الباحث التركي عبدالله مناز فشل تجربة الإسلام السياسي في تركيا، رغم مناصرة التيارات الإخوانية لها، إلى البيئة الاجتماعية لتركيا غير المؤهلة للقبول بفكر تطبيق الأحكام الشرعية، لما لعبته سياسة الدولة الحداثية في تهيئتها كبيئة معتدلة بعيدة عن التعصب الديني. وأكد مناز في كتابه “فشل تجربة الإسلام السياسي في تركيا”، أن قصور الرؤية وفشل الأسلوب واستعجال الإصلاحات القريبة من فكر الإسلام السياسي، دفعت بمؤسسات الدولة العلمانية إلى مواجهة حزب العدالة والتنمية وتحجيم تأثيره على بنية المجتمع. ويرى الكاتب أنه بظهور حزب العدالة والتنمية، اتجهت أنظار مناصري فكر الإسلام السياسي نحوه، كونه حزبا تأسس على يد شخصيات تحمل فكر الرؤية القومية، حيث قُوبلت هذه الشخصيات، كرجب طيب أردوغان بعين الشبهة، كونها انفصلت عن لواء القائد الأساسي لفكر الإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان. وتابع “لقد أظهر حزب العدالة والتنمية الذي وصل إلى الحكم عام 2002، بالرغم من شبهات أنصار الفكر الإسلامي، أنه حزب محافظ أكثر من كونه يحمل فكر الإسلام السياسي التقليدي القائم على تطبيق النظم الشرعية في جوانب الدولة، ويميل إلى الحداثة والأفكار المرنة البعيدة عن التعصب الديني".كمال كليجدار أوغلو: الفوضى التي نراها في الشرق الأوسط هي نتيجة استغلال الدين لأغراض سياسية وإذا كان البر والتقوى والعمل الصالح من علامات الرجال الصالحين، فإن تورط الحلقة الأقرب إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الفساد ونهب المال العام يلغي تلك التقوى تماما، حيث فاقمت تراجيديا النموذج التركي الأردوغاني الأعداد الغفيرة من ضحاياه. وما انفك أردوغان يعلن أنه لا ولن يتخلى عن علمانية الدولة التركية ولا عن العلمانية منهجا له ولحزبه الحاكم وهو ما يناقض تماما أطروحات الإسلام السياسي في مسحته الإخوانية، حيث يغض أولئك النظر ولا يرون ذلك التناقض الصارخ. وتحدث الباحث مجدي سمير عن تناقضات أردوغان قائلا "سجل أردوغان عبر تاريخه السياسي الكثير من التصريحات والقرارات المتناقضة بشأن مبادئ العلمانية وعلاقتها بالإسلام، حيث أطلق عليها الكثير من التعريفات المتناقضة التي تحير المتابعين وتزيد من الغموض". وأضاف الباحث أن أبرز تناقضات أردوغان تبرز عبر قوله "لا يدّعي أحد أنه مسلم، ويقول في الوقت نفسه إنه علماني، فهذا غير ممكن"، في خطاب ألقاه عام 1997، حين كان رئيس بلدية إسطنبول، بينما تغنى بالعلمانية ومبادئها في سبتمبر عام 2011، خلال جولته في دول الربيع العربي. وفي المقابل نجد تيارا فاعلا على الساحة التركية ممثلا في تيار المعارضة وحزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي يعتبر نفسه قائما على مبادىء الجمهورية التركية الحالية، التي وضع أسسها مصطفى كمال أتاتورك قبل نحو تسعة عقود، يعارض بشدة مساعي حزب العدالة والتنمية لصياغة دستور جديد وفق توجهات الحزب. وقال زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو "إن العلمانية هي أساس السلم الاجتماعي والفوضى التي نراها في الشرق الأوسط حاليا هي نتيجة استغلال الدين لأغراض سياسية". وتمضي تيارات الإسلام السياسي في إطار التعمية والتسويف وجمع الأتباع والإيهام بمجد الإسلام السياسي في نموذجه التركي، بينما دولة المؤسسات العلمانية المطلقة التي أسسها أتاتورك ماضية إلى أهدافها غير مكترثة لمؤتمرات إسطنبول التي تجتمع فيها ثلة من تيارات الإخوان المسلمين بين الحين والآخر لتمجيد الرئيس التركي. ويتعايش الشعب التركي مع العلمانية بلا أي مشكلة كما كان في السابق، ما يخلق تناقضا لدى تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي الذي ينتظر بفارغ الصبر نعي العلمانية التركية وانتصار الإخوانية التركية. ويرى محللون أن تيارات الإسلام السياسي المتشبثة بأذيال أردوغان تحاول تغافل حقيقة الدستور التركي الذي ألغيت فيه القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية، من منع تعدد الزوجات وإقرار المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث.
مشاركة :