حتى حضرت فتاة صغيرة تلبس العُقال وتتعثر فى خطواتها الخجِلة. ولا أدرى السر الذى جذبنى نحو هذه الفتاة وجعلنى اؤمن بموهبتها العجيبة، وبدأت اُحادثها فأعجبنى ذكاؤها الخارق بالنسبة لسنها الصغير، وخفت دمها التى لم تُفارقها إلى الآن». من هذه الفترة قدم «زكريا أحمد» لأم كلثوم أغاني مثل «الورد جميل، أنا في انتظارك، حبيبي يسعد أوقاته، أهل الهوى، عن العشاق، غني لي شوي شوي» وغيرها من الألحان الشهيرة. في نهاية العام 1948 بدأ الخلاف يدب بين الأستاذ وتلميذته النجيبه بعدما فوجئ بأن جزءًا كبيرًا من حقوقه لا يستطيع الحصول عليه، بعدما وقّع على عقد مع الإذاعة المصرية نص على الحصول على 5% من أجر أي مطرب أو مطربة مقابل تقديم ألحانه للإذاعة، باستثناء «أم كلثوم وصالح عبدالحي والشيخ طه الفشني»، ليصبح المقابل الذي يحصل عليه نظير إذاعة ألحانه لهم محلًا للتفاوض بين الإذاعة وبينه.توقع زكريا أحمد وقتها أن تقف أم كلثوم معه، بينما رأت كوكب الشرق أن على أستاذها الابتعاد عن «الشوشرة» مراعاة لعلاقتهما القوية، لتبدأ من هنا القطيعة، ويتخذ زكريا طريق المحاكم الذي بدأه في 15 أكتوبر عام 1948.قدم محامي زكريا أحمد عريضة خاصة اشتملت على: «إلزام الإذاعة وأم كلثوم متضامنين بأن يدفعا لزكريا أحمد مبلغًا قدره 43 ألفًا و444 جنيهًا و666 مليمًا، وإلزام الإذاعة وحدها بأن تدفع مبلغًا قدره 456 جنيهًا للمدعى، ومبلغًا قدره 889 جنيهًا و300 مليم، نظير حقوق زكريا لدى الإذاعة وأم كلثوم خلال الفترة بين سنتي 1937 و1947».13 عامًا من الفشل في الوساطة والصلح بينهما، إلى أن جاء يوم 25 يناير عام 1960، حيث نادى القاضي على «شيخ الملحنين» والسيدة أم كلثوم، ليقفا جوار بعضهما، ثم بدأ حديثه حول فن «الست» وعشقه لما قدمته، وكذلك فعل مع «زكريا أحمد»، وتستمر المناقشة بين الأطراف الثلاثة 5 ساعات كاملة، بإصرار كبير على الصلح بين الطرفين.سكت الحديث لحظة، ولم يسمع في القاعة إلا صوت بكاء زكريا أحمد وهو يقول: «لا الفلوس بتدوم ولا الشتيمة بتلزق، وأنا لا أقدر على مواصلة التقاضي مع أعز فنانة إلى نفسي»، لتبكي معه كوكب الشرق ويرق قلباهما وينتهي الخلاف داخل المحكمة، إلا أن أهم ما أثمر عنه انتهاء الخلاف هو تقديم زكريا أحمد أحد أشهر ألحانه وأغانيه لـ أم كلثوم، أغنية «هو صحيح الهوى غلاب» عام 1960.بعد تلك الأغنية كان مقررا أن يلحن زكريا أحمد لكوكب الشرق أغنية «أنساك» بعدما قدمتها له ومعها الشاعر مأمون الشناوي مؤلفها لكن وافته المنية قبل الإنتهاء منها لتنتقل الأغنية إلى تلميذه سيد مكاوي ومنه إلى محمد فوزي ثم بليغ حمدي الذي قام بتلحينها في الأخر.
مشاركة :