تكتب للحياة، للحب، للإنسان الشامل والكامل، للإنسانية الحقة، للقيم والمبادئ التي بات يفتقدها المجتمع بفعل سيطرة الطابع الاستهلاكي عليه، كل ذلك نابع من شخصية الإعلامية والشاعرة ريتا الخوند التي سخرت الوسائل الموجودة بين يديها من القلم والورقة إلى وسائل التواصل الاجتماعي لترسم عالماً ملوناً بالجمال، رغم الغيوم السود الجاثمة على صدره، لتذكر القراء بالاستكانة إلى الحلم، ولفت انتباههم إلى الأصالة، لا سيما في العلاقات الإنسانية وفي التعبير الأدبي واللغوي. لذا لا تنفك منذ سنتين تنشر رواية متسلسلة على موقعها على فيسبوك، تزخر بحبكة روائية جميلة وبلغة عربية صافية ومتينة بعيداً عن لغة وسائل التواصل الاجتماعي. بعد نشر قصائدها وكتاباتها في الصحف والمجلات وفي وسائل التواصل، أصدرت الشاعرة ريتا الخوند ديوانها الأول «أميرة الياسمين» وتستعد لإصدار روايتها «أماني وَنور... قِصّة قدَر» قريباً. وفيما يلي تفاصيل الحوار: «أميرة الياسمين» عنوان ينمّ عن قصائد تحاكي الجمال والحب، ألا تجد تجارب الخيبة طريقها في قصائده؟ الحب فصول تتعاقب وتتداخل تماماً كما فصول السّنة... فيها الربيع وفيها الصّيف والخريف والشّتاء، لذا من الطبيعي أن يعيش العاشق تجارب الخيبة، وأن تجد هذه الخيبات طريقها إلى القصائد، بالتالي قصائد «أميرة الياسَمين» وسطورها هي نبض القلب ودقاته، لذا تتنوّع، فيحكي بعضها مشاعر الخيبة والأسى والعتاب والفراق والمعاناة، لكن يبقى الحب والجمال القاسم المشترك بين هذه الحالات الوجدانية... ويلاحظ من يقرأ الكتاب أنّه حتّى في حالة الخيبة الأقسى تعبِّر «أميرة الياسَمين» عمّا يخالجها بأسلوب يجمِّل الخيبة ويخفِّف من قساوتها ... تكتبين الشعر بلغة القلب. ماذا عن العقل، هل تعتبرين ألا مكان له في منطق الشعر؟ أسمى درجات الحب برأيي وأرقى كلمات الشعر هي عندما يعقد القلب قرانه على العقل في الحب، فتجذب الكلمة العقل وتأسره وتقرع باب القلب، ثم تدخله وتستقر في عمق أعماقه ...أنا لم أكتب يوماً إلّا بقلم محابره وحبره عقل وقلب... إنّه منطق الشعر بالنسبة إلي ! مرايا الروح تعتمدين القصيدة النثرية، فهل تقصدين من خلالها إيصال شعرك إلى القارئ بطريقة عفوية لا صناعة فيها؟ أتوسّل النثْر طريقاً إلى الشعر من دون أن أقع في النثريّة، وهنا أشير إلى أنني أقدّر طبعاً ما هو منظوم ومقفّى من الشّعر، لا سيما الجميل منه والأصيل، لكنّني شخصيّاً وجدت حروفاً نديّة في الشعر المنثور، فاخترته من دون غيره، لأنّه، في رأيي الشخصي، قادر على أن يعكس مرايا الروح، أو لعلّه الأقدر على البوح بمنتهى الرّقة والرّهافة، وعلى النطق بلغة صفاء ونقاء من طراز لغة الياسمين . يعكس الديوان تجارب جميلة في العشق نفتقدها على أرض الواقع، فهل يشكل هروباً لك من عالم بات الاستهلاك عنوان العلاقات فيه؟ لا شكّ في أنّ المجتمع اليوم يغلب عليه الطابع الاستهلاكي بامتياز، لكن يبقى لكلٍّ منّا عالم خاص على شكله ومثاله وعلى مقاس تطلّعاته وأحلامه... وما كتبته لم يكن هروباً من الواقع، إنّما الواقع الذي يشبهني هربت به إلى صفحات كتابي وليس العكس . ترسمين أمير الأحلام بأبهى صوره وتجعلينه ينطق بأجمل الكلام، هل ينم ذلك عن إيمانك بالإنسان وبإنسانيته رغم كل الفظائع التي تحدث من حولنا؟ نعم بطبعي أحب الكمال... ومتطرّفة لا ترضيني الحلول الوسط... أعمل دوماً كي أصل إلى الأفضل ولا أختار إلّا الأفضل ! قد لا نلتقي الإنسان الإنسان أو أمير الأحلام لكنه موجود، وأنا مؤمنة بوجوده، أراه تماماً كما وصفته في كتابي بأبهى حلّة قلباً وقالباً وروحاً وإنسانيّة ولغة ... وجود أعداد وفيرة من السيئين في كل مجتمع لا يلغي وجود بعض آخر قد يكون الحكاية الأجمل في حياتنا . إلى أي مدى يعيد الشعر إحياء القيم الجميلة التي باتت منسية ومهملة؟ للشعر تأثير كبير في الشعوب والحضارات... منذ أقدم العصور كانت القصيدة على أنواعها تحمل رسالة مؤثرة، ليس في شرقنا فحسب، إنما في الغرب أيضاً، لذلك على الكاتب أن يعي المسؤولية المترتبة على قلمه فيجنّد حبره وحرفه من أجل إيصال رسالة راقية، من أول أهدافها إعادة إحياء ما بات في طي النسيان من قيم جميلة ... برأيك، هل وظيفة الشعر إضفاء ألوان الفرح على الحياة وإغفال الألم والمعاناة، مع العلم أن في الحب ألم؟ لا أبداً، الشِّعر، كما سبق وقلت، هو سطور كُتِبت بنبض القلب وأنا قلت في كتاب «أميرة الياسَمين»: «أما أنا/ فمنذ كتبت لكَ/ دوّنت خفق القلب/ فكانت سطوري». القلب يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، وعلى الشعر أن يكون المرآة التي تعكس، بمنتهى الدقة والصدق والوضوح، كل هذه الحالات الوجدانية . تجربة فيسبوكية أميرة الياسمين بطلة روايتك التي نشرتها تباعاً على صفحتك على «فيسبوك»، لماذا اخترت اسمها ليكون عنوان ديوانك الأول؟ بطلة روايتي اسمها «أماني»... أما «أميرة الياسَمين» فهو الاسم الذي أطلقه عليها «نور» الرجل الذي وقع في غرامها لحظة رأى عينيها في صورة لها على موقع «فيسبوك». ولما ازداد متابعو روايتي واسمها «أماني وَنور... قِصّة قدَر»، صار المعلّقون ينادونني «أميرة الياسَمين»... فقرّرت أن يحمل ديواني الأوّل هذا الاسم، وبصراحة لا أظن أنَّني كنت سأجد أجمل منه لكتابي الأوّل! هل ثمة رابط بين الرواية والقصائد؟ نعم، والرّابط أساسي لأنّني بدأت بكتابة القصائد الأولى من وحي أحداث الرواية، وكانت الفكرة أن أجمع الأدب والشعر تحت سقف واحد في كتاب واحد. لكنّني عدلت بعد اقتناعي بأن قارئ الرواية دائماً على عجل يريد متابعة الأحداث من دون الغوص في قصائد قد تعوق معرفته بالمستجدات والنتائج... لذلك اختصرت من مساحة الشعر في الرواية لأجمعه في ديوان مستقل هو إصداري الأوّل! كيف تقيّمين تجربتك في نشر روايتك على «فيسبوك» تمهيداً لطبعها في كتاب؟ فكرة جريئة حذّرني منها أصدقائي خوفاً من سرقة كتاباتي ومن ألّا تلاقي الرواية متابعة كافية، لأن مستخدمي مواقع التواصل يهتمون بالصورة والطرفة والخاطرة وليس بنص سردي طويل من نوع الرواية... ومن جهة ثانية أصرَّ البعض على أن كل من يستخدم الـ«فيسبوك» اعتاد لغته السهلة وليس لديه صبر ووقت لقراءة لغة أَدبية أو روائية! رأيي كان العكس وقناعتي أننا كإعلاميين يجب أن نكون أصحاب رسالة وتأثير، فجازفت وقرّرت أن أتحدّى لغة الـ «فيسبوك» ورأي الأصحاب، إيماناً منّي بأن روايتي ستحفّز غيري ويمكن أن نساهم، من خلال كتابات راقية، في الارتقاء باللغة العربية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهي اليوم السلاح الأقوى، والارتقاء بالذائقة الأدبية إلى مستوى أفضل، فكانت لهذه التجربة أهمية كبرى لأنّني تفاعلت مع القراء، وبينهم أدباء وشعراء، بشكل مباشر فاكتشفت وقبل طبع الرواية ونشرها في كتاب أي طريق يجب أن يسلك قلمي لأصل الى قلب القارئ وكيف أجعله متابعاً شغوفاً... ولم أطبّق أبداً مقولة «الجمهور عايز كدا»، إنّما أعطيت هذا الجمهور ما يريده قلمي، أي لغة راقية مؤثّرة بشكل جيّد. من هنا أعتبر أنّ نشر روايتي على الـ «فيسبوك» تمهيد جيّد لطبعها بإذن الله في وقت قريب على الورق! كيف يتفاعل معها قراء الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي؟ روايتي «أماني وَنور... قصّة قدَر» تُنشر منذ سنتين على حسابين يحملان اسمي على الـ«فيسبوك» وعلى صفحات عدة لمنتديات شعريّة وأدبيّة معروفة، وتتابعها نخبة من أهل القلم والفكر، بالإضافة إلى قرّاء عاديّين لأنّني أعتمد لغة تجمع بين البلاغة والبساطة، والنتيجة تفاعل جيّد، وأنا اليوم أكتب الحلقة 112 وسأنشرها قريباً. مخزون فكري خاضت الشاعرة ريتا الخوند الصحافة المكتوبة والعمل الإذاعي، فإلى أي مدى أغنت تجربتها الإعلامية مخزونها الفكري والأدبي؟ تجيب: «أنا أوّلاً وأخيراً إعلاميّة خاضت العمل الإعلامي المسموع والمرئي والمكتوب، وتزوّجَتْ وأنجبَتْ وربَّتْ وسافرَتْ وهاجَرَتْ ثمَّ عادَتْ... وبعد ذلك عدْتُ إلى الجامِعة وحزت شهادة ماجستير بحثي في علوم الإعلام والاتصال، وهذا ما أضاف أيضاً إلى خبراتي صفة الباحثة». تضيف: «من هنا أعتبر أن الحياة هي تراكم خبرات... هذه الخبرات تُغني المخزون الإنساني والوجداني والفكري وطبعاً الأدبي والشِعري أيضاً».
مشاركة :