الزحف الرقمي على الأساليب والوسائل التقليدية صار أمرا واقعا يضاف لتلك المتطلبات الأخرى التي ظل الخبر وما هو عليه محورا أساسيا في التفاعل مع الجمهور العريض والفوز به وباهتمامه ومتابعته.العرب طاهر علوان [نُشر في 2018/01/23، العدد: 10878، ص(18)] بعيدا عن استحقاقات الصحافة وما هي وما أدوارها في المجتمعات الحديثة وحقوق وحريات الصحافيين هنالك ما يطارد الصحافي في كل يوم خاصة صحافيو غرفة الأخبار، إنه الخبر ولا شيء غيره. حتى الدقائق الأخيرة قبيل صدور الطبعة ما يقلق الصحافي هو أن يطغى خبر على خبر وتبث الوكالات مستجدات فيموت الخبر الذي تم نحته بعناية وإعادة صياغته وإنتاجه وإذا به بلا حياة فقد استجدت مستجدات وصار الخبر بائتا قديما. لعله إيقاع الحياة المتسارع وكونها أكثر استجابة للجديد وتفاعلا مع المتغيرات هو الذي فرض أن يولد الخبر ثم يموت في زمن قصير. عامل الزمن ظل يؤرق الصحافي منذ تلك اللحظة من العام 1906 عندما تم توزيع أول الطبعات من الصحف الورقية على الولايات الأميركية بواسطة قطارات الفحم. ستصل الصحف وقد ماتت أخبارها أو تكاد، لكن صحفا في لحظتنا هذه تصل إلى أكشاك الصحف بعد يوم أو يومين بسبب تأخر النقل الجوي أو البري أو غيرهما. الزمن الذي يؤرق الصحافي هو نفسه الزمن الذي يلاحق الخبر وتتحول مهمة إنقاذ الخبر من الموات وبث روح جديدة إلى مهمة شاقة. لا شك أن تأويل الظاهرة وتبسيطها بالقول إن سببها يعود إلى التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال وسرعة تناقل الأخبار، هو جزء من الحقيقة لكن الجانب الآخر منها يتعلق بالتغيير الهائل الذي طال المؤسسات الصحافية وآليات العمل فيها. المؤسسات الصحافية صارت تعوم في فلك هائل من وسائل الإعلام ووسائل نقل الخبر، فضلا عن الصحافة الرقمية التي صارت ترسخ منهجها وأساليب عرض الخبر والتحديثات الآنية عليه. لم يعد مستغربا مثلا أن يدخل القارئ أو الشاهد المحايد على الحدث طرفا فيقوم بإجراء تعديلات أو تحديثات على الخبر وهي سابقة أتاحت للخبر أن يمتلك حيوية جديدة غير مسبوقة. واقعيا نحن أمام ظاهرة بحث المؤسسة الصحافية عن آليات عمل جديدة تخلت فيها بالتدريج عن الأخبار التي يتم بثها اليوم لتصبح في حكم الماضي في الغد. أسلوب البناء على الخبر صار حلا وسطيا بديلا، الاستفادة من حيثيات الأخبار السابقة باتجاه إعادة إنتاج أخبار جديدة، وعدّ ما تم بثّه ونشره سابقا أرشيفا أو ما يعرف بالموضوعات ذات الصلة. في مقال له في صحيفة تلغراف البريطانية يحلل الكاتب باتريك ساوير هذه الظاهرة متأملا في المشهد وكيف انقلب رأسا على عقب بفضل شبكة الإنترنت وصار الخبر الصحافي يمتلك تأثيره والمتفاعلين معه بفضل تلك الخواص الفريدة وغير المسبوقة التي توفرها شبكة الإنترنت. في نفس الوقت وبحسب الكاتب نفسه هنالك جمهور عريض يمضي ما لا يقل عن 30 ساعة أسبوعيا في تتبع الخبر عبر شبكة الإنترنت بصرف النظر عن مصدر الخبر وطريقة صياغته. لم يعد ذلك الجمهور المتعجل مكترثا بطريقة صياغة الخبر بقدر المرور السريع على خبر في شكل برقية من بضعة كلمات، ولهذا سوف تلي الخبر الميّت والمستهلَك أخبار جديدة أخرى متسارعة. لا شك أن الصحافي المندمج في هذه المدارات المتداخلة صار يشعر أن مهمته الصحافية في ملاحقة الخبر تصبح يوما بعد يوم أسهل بكثير لغرض إنعاش الخبر وإنقاذه من أن يصبح بلا قيمة. من جهة أخرى هنالك ما يعرف بإيقاع العصر الرقمي المتسارع الذي يضيف أعباء أخرى إضافية على طريق المؤسسة الصحافية التقليدية. الزحف الرقمي على الأساليب والوسائل التقليدية صار أمرا واقعا يضاف لتلك المتطلبات الأخرى التي ظل الخبر وما هو عليه محورا أساسيا في التفاعل مع الجمهور العريض والفوز به وباهتمامه ومتابعته. كاتب عراقيطاهر علوان
مشاركة :