ذكر تقرير «الشال» أن إحدى الحجج المقدمة لتسويق مشروع التقاعد المبكر، هي إتاحة فرص عمل بديلة مكان من تركوا الخدمة، بينما الجميع يعرفون أن أكثر من نصف العاملين في القطاع العام هم بطالة مقنعة، وأن الحل يكمن في استخدام الموارد المتاحة حالياً لخلق فرص عمل حقيقية لـ 420 ألف قادم إلى سوق العمل، خلال 15 سنة قادمة. قال تقرير "الشال" الأسبوعي، إنه لا بأس من التذكير بما ذكره في تقرير سابق حول تجربة مشروع للتقاعد المبكر، ففي عام 2007، أقرت الكويت نظاماً جزئياً للتقاعد المبكر في ثلاث مؤسسات أمنية -الجيش والحرس الوطني والداخلية- وقطاع النفط، وتسبب ذلك النظام بتكلفة مالية باهظة، وإن جاءت في زمن رواج سوق النفط، والأهم، باستنزاف الجهات الأربع من معظم أفضل ما لديها من قدرات بشرية، وانعكست آثاره الشديدة السلبية على أداء المؤسسات الأربع حتى يومنا هذا، ومن غير المحتمل أن تعوض خسائرها البشرية في المستقبل المنظور. ووفق التقرير، في عام 2018، وبعد أكثر من 3 سنوات على سقوط سوق النفط حتى بات الحفاظ على مستوى أسعار حول نصف مستواها قبل السقوط وفي أحسن الأحوال، يطرح نظاماً جديداً للتقاعد المبكر وخفض فوائد الاقتراض من نظام التأمينات وكأننا لم نتعلم من تجربة سابقة وفاشلة لنا، ولم نفطن بعد إلى أن المالية العامة مهددة بحريق، ونظام التأمينات الاجتماعية حساس جداً، فالموازنة ما بين تدفقاته النقدية الداخلة وتلك الخارجة وعلى مدى زمني طويل، أي الآنية والمستقبلية، هي ما يضمن استقراره وعدالته، وبينما يراهن بعض السياسيين على شراء ولاء متقاعدي الحاضر، خلل التوازن يمزق شبكة الأمان لمنتسبيه في المستقبل، وعددهم أكبر بكثير وظروفهم أسوأ. وفي التفاصيل، فإن إحدى الحجج المقدمة لتسويق المشروع، هي إتاحة فرص عمل بديلة مكان من تركوا الخدمة، بينما الجميع يعرف أن أكثر من نصف العاملين في القطاع العام بطالة مقنعة، وأن الحل يكمن باستخدام الموارد المتاحة حالياً لخلق فرص عمل حقيقية لـ 420 ألف قادم إلى سوق العمل، وخلال 15 سنة قادمة. الكل يعلم، أن حجة أخرى تستخدم لتسويق التقاعد المبكر هي أن هناك أخطاء وخطايا في استثمارات التأمينات وسرقات أيضاً، وهي ما يتسبب في العجز، والحل ليس في مزيد من تقويض التوازن، وإنما في علاج ما يشوب نظام الاستثمار إن وجد، وعقاب الفاسد. فالمطلوب هو إصلاح النظام، وليس كسر ذراعه الثانية، لأن الذراع الأخرى، لا تعمل كما يجب، وهي حجة مماثلة للتسامح من الهدر انتقاماً من الفساد. حجة ثالثة لتسويق النظام تتلخص في أن كرم الحكومة التي تدفع نحو ثلاثة أضعاف، ما يدفعه الموظف لنظام التقاعد سوف ينخفض عندما يترك أصحاب المرتبات العالية لصالح المرتبات الحديثة. والواقع أن القلق يفترض أن يكون حول المدى الزمني، الذي تستطيع فيه الحكومة الاستمرار بكرمها في ظل واقع باتت فيه استدامة المالية العامة مكان شك كبير، حينها من سوف يتحمل تبعات جريمة فشل ضمان مستقبل المتقاعدين الجدد؟ ولعل أفضل ما حدث في نقاشات الأسبوع قبل الفائت، وهو مقدر، قرار التريث لثلاثة أشهر من أجل إنجاز دراسة مهنية حيادية حول التكلفة، ونكاد نجزم بأن نتائج دراسة الحسابات الاكتوارية، سوف تؤكد عجوزاتها، سواء بأرقام أعلى أو أدنى، مما يعني اختلال توازنها. لكن، يبقى المهم هو أن نراعي النظر إلى أي مقترح من زاوية أعمق، لا تأخذ في حساباتها فرضيات الواقع الحالي، وإنما متغيرات المستقبل، والمستقبل في ظروف ما سوف يؤول إليه مستقبل سوق النفط، سوف يضاعف من أثر خطايا الحاضر. لقد كان زمن إصلاح وديمومة المالية العامة هو زمن رواج سوق النفط كما في التجربة النرويجية، لكنها فرصة كبيرة ضاعت بعد أن تضاعف حجم النفقات العامة 5 أضعاف في 17 سنة، وسوف يلحق الخراب بنظام التأمينات إذا أقرت مثل هذه المقترحات.
مشاركة :