توتر بين برلين وطهران: الاتفاق النووي لا يعني موافقة على كل سياسات إيران

  • 1/21/2018
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

مراقبون يرون أن ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على القوى الأوروبية حول مخاطر التغاضي عن الملفات الخلافية تأتي أكلها.العرب  [نُشر في 2018/01/21، العدد: 10876، ص(4)]الصحافة الألمانية تؤكد أن إيران راعية للإرهاب الدولي برلين – ستهيمن إيران على الكثير من المحادثات التي سيجريها وزير الخارجية ريكس تيلرسون خلال جولته الأوروبية التي ستشمل لندن وباريس ووارسو، وخلال لقائه ببقية القادة الأوروبيين أثناء مشاركته في مؤتمر دافوس. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية أن “كيفية التصدي للنفوذ الإيراني الخبيث في منطقة الشرق الأوسط ستكون لها أولوية قصوى في مناقشاته”، فيما نقلت صحيفة فايننشال تايمز أن طهران اتفقت مع أوروبا على مناقشة برنامج الصواريخ الإيرانية ودور طهران في النزاعات الإقليمية، معتبرة أن ذلك جاء نتيجة ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومطالبته بإصلاح الاتفاق النووي. ونقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الخارجية الألمانية، أن وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، اتفقوا على بدء “محادثات مكثفة وجدية” بشأن برنامج إيران الصاروخي وتدخلاتها في شؤون بلدان المنطقة. وأبلغ وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريل نظيره الأميركي بنتائج هذا التوافق مع إيران التي تسعى جاهدة لإقامة علاقات جيدة مع أوروبا من أجل منع تشكيل جبهة دولية كبيرة ضدها بسبب سياساتها الإقليمية ومن أجل الوقوف معها ضد توجهات الرئيس الأميركي لإلغاء الاتفاق النووي. لكن أغلب المؤشرات تشي بأن إيران فشلت في ذلك، ففيما يؤكد المحللون أن الاتفاق النووي لن يستمر دون الولايات المتحدة، فإنهم يشيرون إلى أن التطورات الأخيرة في علاقة طهران ببرلين تشي بأن الجبهة الأوروبية التي تسعى إيران لتشكيلها أمر صعب التحقق. وفي أحدث مؤشر على التوتر بين إيران وألمانيا رفض القضاء الألماني طلب البنك المركزي الإيراني من شركة تابعة لسوق الأوراق المالية في ألمانيا إعادة نحو 5 مليارات دولار من أصول طهران المجمدة. والتي صودرت بطلب من محكمة أميركية لسداد تعويضات لأسر ضحايا التفجير الإرهابي في مقر قوات المارينز في بيروت عام 1983.النظام الإيراني سعى إلى استغلال العقوبات لدعم ادعاءاته القائمة على ارتباط الاحتجاجات الحالية بوجود مخطط خارجي لتهديد بقائه في السلطة إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن هذا الاهتمام الأميركي بملف حقوق الإنسان في إيران قوبل بردود فعل إيجابية في أوروبا نظام غير قابل للإصلاح في الوقت الذي وصفت فيه وسائل إعلام ألمانية النظام الإيراني بأنه “غير قابل للإصلاح”، أعلنت السلطات الألمانية في 16 يناير الجاري، عن حملة تفتيش واسعة لمكاتب ومنازل عشرة إيرانيين في مدن ألمانية بعد مراقبتهم لفترة لاشتباهها في تورطهم بعمليات تجسس لصالح الحرس الثوري. وقبل ذلك، كادت أزمة دبلوماسية تنشب في الـ11 من الشهر ذاته، بعد أن رفعت دعوات تطالب السلطات الألمانية بتوقيف رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام محمود هاشمي شاهرودي بسبب اتهامه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال فترة توليه رئاسة السلطة القضائية (1999-2009)، حيث كان يعالج في مستشفى بهانوفر قبل أن يقطع رحلة العلاج ويغادر ألمانيا. واللافت أن الدعوات التي طالبت بإصدار مذكرة توقيف ضد شاهرودي لم تصدر من جانب قوى المعارضة الإيرانية فحسب، وإنما أيضا من بعض الأحزاب الألمانية، التي وجهت انتقادات لتعامل السلطات الألمانية مع مثل تلك القضايا. فقد أكد فولكر بك، النائب السابق عن حزب الخضر الألماني، على أن