فوضى انتخابية تكرس اليأس من إصلاح العملية السياسية في العراق

  • 1/20/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فوضى انتخابية تكرس اليأس من إصلاح العملية السياسية في العراقالصراعات المحتدمة على الانتخابات العراقية، حتى قبل تحديد موعدها، هي من الإفرازات الطبيعية للعملية السياسية المشوّهة الجارية في العراق منذ سنة 2003 والتي تبتعد فيها “اللعبة الديمقراطية” عن التنافس بين البرامج والمشاريع السياسية لتتلخّص في مجرّد الصراع على المناصب والمكاسب، ما يكرّس ظاهرة اليأس من إصلاح تلك العملية، ويبرّر الدعوات إلى إسقاطها وإعادة بنائها على أسس جديدة.العرب  [نُشر في 2018/01/20، العدد: 10875، ص(3)]خيارات متعددة والنتيجة دائما واحدة بغداد - سلّطت الضجّة الكبيرة الثائرة حول الانتخابات العراقية وموعدها، والسباق المحموم على تشكيل التحالفات لخوضها، الضوء مجدّدا على عيوب العملية السياسية الجارية في العراق منذ 2003، مكرّسة حالة اليأس من إطلاق أي عملية إصلاحية وإحداث أي تغيير جذري للأوضاع القائمة بالبلد في ظلّها. ولخّص مرجع ديني عراقي تلك الحالة بدعوته إلى مقاطعة الانتخابات المكرّسة للعملية السياسية التي وصفها بـ”التدميرية”. واعتبر المرجع الشيعي جواد الخالصي في خطبة الجمعة بمدينة الكاظمية في العاصمة بغداد، أنّ من يشارك في الانتخابات يحكم على موقفه بـ”الخيانة”. ويدرك الخالصي باعتباره رجل دين، الدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه مرجعية النجف باستخدام سلطتها الروحية في دفع الناس إلى الذهاب في الانتخابات إذا ما شعرت الجهات السياسية المستفيدة من إجرائها بالخطر. وهو خطر يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بالعملية السياسية برمّتها. لذلك فإن مقاطعة الانتخابات التي يدعو إليها الخالصي يمكن أن تعتبر نوعا من العصيان الذي سيفسر من قبل المؤسسة الدينية من جهة كونه اصطفافا مع التنظيمات الإرهابية التي لا تزال خلاياها النائمة تتحرك في الخفاء. ومن شأن تفسير طائفي من هذا النوع أن يلقي بظلال قاتمة على الدعوة التي تقدّم بها النواب السنّة من أجل إرجاء موعد الانتخابات أو على الأقل تأجيلها في المناطق التي ما يزال سكانها مشرّدين بسبب الخراب الذي تعرضت له أثناء الحرب على داعش. وقال الخالصي في خطبته “إذا كانت هذه الانتخابات يمكن أن تثمر شيئا كما يظن البعض أو كما كان يقال في الماضي، فمن أراد أن يشارك ويجد فيها شيئا فهو مسؤول أمام الله تعالى عن ذلك، ولكن اليوم وبعد إجماع الأمّة والشعب العراقي على بؤس النتائج التي خرجت من الانتخابات، فإن من يشارك فيها وهو لا يرى فيها إلا تمرير المشروع المعادي، فهو بذلك يحكم على موقفه بالخيانة وعلى تصرفه بالحمق وعدم التعقل”. وتساءل “هل نذهب إلى الانتخابات مرة أخرى وبنفس الطريقة فنفرز نفس الوجوه. وهذا يعني أن الأزمة ستستمر، ونذهب فنشارك في صنع الكارثة وتكون باسمنا”. ويلفت انتباه المراقبين، التقاء إيران وواشنطن، في الموقف الداعم لإجراء الانتخابات العراقية في موعدها. وذلك هو الجزء المضمر من خطاب الخالصي. فحين يصف العملية السياسية بالعملية التدميرية فإنه يشير إلى أن تلك العملية هي تجسيد للمشروع الأميركي-الإيراني القائم على فكرة تجميد العراق في لحظة لا يغادرها أبدا، وما طاقم الحكم المتفّق عليه من قبل واشنطن وطهران، والذي يسعى من خلال