أعلن الجيش التركي أمس، بدء هجوم بري وجوي في عفرين ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية بمشاركة «الجيش السوري الحر»، فيما توعدت «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة بالدفاع عن نفسها متهمة تركيا باستغلال مزاعم بقصف عبر الحدود ذريعة لشن هجوم في سورية (عملية عفرين). وحذّرت في بيان أمس من أنها «لا تجد خياراً أمامها سوى الدفاع عن نفسها إن تعرضت لهجوم». وأكد الناطق باسم «وحدات حماية الشعب» الكردية روجهات روج أن مقاتلات تركية قصفت مدينة عفرين وعدة قرى مجاورة لها أمس، مشيراً إلى سقوط عدد من الإصابات. وقال إن «لا توجد حالياً» اشتباكات بين القوات التركية ووحدات حماية الشعب، مشيراً إلى «مناوشات فقط على حافة منطقة عفرين». وأطلقت رئاسة الأركان التركية تسمية «غصن الزيتون» على العملية العسكرية، مشيرة إلى أنها انطلقت رسمياً عند الساعة الخامسة من عصر أمس، وتهدف إلى «إرساء الأمن والاستقرار على حدودنا وفي المنطقة والقضاء على إرهابيي الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني وداعش في عفرين وإنقاذ شعب المنطقة من قمع وظلم الإرهابيين». وفي أول تعليق روسي رسمي على العملية التركية، عّبرت وزارة الخارجية الروسية عن «قلقها» إزاء التطورات ودعت الأطراف إلى «ضبط النفس». وأكدت الوزارة أن روسيا متمسكة بموقفها في حل الأزمة السورية القائم على «حماية وحدة أراضي سورية واحترام سيادتها». وكشفت وزارة الدفاع الروسية أنها أعادت تمركز مجموعات تابعة لها وأفراد من الشرطة العسكرية، بعد نقلها من منطقة عفرين السورية. وأعلن عضو لجنة الأمن في البرلمان الروسي فرانتز كلينسفيتش، أن روسيا ستدعم سورية ديبلوماسياً وستطلب من الأمم المتحدة دعوة تركيا لوقف عمليتها العسكرية في عفرين. وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة «ريا» الروسية أن «سورية لن تطالب وحدها بوقف هذه العملية. روسيا ستدعم هذا الطلب وستقدم المساعدة الديبلوماسية» لدمشق. وبدأت عناصر فصائل «الجيش السوري الحر» دخول مناطق سيطرة «الوحدات» في عفرين، تزامناً مع شنّ مقاتلات حربية تركية أولى غاراتها على مواقع المقاتلين الأكراد في المنطقة. أتى ذلك عقب إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الهجوم على بلدة عفرين «بدأ عملياً على الأرض»، وأنه سيتوسّع ليشمل مدينة منبج وصولاً إلى الحدود العراقية. وقال أردوغان في خطاب أمس إن القوات التركية «ستقوم تدريجياً بتنظيف بلدنا وصولاً إلى الحدود العراقية من هذه القذارة الإرهابية التي تحاول محاصرتنا». وأكّد أن عملية عفرين «بدأت عملياً على الأرض ومنبج ستكون التالية»، من دون أن يوضح ما إذا اجتازت قوات برية الحدود. وأضاف: «لم يتم الإيفاء بالوعود التي قُطعت لنا في شأن منبج. فلا يمكن أحداً أن يعترض على قيامنا بما يلزم»، في إشارة إلى «تطمينات» أميركية سابقة بأن «الوحدات» ستنسحب من عفرين. وشدّد الرئيس التركي على أن بلاده ستدمّر «خطوة خطوة» ما وصفه بـ «الممر الإرهابي» الذي أقامه المقاتلون الأكراد. وتتهم أنقرة «الوحدات» بأنها امتداد لـ «حزب العمال الكردستاني» الذي شنّ تمرداً جنوب شرقي تركيا لأكثر من ثلاثة عقود، وتعتبره أنقرة وحلفاؤها في الغرب «مجموعة إرهابية». وتساءل: «أتعلمون من هو المحتل في سورية؟ إنه كل من يقتل الشعب السوري بجميع فئاته بمن فيهم الأطفال. وهل هناك محتل أكبر ممن قتل قرابة مليون شخص؟»