ألمانيا “لن تتحول إلى مستشفى لمعالجة المجرمين”، في إشارة إلى معارضته لسماح السلطات الألمانية بإصدار تأشيرة دخول لشاهرودي، بالتوازي مع إشارة بعض قوى المعارضة إلى أنه مسؤول عن التصديق على أحكام إعدام لنحو 2000 شخص خلال توليه رئاسة القضاء. ودفع ذلك شاهرودي، وفقا لتقارير عديدة، إلى عدم التقيد بنصائح أطبائه وقرر وقف برنامجه العلاجي ومغادرة ألمانيا قبل أن تتطور الأمور وتصل إلى حد إصدار مذكرة توقيف ضده، بشكل كان سيمثل إحراجا قويا للنظام الإيراني على المستوى الدولي. من هنا يمكن القول إن الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في توجيه انتباه الدول الأوروبية نحو مخاطر التغاضي عن الملفات الخلافية الأخرى مع إيران لتعزيز المصالح الاقتصادية، بدأت تأتي ثمارها، رغم أن الضغوط الأميركية على إيران لم تصل بعد إلى المستوى الذي يمكن أن يدفع الأخيرة إلى تغيير سياساتها في الملفات الخلافية. وكان لافتا أن العقوبات الأخيرة التي فرضتها واشنطن على طهران، في 12 يناير الجاري، شملت شخصيات متهمة بدورها بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، على غرار صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية الحالي. ومع أن النظام الإيراني سعى إلى استغلال تلك العقوبات لدعم ادعاءاته القائمة على ارتباط الاحتجاجات الحالية بوجود مخطط خارجي لتهديد بقائه في السلطة إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن هذا الاهتمام الأميركي بملف حقوق الإنسان في إيران قوبل بردود فعل إيجابية في أوروبا. مغامرة الاستثمار في إيران يرجح أن يساهم ذلك في تعزيز دعوات بعض التيارات السياسية الأوروبية بضرورة عدم التعويل على المصالح الاقتصادية مع طهران، خاصة بعد أن بات واضحا أن الاستثمار في إيران يعتبر مغامرة، في ظل النفوذ الواسع للحرس الثوري وشركاته التي أدينت بدعم البرنامج النووي والإرهاب. في هذا السياق، لا يمكن استبعاد اتجاه العلاقات بين إيران وألمانيا إلى مرحلة تصعيد غير مسبوقة، بشكل سوف يؤثر سلبيا على الموقف الإيراني من الضغوط الأميركية المتواصلة، حيث كانت طهران تعول على الدعم الأوروبي للاتفاق النووي والمساعي التي تبذلها بروكسل لدى الإدارة الأميركية من أجل إقناعها بالاستمرار في العمل به وعدم اتخاذ المزيد من الإجراءات التي يمكن أن تعرقله.الدول الأوروبية تسعى في المرحلة القادمة إلى محاولة ممارسة ضغوط على إيران من أجل إبداء مرونة أكبر في التعامل مع القضايا التي تحظى باهتمام خاص من جانب الدول الغربية لكن تشدد إيران في المقابل في ملفات خلافية أخرى تتزايد مساحة الاهتمام الأوروبي بها، وخاصة من جانب ألمانيا التي تحظى بموقع رئيسي على الساحة الأوروبية في الفترة الحالية، سوف يدفع تلك الدول إلى تبني سياسة أكثر حزما في التعامل معها. وقد تسعى الدول الأوروبية في المرحلة القادمة، وتحديدا في الأشهر الأربعة المقبلة، وهي مدة التمديد الأميركي لتعليق العقوبات المفروضة على إيران، إلى محاولة ممارسة ضغوط على إيران من أجل إبداء مرونة أكبر في التعامل مع القضايا التي تحظى باهتمام خاص من جانب الدول الغربية بشكل عام، وعلى رأسها الصواريخ الباليستية وانتهاكات حقوق الإنسان، في ظل الضغوط الداخلية القوية التي تتعرض لها تلك الدول من أجل تغيير سياساتها مع طهران. لكن لا يتوقع أن تستجيب الأخيرة بسهولة لمثل هذه الجهود، باعتبار أن المحافظين المتشددين ما زالوا مصرين على عدم منح ترامب والأوروبيين ما يريدونه سواء في الاتفاق أو في تلك الملفات، ليس فقط بسبب ربطهم بين الاحتجاجات الداخلية والضغوط الخارجية، وإنما أيضا بسبب إصرارهم على إحراج الرئيس حسن روحاني وإضعاف موقعه السياسي خلال الفترة المتبقية من ولايته الرئاسية الثانية، التي يبدو أنها ستشهد صراعات سياسية محمومة نتيجة ما فرضته الاحتجاجات من معطيات جديدة على الأرض.

مشاركة :