الانتخابات إلى تجديد بيعة الشعب له إلاّ حارس ومنفذ لذلك المشروع. مشروع أميركي-إيراني قائم على فكرة تجميد العراق في لحظة لا يغادرها أبدا ويحرسه طاقم الحكم الحالي ونشطت خلال الأيام الماضية عملية تشكيل التحالفات الانتخابية في ظاهرة شبّهها مراقبون بالمزاد نظرا إلى طغيان الحسابات النفعية والمصلحية عليها، مع غياب كامل للبرامج والمشاريع السياسية. وصُدمت الأوساط العراقية حين أُعلن بادئ الأمر عن تشكيل تحالف بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الرافع للواء الإصلاح وعبور الطائفية وضبط فوضى السلاح وحصره بيد الدولة، مع أبرز قادة ميليشيات الحشد الشعبي وعلى رأسهم رجل إيران القوي في العراق هادي العامري، إلاّ أنّ ذلك “التحالف” لم يعمّر سوى أيام قليلة حيث أعلن العامري التراجع عنه لأسباب وصفها ناطقون باسمه بـ”التقنية”، لكنّ المطّلعين على كواليس الأحزاب الشيعية أرجعوا السبب الحقيقي إلى إقحام العبادي لتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم ضمن تحالفه، فيما التيار غير مرغوب فيه من قبل عدد من قادة الميليشيات. ويمكن اعتبار العبادي أبرز المتضرّرين من أحداث هذا الأسبوع حيث تحطّمت صورة الإصلاحي والساعي إلى التغيير التي عمل طيلة سنوات رئاسته للحكومة على رسمها لنفسه، وذلك عندما اكتشف العراقيون أنّ الرّجل مستعد للتحالف مع أي طرف لأجل العودة إلى سدّة رئاسة الحكومة مجدّدا. وكنتيجة أوّلية مباشرة لذلك، تحدّى متظاهرون، أمس الجمعة، الإجراءات الأمنية المشدّدة وسوء الأحوال الجويّة، وخرجوا إلى ساحة التغيير في بغداد، للمطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين في مؤسسات الدولة واتخاذ إجراءات حقيقية ضدّهم. ومع عجز العبادي عن تحقيق أي من وعوده بشأن الإصلاح، ومحاسبة كبار الفاسدين الذين ليسوا سوى بعض شركائه في الحكم وأبناء عائلته السياسية الشيعية التي لم يستطع الانفصال عنها، تبقى قيادته الموفّقة للحرب ضدّ تنظيم داعش، ورقته الانتخابية الوحيدة التي يراهن عليها، لكنّ الإشكال أن قادة الميليشيات التي شاركت في تلك الحرب بفاعلية ينافسونه عليها بشدّة. ويتّخذ رئيس الوزراء من ورقة النصر العسكري على داعش أساسا لدعايته الانتخابية التي شرع فيها بالفعل في وقت مبكّر. وخلال مشاركته، الجمعة، في تجمّع بكربلاء، قال العبادي إنّ “العراقيين حققوا معجزة النصر ويستطيعون تحقيق معجزة محاربة الفساد وإعمار البلد”، محذّرا ممّا سماها محاولات “خلط الأوراق”، في إشارة إلى دعوات تأجيل الانتخابات. وترافق “مزاد” تشكيل التحالفات الانتخابية، مع تفجّر خلافات حادّة حول القانون الانتخابي وضبط موعد نهائي للاستحقاق، وهي خلافات لم تنفصل بدورها عن عامل المصلحة بين كتلتين كبيرتين، تجمع الأولى معظم الأحزاب الشيعية الحاكمة المتمسّكة بإجراء الانتخابات في موعدها المقرّر مبدئيا لشهر مايو القادم، رغبة في استثمار الانتصار العسكري المتحقّق على تنظيم داعش عملا بقاعدة “طرق الحديد وهو ساخن”، وكتلة ثانية تجمع بشكل أساسي عددا من الشخصيات والقوى السياسية السنية التي تخشى أن يعاقبها الناخبون على عجزها عن حماية أبناء المناطق السنية التي دارت فيها أغلب فصول الحرب على داعش وطالها دمار كبير وحفّت بسكانها ظروف بالغة السوء، فيما لم يُبد الساسة الذين يدّعون تمثيل تلك المناطق أيّ قدرة على التخفيف من معاناة أهلها.

مشاركة :