، مؤكداً أن حكومته تعلم جيداً بأن تركيا لن تكون في أمان ما دامت سورية غير آمنة. وأردف: «وجودنا في هذه الجغرافيا منذ 1000 عام، هو بفضل شجاعتنا وصبرنا، ولن نتوانى عن القيام بمسؤولياتنا»، مشدداً على أن بلاده «لا تتبنى أدنى توجه سلبي إزاء وحدة الأراضي السورية ومستقبلها المستقل والمزدهر والمطالب الديموقراطية لشعبها». وبحث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون التطورات السورية في اتصال هاتفي أمس. وأفادت وكالة «الأناضول» بأن الاتصال جرى بطلب من الجانب الأميركي، من دون أن تقدّم مزيداً من التفاصيل. أتى ذلك، بعد اتفاق الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن مع مستشار الأمن القومي الأميركي هيربرت ماكماستر في اتصال هاتفي أمس، على «الشراكة الإستراتيجية الطويلة التي تجمع أنقرة وواشنطن»، وشددا على مكافحة الإرهاب بكل أشكاله «وعلى رأسها إرهاب حزب العمال الكردستاني وداعش والقاعدة»، كما جاء في بيان صدر عن الرئاسة التركية أمس. وأضاف أن كالن أكد «ضرورة وقف واشنطن دعم» المقاتلين الأكراد في سورية، لافتاً إلى أن الجانبين اتفقا على أن «تحقيق استقرار في سورية يدعم السلام والأمن في المنطقة، ويتم من طريق مرحلة انتقالية آمنة لا تشكل أي تهديد على جيرانها». وكانت الولايات المتحدة وصفت التهديدات التركية ببدء عملية عسكرية بأنها «تزعزع الاستقرار». وكان أوغلو أكد في تصريحات مساء الجمعة، أن على بلاده تنفيذ العملية في عفرين «مهما كلف الأمر». وأشار إلى «محاولات في السنوات الأخيرة القليلة لتشكيل ممر إرهابي على حدودنا الجنوبية من أجل زعزعة استقرار بلادنا»، مشدداً على أن «تركيا مثلما تحارب الإرهاب داخل البلاد، فإنها ستدخل سورية وعفرين وتقوم باللازم ضد العناصر الإرهابية، من أجل أمنها وأمن حدودها، إذا لزم الأمر». وسبق انطلاق العملية العسكرية، قصفاً مدفعياً تركياً استهدف مواقع للأكراد في عفرين ومخابئ ومعاقل يستخدمها مقاتلو «حزب العمال الكردستاني» و «حزب الاتحاد الديموقراطي» وجناحه العسكري المُتمثل بـ «الوحدات». وأوضح الجيش التركي في بيان أن المقاتلين الأكراد كانوا قصفوا مواقع تركية في وقت سابق. وأفاد نشطاء معارضون بأن مدفعية فصائل مسلحة سورية مدعومة من تركيا شاركت بالقصف المدفعي من الجهة الشمالية الشرقية. وكشفت تنسيقيات مسلّحي المعارضة عبر تطبيق «تلغرام»، بأن قوات «الفيلق الثاني» التابعة لـ «الجيش الحر» بدأت دخول الأراضي التركية تمهيداً لمشاركتها في معركة عفرين، وهي الدفعة الثانية من مقاتلي المعارضة الذين توجهوا لتركيا للغرض ذاته. وكانت قافلة تقل نحو ألف من مقاتلي «الجيش الحر» وصلت الجمعة إلى بلدة هاتاي الحدودية الجنوبية. وغادرت القافلة من بلدة أعزاز السورية، ودخلت تركيا عبر بوابة باب السلام الحدودية ووصلت إلى مجمع عسكري في هاتاي على الحدود السورية. وأجرى فصيل «لواء عاصفة الشمال» التابع لـ «الجيش الحر»، استعراضاً عسكرياً في مدينة أعزاز ليل الجمعة، تحضيراً للمشاركة في معركة عفرين. وقال القائد العسكري للواء في تصريح إلى موقع «سمارت»، إن 200 مقاتل شاركوا في الاستعراض، بعد تلقيهم تدريبات على استخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة للمشاركة في العملية التركية المرتقبة. ووفقاً لمصادر معارضة، فإن حوالى 20 ألف عنصر سيشارك في معركة عفرين، والتي تهدف في مرحلة أولى إلى فتح ممر بين ريف حلب الشمالي وإدلب. وأوضحت أن الفصائل أُبلغت من الجانب التركي أن الفترة الزمنية للمعركة غير محددة، مشيرةً إلى أن ما يجري على الأرض «تمهيد وعمليات صد ورد فقط».
مشاركة :