عُرف عن الجرّاح الفرنسي «هنري دي موندفيل» في العصور الوسطى ترديده النكات لمرضاه عند خروجهم من العلمية الجراحيّة بعد ما اكتشف فوائدها ودورها في التفريغ النفسي وجلب النوم وإبعاد القلق والاكتئاب، حيث أشارت بعض الدراسات الحديثة إلى أنّ كل دقيقة واحدة من الضحك تُعادل خمسة وأربعين دقيقة من الاسترخاء. في حين، ينصح خبراء آخرون بمشاهدة فيلم هزلي قبل النوم وإجبار النفس على الضحك أمام المرآة! وهذا ما حذا ببعض الدول المتقدمة - نظرًا لأهمية الضحك - بعقد مؤتمر دولي للفكاهة عام 2000م، تحدّث فيه الطبيب الأمريكي المعروف «ويليام فراي» عن ذكرياته وكيف كان الناس ينظرون لمهنته - أي مهنة العلاج بالضحك - بصورة تفتقر للجدّية في ستينيات القرن الماضي عندما كان أسلوبًا علاجيًا في مراحله الأولى! حتى انتشر بعد ذلك في مستشفيات أوروبا وأمريكا والهند واليابان وغيرها، وخُصصّت له غرف خاصة للضحك سميّت بغرف المرح! في الأدبيات المتعارفة، تبدو الفكاهة Humor قوة نفسية تقي العواطف الشبابية الجياشة وتمكّنها من رؤية بريق الأمل قِبَالَ التوتر والعقد، والتخفيف من الآلام والأشجان، والشفاء من سائر العلل والأمراض، وإقامة الروابط والصلات، وتحقيق التفاعل بين الأفراد والجماعات، وشحذ الهمم والعزائم، وتوثيق العلاقات والصداقات بين الشباب قاطبة، باعتباره شكلًا من أشكال التّعبير عن الفرح والسّعادة وخلق روح المشاركة بينهم بتأثيره الإيجابي على تأقلمهم وتلطيف مشاعرهم وتشجيعهم على العمل من جانب. فيما تلعب مشاعر الحنان Tenderness من جانب آخر دورًا كبيرًا في تعاضد العلاقات بين الشباب الذين تجمعهم حلقة من العلاقات الاجتماعيّة المتقاربة، باعتبارها شعورًا رقيقًا وإحساسًا رحيمًا بالحرص على حاجياتهم، والمحبة بينهم، والشفقة عليهم، والمسارعة لمواساتهم، وتناسي المسيء من أقوالهم وأفعالهم. تأتي مناسبة الحديث عن قُطبي الفُكاهة والحنان شبابيًا، بعد اجتمعتا كلتاهما في شخصية المغفور له «الحاج مُحسن إبراهيم المحاري»، اللتين أفاض بهما على مكون الشباب المحيط به من أقارب وأباعد وأداني وأقاصي، فهو مَنْ تجد - رغم انتكاسته الصحية بمحطة عمره الأخيرة في مجمع السلمانية الطبي - الابتسامة والضحكة تعلو مُحياه، ممتزجة بالحنان والودّ مع معاوديه وزواره، وخاصة الشباب الذين كثيرًا ما عهدوا فيه ارتسام الضحكة وحمائم الحنان رغم الألم والوجع الذي كان علّة قعوده عن المعالي والركون للمقدور، لا رعبًا ولا وَجلًا، في رحمة غامرة وسكينة عامرة. لفتة: في عصر يوم الاثنين الحادي من شهر يناير من العام الميلادي 2018م،غصّت جُنُبات مقبرة جنوسّان الشرقية بتوافد الحشود المشيعة من الطائفتين الكريمتين - التي طغت عليها فئة الشباب - لدفن محبوبهم «الحاج مُحسن إبراهيم المحارّي» الذي أتحفهم بجميل الفكاهة وفيض الحنان إلى مثواه الأخير؛ لتُطوى حينئذٍ آخر صفحة من صفحات عمره الحافلة بالفكاهة والطرافة مع المحيطين به، وبالحنيّة والوداد للمقربين منه بعد أنْ كان لهم ندى يمنح الحياة طراوةً.. وشمس تشّع في الأرجاء دفئًا.. وعِطر يفوح في الأمكنة شذًا.. وحلمًا باكر الأفول ليُوقظ مُحبيه وينهض بمُريديه - سيّما الشباب - على وقعِ رحيلٍ لا رجوع إليه! ربّ إنّه جاء ببابك، وأناخ بجنابك، فَجُدْ عليه بعفوك، وانقله من ضيق اللحود إلى جنات الخلود.. آمين يا ربّ كلّ العالمين.
مشاركة :