العد التنازلي يقترب من نهايته، وسيعود الفندق الأشهر في الرياض والسعودية (الريتز كارلتون) في الـ25 من شباط (فبراير) لاستقبال ضيوفه من الزوار والنزلاء العاديين، وقبل ذلك لاستقبال زوار «الفضول» من «المغرّدين» و«المسنّبين» و«الموتسبين» و«المفسبكين»، الذين سيتجهون إلى الفندق للتجول والتصوير بجوالاتهم في بهوه الضخم وأمام المصاعد والبوابات والممرات، لتوثيق اللحظات الأولى لمرحلة ما بعد «محتجزي الريتز»، وسنتابع عبر وسائط التواصل من سينزلون في الأجنحة والغرف وينسجون من على أسرتها المخملية قصصاً ودراما من نسج الخيال، وسنفاجأ بمن سيقول لنا: هنا كان يقضى «فلان» معظم وقته، ومن هذه الشاشة كان يتابع الأخبار، وعبر هذه النافذة كان يتسلل شعاع الشمس والحريّة إلى غرفته، وما إلى ذلك من قصص وحكايات. وسيتحول عمال النظافة والخدمات و«الروم سيرفس» إلى نجوم الأسبوع، تلاحقهم الكاميرات واللقاءات، ما لم تُعْطَ لهم التعليمات الصارمة من إدارة الفندق بعدم التجاوب مع أي وسيلة إعلامية أو غيرها، وهذا ما أتوقعه. لن يغيب هذا الفندق عن ذاكرة السعوديين أبداً، وسيظل أيقونة في تاريخهم الحديث، بل وسيحول لروايات تكتب وأفلام تنتج، خصوصاً أنها تعد سابقة تاريخية أدهشت الإعلام الغربي، الذي ظل طويلاً يتناول في الصحف والقنوات التلفزيونية ما سمّوه بـ«سجن النجوم السبعة». مرحلة «الريتز»، إن صحت التسمية، كانت تمثل منعطفاً غير عادي في حياة السعوديين، نقلتهم مع الصدمة «الإيجابية» خلال عشية وضحاها إلى عالم مختلف وبيئة جديدة بكل المقاييس، وبعيداً عن الناتج العام والمحصلة النهائية وعمن خرج ببراءة، ومن خرج بتسوية، ومن سيحال لـ«الحائر» تمهيداً لمحاكمته، فقد شكلت المرحلة بكل أبعادها المشهد الأبرز والأشمل في كل تفاصيل الحياة الاجتماعية في المنزل والمكتب والمدرسة والجامعة والمجلس والاستراحة، ومن الطبيعي أن ينعكس كل ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي كافة، بل إن «الريتز» في وجهه الآخر كان يمثل كابوساً يتنقل من مدينة إلى أخرى يلاحق الكثيرين ممن كانوا يتحسسون فوق رؤوسهم، ويتوقعون طارق الباب في أي لحظة أو رقماً غريباً على شاشات جوالاتهم في أي وقت. وعلى رغم البيانات المقتضبة للنيابة العامة منذ اليوم الأول للاحتجاز وبداية التحقيقات وإلى اليوم، والتي كانت تستدعي معها مثل هذه النوعية من الإجراءات، إلا أن المجتمع كان يتناقل قصصاً وروايات ذات مفارقات عجيبة وكبيرة جداً ابتدعتها جهات خارجية، وغذّتها بإشاعات ودسّت فيها معلومات ذات أهداف ومخططات مسيئة تنال من الأمن الوطني والمجتمعي. السؤال العريض الذي بدأت تتشكل معه حزمة من الأسئلة قبل أن ينفض سامر «الريتز»؛ هل انتهت أعمال اللجنة العليا التي تشكلت بأمر الملك وبرئاسة ولي العهد؟ ثم ماذا بعد هذه المرحلة؟ وكيف سيسير مشروع مكافحة الفساد؟ وهل «الريتز» كمرحلة انتهت؟ أم هناك «ريتز2».. و«ريتز٣»؟ هذه التساؤلات وغيرها الكثير من المؤكد أنه سيجاب عليها من خلال النائب العام، ولكنها بلا شك تمثل نتاجاً عاماً لتفاعل ضخم شهده المجتمع طوال الشهرين الماضيين، ولعلي أرى هنا والمجتمع كذلك وبعيداً عن التفاصيل الدقيقة التي لا يملك الإجابة عليها سوى النائب العام، أن نتطلع إلى ألا يكون مشروع مكافحة الفساد هو مهمة الأمير محمد بن سلمان وفريقه وحدهم، بل نريده أن يتحول إلى مشروع وطني ضخم، ليشكل ثقافة مجتمع في كل أصقاع الوطن، ويمثل منهج حياة في كل مكوّن من مكونات الحياة. لا يوجد هناك من يجزم بأن مشروع «#الحرب_على_الفساد» مُرَحَّبٌ به من الجميع، فهناك من يعيشون على الفساد وظلّه وضلاله، بل وحتى رائحته كالمدمنين تماماً، يحاربون المشروع الآن، وسيحاربونه فِي المستقبل بلغة ماكرة خبيثة تظهر فيه ما لا تبطن، وهذا هو قدر مشاريع الإصلاح الكبرى في العالم، تحظى بأغلبية ولا تحظى بإجماع! khaliddarraj@
مشاركة :